نظام مقترح جديد لوصف العلاقات بين عائلة الكتاب العربي
يَهدف هذا المقالُ إلى اقتراح نظامٍ ببليوجرافي جديدٍ لوصْف الإنتاج الفكريِّ العربي، لا يَقتصر على إتاحة بياناتٍ عن العنوان المطلوبِ فحسْب؛ بل يتوسَّع إلى التعريف بالعناوين والمؤلَّفات الأخرى التي لها علاقةٌ به، إذا أرادَ الباحثُ ذلك،
يَهدف هذا المقالُ إلى اقتراح نظامٍ ببليوجرافي جديدٍ لوصْف الإنتاج الفكريِّ العربي، لا يَقتصر على إتاحة بياناتٍ عن العنوان المطلوبِ فحسْب؛ بل يتوسَّع إلى التعريف بالعناوين والمؤلَّفات الأخرى التي لها علاقةٌ به، إذا أرادَ الباحثُ ذلك، وقد توصَّل كاتبُ هذا المقالِ إلى تعريف 64 نوعًا من المؤلَّفات العربيَّة التي تَخدم أو تكمل أو تتعلَّق بنصٍّ آخرَ، وهي ظاهرة مهمَّة في التأليف العربي، لا يوجد لها شبيهٌ في الحضارات واللغات الأخرى، إلاَّ في حالات محدودة.
كان تحقيق مشروع الفهرس العربي الموحَّد بدايةً مبشِّرة لتحقيق حُلمٍ عظيم، طالَما داعَبَ طموحَنا منذ عُنفوان الشباب؛ حيث كان الحلم بأن نبدأَ الخُطوة الأولى في طريق طويلٍ نحو الضبط الببليوجرافي للإنتاج الفكري العربي في جميع عصوره.
والآن يَستمر الحلم، وفي هذا المقال يَمتزج الحلمُ بالعلم؛ حيث أدعو علماء وخُبراء المكتبات والمعلومات إلى التعرُّف على نظرية ومنهجٍ جديدين، توصَّلتُ إليهما؛ حتى نتوصَّل إلى وصفٍ أكثرَ تقدُّمًا ونُضجًا للإنتاج الفكري العربيِّ في كلِّ عصوره، وخصوصًا للإنتاج العربي التراثي؛ حيث توصَّل الباحث إلى بياناتٍ حول العنوان المطلوب، وحول كلِّ "عائلة النص"، أو المؤلَّفات الأخرى التي تتعلَّق به أو تدور حوله.
ولنبدأ الحديث ببحثٍ افتراضي مُختصر كما يلي:
إذا قام باحث بالبحث عن كتابٍ عنوانه "الجامع"؛ تأليف ابن زُهر (الطبيب الأندلسي المتوفَّى عام 557هـ[1])، فسوف نجد بيانات هذا الكتاب؛ سواء كان مخطوطًا، أم منشورًا، ويتوقَّف البحث عند حدود هذا العنوان، ولن يُعطيَه الفهرسُ أو قاعدة البيانات الببلوجرافية أكثرَ من ذلك، ولكن هناك سرٌّ يَختفي وراء هذا العنوان، وهو أنَّ الطبيب ابن زُهر ألَّف كتابًا آخر عنوانه: "الجامع"؛ لكي يُكمل به كتاب "التيسير"[2]، وبالنسبة للباحث فقد لا يَكتمل "التيسير" إلاَّ بكتاب "الجامع"، وإذا لَم يعرف الارتباط العضوي بينهما، ضاعَتْ منه نصفُ الحقيقة، والسبب أنَّ خِدمات الفهارس والببليوجرافيَّات غير مُهيَّأة لكي تُعرِّف الباحثَ بهذه العلاقةِ المهمَّة بين الكتابين.
ولذلك كان اهتمامي بأن يكونَ الوصف الببليوجرافي للكتاب العربي أكثر شمولاً من مجرَّد الإشارة المُنفردة والمقطوعة بعنوان الكتاب، وأن يشملَ الوصف الببليوجرافي الإشارةَ إلى العناوين الأخرى للكتاب المتعلِّقة بالكتاب، إذا وُجِدت هذه العناوين، ولنأخذ مثالاً آخَر أكثر تعقيدًا في التأليف العربي يُوضِّح هذه القضيَّة.
قد يحتاج الباحث في تاريخ الأندلس وتراجِم علمائها إلى كتاب بعنوان: "الموصول، أو تاريخ علماء الأندلس"؛ تأليف ابن الفرضي المتوفى عام 403هـ[3]، وسوف يكون الباحث راضيًا عندما يتوصَّل إليه عن طريق الفهارس أو الببليوجرافيات، ولكنَّ هذا الباحثَ ينبغي أن يعلمَ أنَّ هناك كنوزًا مخبوءَة وراء هذا الكتاب، ومن الضروري - علميًّا ومنهجيًّا - أن يتوصَّل إلى هذه الكنوز، ولكنَّه يحتاج إلى منهجٍ ببليوجرافي جديد؛ لكي يوصِّله إلى هذه الكنوز.
فكتاب "الموصول" له عائلة من الكتب، إذا عَلِم بها الباحث، توفَّر لديه خيرٌ وفير، ومن نماذج هذه العائلة ما يلي:
جاء بعد ابن الفرضي بنحو 175 عامًا مؤلِّفٌ اسمه ابن بشكوال - المتوفى عام 578هـ - وألَّف كتابًا يُذيِّل به - أي: يُكمل به - على كتاب "الموصول"، وعنوانه: "الصِّلة في تاريخ أئمَّة الأندلس"[4].
ثم جاء بعد ابن بشكوال -بنحو ستين عامًا- مؤلِّف اسمه المراكشي المتوفى عام 647هـ تقريبًا، وألَّف كتابًا جديدًا يُكمل به على الكتابين السابقين - أي: الموصول والصلة - وكان عنوان كتابه هو "الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة"[5].
وهكذا تمتدُّ التغطية التاريخيَّة في هذه الكتب الثلاثة، بَدءًا من نهاية القرن الرابع الهجري في كتاب الموصول؛ لتصلَ إلى منتصف القرن السابع الهجري تقريبًا.
ويوضِّح الشكل التالي العلاقةَ بين هذه النصوصِ الثلاثة، وسوف نُسمي النصَّ الأول بالنص الأصلي (أ)، (أو البداية المفترضة في هذا النموذج)، ونسمي النص الثاني (ب) (بالذيل)، أمَّا النص الثالث (ج)، فهو ذيلٌ للنص (أ)؛ لأنه يكمل عليه، وذيل على الذيل للنص (ب)؛ لأنه يكمل عليه أيضًا[6].
ملاحظات
عائلة النص
(أ) النص الأصلي.
الموصول أو تاريخ الأندلس؛ لابن الفرضي، 403هـ.
(ب) ذيل على الأصل (أ).
الصِّلة في تاريخ أئمَّة الأندلس؛ لابن بشكوال، 578هـ.
(ج) ذيل على الأصل (أ)، وذيل على الذيل (ب).
الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة؛ للمراكشي، 647هـ.
وقد أورَدت هذا النموذجَ مختصرًا، وهو جزءٌ من نموذج أكثر تعقيدًا، يُمثل العائلة الأكبر للكتاب الأصلي (الموصول)، وهي كبيرة؛ لأنها تَشتمل على (أصل) وثمانية ذيول، متَّصلة ومتتابعة في الزمن، آخرها كتاب المراكشي الذي ورَد في المثال السابق[7].
والآن فمن المهم أن نُشير إلى الملاحظات الآتية:
أولاً: استخْدَمت في المثالين السابقين نوعًا من التأليف العربي، وهو الذيول، ويُعتبر الذيل تكملة وامتدادًا لكتابٍ سابقٍ عليه، وهو في الغالب يُكمل مدَّة زمنيَّة، أو أحداثًا تالية لتغطية الكتاب الأوَّل، وربما يُكمل أجزاءً من الموضوع لَم يَشملها الكتاب الأصلي[8].
وغالبًا ما تحمل الذيول في عناوينها كلماتٍ تُحدِّد وظيفتَها وعلاقتها بنصٍّ سابق؛ مثل: الذيل، الصِّلة، التتمَّة، التكملة، الإكمال، الزيادة، التذنيب، ويُقابل ذلك في الإنجليزية مصطلحات مثل: (Appendix, Excursus, Supplement)، وفي بعض الأحيان يكون الكتاب ذيلاً، ولكن عنوانه لا يدلُّ على ذلك؛ مثل كتاب "الجامع" الذي سبَق ذكره، وأحيانًا يكون الكتاب تكملةً لتكملة، أو ذيلاً على ذيلٍ، وقد يُسمَّى حينئذٍ صلةَ الصِّلة، أو إكمالَ الإكمال.
ثانيًا: تَحتاج الكتب العربية - وخصوصًا التراثيَّة - إلى منهج مُقنَّنٍ للوصف الببليوجرافي؛ بحيث لا تقتصر البيانات الببليوجرافية على مجرَّد إعطاء بيانات عن الكتاب تحت عنوانه أو مؤلفه فحسب، والوقوف عند هذه الدرجة؛ فقد يكون للكتاب توابعُ من الكتب تَرتبط به وتَخدمه، أو يكون الكتاب مرتبطًا بعنوان أو عناوين سابقةٍ عليه، وفي هذه الحالة توجد "عائلة الكتاب"، وهذا المنهج المُقنَّن هو ما أقترحه؛ لكي تشتمل تكنولوجيا المعلومات على إمكانيَّات تعريف الباحث بوجود علاقةٍ أو علاقات للكتاب، وتوصيله إلى العناوين ذات العلاقة بالكتاب، عندما يَرغب في ذلك بطريقة مُقنَّنة ومُيسَّرة.
ثالثًا: قُمتُ بدراسةٍ استغْرَقتْ أكثر من ثلاثين عامًا؛ لمعرفة أنواع التأليف العربي التي ظهرَت؛ لكي تَخلق علاقات بين النصوص أو عائلات النصوص؛ حيث يوجد نصٌّ مركزي تَخدمه نصوصٌ تالية، ثم توجد نصوص تَخدم النصوصَ التالية... إلخ.
ومن بين هذه الأنواعِ من التأليف: التذييل، الاستدراك، التهذيب، التلخيص، الشرح، التدريج، الردود، وقُمتُ بحصْر 64 نوعًا من التأليف في هذا المجال.
رابعًا: اهتمَّ بهذه الظاهرة ببليوجرافيون عِظام، كان من أبرزهم حاجي خليفة في كتابه: "كشف الظنون"، وقد اهتمَّ بتوضيح "متعلقات" الكتاب؛ أي: النصوص المرتبطة به، وقد حوَّلت ما أشار إليه حاجي خليفة، وما اكْتَشفتُه بالدراسة للكتب العربيَّة - إلى نظامٍ يَصلح لاستخدامه في العصر الحديث، أطلقتُ عليه: الببلوجرام، أو: وصْف علاقات النصوص، وهو ما يَحتاج إلى حديثٍ مُطوَّلٍ.
المصدر: مجلة التسجيلية: (مجلة دوريَّة تَصدر عن مركز الفهرس العربي الموحد)، العدد التاسع عشر، ربيع الآخر 1433هـ - مارس 2012م.
[1] حاجي خليفة؛ كشف الظنون، مج (1/ 520).
[2] المرجع السابق.
[3] ابن الفرضي؛ الموصول، أو تاريخ علماء الأندلس، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والنشر، 1966.
[4] محمد بن شريفة؛ "مقدمته" في المراكشي؛ الذيل والتَّكملة لكتابَي الموصول والصِّلة؛ تحقيق: محمد بن شريفة، بيروت، دار الثقافة، 1973، ص (6).
[5] المرجع السابق.
[6] كمال عرفات نبهان؛ عبقرية التأليف العربي، مدينة 6 أكتوبر (مصر)، مركز دراسات المعلومات والنصوص العربية، 2007، ص (277).
[7] المرجع السابق.
[8] المرجع السابق، ص (257 - 279).
كمال عرفات نبهان
- التصنيف: