ضغوط سياسية غير متكافئة
تمامًا كما في الحرب غير المتكافئة؛ عندما تتقاتل قوةٌ صغيرةٌ وغير مجهزةٍ مع خصمٍ أكبر حجمًا وأكثر تجهيزًا من خلال تكتيكات حروب العصابات ووسائلٌ أخرى غير مباشرة، كذلك اليوم، في عصر السيطرة السياسية للشركات، لابد أن نقوم بتطوير تقنياتٍ للضغوط غير المتكافئة من أجل أن تتعادل الفرص على أرض القتال. افهم النظام، ثم حلل علاقات وترابطات القوى، ثم حدد نقاط الضعف، ثم قم ببناء الاستراتيجية الخاصة بك.
إليكم اثنان من الأسماء التي ربما لا تعرفونها، رغم أنه من المهم أن تعرفوها.. أولًا: بريجيت غابرييل، وهي مسيحيةٌ لبنانيةٌ، وواحدةٌ ممن روّجوا سابقًا لمجرمي حرب جيش لبنان الجنوبيّ الذي كانت تديره إسرائيل، وهي الآن مواطنةٌ أمريكيةٌ بالتجنُّس بعد أن جعلت من كراهية المسلمين مهنةً لها بعد أحداث 11 سبتمبر، وقامت بتأسيس منظمةً تُدعى (تحرك من أجل أمريكا – ACT for America)، وهي منظمةٌ تستفيد من حشد موارد المتطرفين الإنجيليين المسيحيين والصهاينة للدفع بجدول أعمالٍ أساسه هو تجريم الإسلام، وهذه المنظمة مسجلةٌ كأحد جماعات اللوبي أو الضغط السياسية، والاسم الآخر هو ليزا بيرانيو، وهي عضوة المنظمة البارزة لممارسة الضغط السياسيّ.
نحن نعلم بالفعل أن نظام السيسي يدