في مضايا... يأكلون القطط ويموتون جوعاً رفضاً للركوع امام النظام والحزب

منذ 2016-01-09

"أصبحت مستعداً نفسياً لأكل القطط والكلاب" جملة ستكون مخيفة ومقززة، إذا قالها بشري خارج مساحة لا تتجاوز 2 كيلو متر مربع في سوريا، لكن داخل هذه البقعة البائسة الجائعة، باتت هذه الكلمات عادية، خصوصًا بعد 195 يوماً من حصار يفرضه النظام السوري و حزب الله على بلدة مضايا الحدودية بناء على معادلة "الجوع أو الركوع".

"أصبحت مستعداً نفسياً لأكل القطط والكلاب" جملة ستكون مخيفة ومقززة، إذا قالها بشري خارج مساحة لا تتجاوز 2 كيلو متر مربع في سوريا، لكن داخل هذه البقعة البائسة الجائعة، باتت هذه الكلمات عادية، خصوصًا بعد 195 يوماً من حصار يفرضه النظام السوري و حزب الله على بلدة مضايا الحدودية بناء على معادلة "الجوع أو الركوع".

(أبو عابد) شاب وناشط سوري يعيش في مضايا، يقتصر طعامه اليومي على ملعقة صغيرة من الطحينة مطبوخة لتتحول "حساء" و50 أو 75 غراماً من الارز أو البرغل، ولم يحين وقت تناوله قطة لكن الجوع والحرمان دفع من حوله إلى أكل الحيوانات وطبخ الأعشاب فقط من أجل البقاء على قيد حياة.

لكن أي حياة هذه يذبح فيها البشري قطة أو حماراً ليسكت ألم جوعه، أي حياة هذه تنشغل فيها الوالدة بالبحث عن الأعشاب تحت الثلوج وطبخها لأبنائها، أي حياة هذه ينعدم فيها وجود الحليب للأطفال؟ وفي أحد الفيديوات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عن الحصار في مضايا، أظهر والدة تطعم طفلتها (سنة ونصف السنة) حساء المربى والمياه، وتقول: "هذا الطعام ثقيل عليها، لكن هذا ما توافر لنا كي نبقي الطفلة على قيد الحياة"، وفي فيديو آخر، طفل جائع، عظام قفصه الصدري وأطرافه واضحة من انعدام الغذاء، وتقول والدته: "نطعمه كل 10 أيام الحليب أما باقي الأيام فيعيش على الملح والمياه".

الموت جوعاً

أكثر من 30 حالة وفاة بسبب الجوع في مضايا، غالبيتها في شهر كانون الأول وبينهم أطفال ونساء، في منطقة يبلغ عدد سكانها المحاصرين أكثر من 40 ألف نسمة، يقول (أبو عابد) المنهك من قلة الغذاء: "يومياً بيطرق بابي أطفال وشيوخ ورجال يسألون عما يسد الرمق، يحزن المرء أنه لا يستطيع أن يقدم أي شيء، وفي إحدى المرات تواصلنا مع جمعية إغاثية من أجل اسعاف شخص يموت من الجوع، لكنه فارق الحياة قبل الوصول إليه، وهذه الحالة تكررت أكثر من مرة".

علبة السجائر بـ 10 دولارات

"الرزق على الله" بالنسبة إلى (أبو عابد) الذي يواجه الجوع بملعقة طحينة و50 غرامًا من الارز، حاله كحال باقي البشر في هذه البلدة "لا قوة للقيام بأي عمل، الخمول طاغي على الناس، ويبتعدون من أي عمل شاق" وفق "أبو عابد" الذي يذكّر بأن "مضايا محاصرة منذ 6 أشهر (حصار كامل) ومنذ أكثر من سنة (جزئي) بمنع إدخال الطحين أو المحروقات وعدد من الأغذية".

هل أكلت القطط أو الكلاب؟ يجيب: "أنا حالياً عندي استعداد نفسي كي أكل قطة أو حتى كلب، وليس أنا فحسب بل هناك الكثير مثلي، وهناك فعلاً من يتناول لحم حيوانات لا تؤكل". سعر كيلو الارز في مضايا تجاوز المئة دولار أميركي، ماذا عن المدخنين؟ يوضح "أبو عابد": "هناك ازدياد في عدد المدخنين لأن التدخين يجعل المعدة لا "تخوّر" (تتألم من الجوع)"، مشيراً إلى أن "الدخان يهربه النظام بسهولة أكثر من الطعام وبأسعار مرتفعة طبعاً، مثلا العلبة الواحدة بـ 10 دولارات".

عدم تناول الزنبق الأزرق

هذه المنطقة تندرج ضمن صفقة (الزبداني - الفوعة وكفريا)، وفي سبق أن وصلتها مساعدات في 18 - 10 - 2015، عبارة عن 30 كيلو طعام لكل عائلة وتضمنت: 10 كيلو أرز و4 حمص و4 سكر و3 برغل و2 معكرونة و6 معلبات فول 300 غ للعلبة، و5 لتر زيت دوار الشمس. وبحسب أبو عابد: "عندما دخلت المساعدات كان الحصار مستمرًا من نصف رمضان الماضي والناس ليس لديها أي شيء، ومن الطبيعي أن ينفد بسرعة، خصوصاً أنها المساعدات الوحيدة التي دخلت خلال 6 أشهر". أما التجار فـ"مستودعاتهم فارغة من المواد الغذائية، ويحصلون على القليل منها عبر طرق خاصة وعناصر فاسدة من النظام، ويعرضونها بالسوق بأسعار خيالية".

قضى رجل يبلغ وزنه 45 كيلو فقط جراء الجوع، واحتاجت عملية نقله نحو 8 رجال لحمله، فقلة الغذاء "هدّت من حيل الرجال"، ومن المنشورات التثقيفة التي تنشر في مضايا: "تحذير للناس بعدم تناول زهرة الزنبق الأزرق وورقها لأنها سامة"، وأخرى فكاهية نقلها لنا الناشط السوري علاء التيناوي: "الله يرحمو للكر(حمار صغير) كان منيح... والله قطة جارنا كانت حلوة بس بدنا ناكل طبخناها".

"نعم يأكلون القطط"

"نعم يأكلون القطط والكلاب بعد ذبحها وحتى هذه الحيوانات لم تعد موجودة" يقول التيناوي ويضيف: "تم أخيرًا ذبح آخر حمار صغير في البلدة وتم بيع سيارة مقابل 5 كيلو رز وبيع سلاح خفيف مقابل علبة بسكويت". وتتبع مضايا لمحافظة ريف دمشق وتقع شرق مدينة الزبداني وتبعد من العاصمة حوالي 40 كلم، بين سكانها 1200 عائلة من الزبداني، وفق التيناوي، ولا جبهات في محيط البلدة، فالأمر الإيجابي الوحيد الذي بسطته اتفاقية الزبداني - الفوعة وكفريا أنه "بسط وقفاً لاطلاق النار، ودخلت مرة واحدة شاحنتان مساعدات، وسرقت منها بعض كميات المواد ولا تحوي على حليب للاطفال". ويشير إلى أن وفيات الجوع تجاوز عددهم 30 شخصاً وعلى الأقل بينهم 3 نساء وشيخين وأكثر من 10 أطفال". والأسعار بحسب التيناوي: "يصل إلى 180 دولاراً لكيلو الرز، 175 دولاراً لكيلو السكر، أما علبة الحليب الواحدة فيبلغ سعرها 300 دولار، السميد 160 دولارا للكيلو الواحد".

تبرعات وألغام أرضية

وعلى الرغم من غلاء الأسعار فهناك فئة صغيرة تشتري الغذاء، ويقول التناوي: "لهذا السبب نطلب التبرعات حتى تستطيع الناس أن تشتري أي شيء"، مذكراً بأن "مضايا منطقة جبلية والشتاء فيها صعب جداً، خصوصًا مع انعدام وجود مواد التدفئة، والثلج صعّب مهمة جمع الأعشاب لطبخها". ويلفت الناشط "أبو عابد "إلى أن "الأموال تصل عبر حوالات، فهناك طرق مختلفة لم اطلع عليها توصل الأموال إلى الجمعيات الإغاثية أو أشخاص لهم علاقات مع الأخيرة".

ولا يقتصر الحصار على حواجز أو نقاط عسكرية، بل أقدم النظام والحزب على رفع ساتر ترابي ارتفاع 4 أمتار على طول أكثر من 3000 متر، إضافة إلى زرع محيط البلدة بأكثر من 6 ألاف لغم أرضي، ويشير التيناوي إلى أن "أكثر من 15 شخصاً تم بتر أطرافهم بسبب الألغام وأكثر من خمسة قضوا لحظة انفجارها".

"حزب الله" المتشدد

ماذا عن المعارضة المسلحة في مضايا؟ يجيب أبو عابد: "تتبع المعارضة للمجلس الثوري الذي يضم فصيلي "أحرار الشام" و"الجيش الحر" وتعتبر مضايا منطقة مهادنة لذلك ليس فيها قوات للمعارضة، وليس هناك من أعمال عدائية ولا تشكل تهديداً إلا للحزب أو النظام"، معتبراً أن "الحصار هدفه الضغط على جيش الفتح في ملف الفوعة وكفريا".

الأكثر تشديداً على الحواجز بالنسبة إلى "أبو عابد" هم "عناصر حزب الله وهم المستفيدون مادياً"، لكنه يؤكد أن "كل نقطة عسكرية يوجد فيها من النظام والحزب، وهناك نقاط مستقلة لكل طرف، ولا يتم مهاجمة النقاط بسبب هدنة الزبداني"، معتبراً أن "فك الحصار بات مرتبطاً بالفوعة وكفرياً وإذا حلت المشكلة فسيكون الأمر سهلاً".

وبالنسبة إلى التيناوي "إنها حرب إبادة باستخدام سلاح الجوع، وهناك مؤشرات مجزرة جوعاً إن لم تتسارع الأحداث"، وانتقد "خيانة الامم المتحدة لأبناء مضايا وعدم مساعدتها لهم".

الفوعة وكفريا... "لا جوع"

مضايا والفوعة وكفريا تتشابه بالحصار، لكن الاختلاف أن "في البلدتين الاخيرتين لا موتى جوعاً"، ويقول الناشط السوري عماد أبو أيمن المتواجد في محيط البلدتين المحاصرتين من "جيش الفتح" في ادلب: "من المفترض أن تكون حال البلدتين، حيث يعيش نحو 27 ألف نسمة، مشابهة لكن الوضع فيها مختلفاً، فالحوامات التابعة لقوات النظام السوري لا تتوقف عن إلقاء السلال المظلية المحملة بالمواد الغذائية والطبية، علماً أن هذا الأمر يعتبر خرقًا للهدنة المبرمة بين النقيضين برعاية أممية كان عنوانها من جهة النظام (الجوع أو الركوع) والتي قبل بها سكان الغوطة المحاصرة لانعدام البدائل. ناهيك عن دخول المواد الغذائية الى البلدتين المحاصرتين بموجب الهدنة والتي دخل مثلها لبلدات مضايا والزبداني وغيرها المحاصرة مع فارق أن ما دخل إلى الاخيرة كانت مواد منتهية الصلاحية". 

 

محمد النمر

المصدر: موقع جريدة النهار
  • 0
  • 0
  • 1,133

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً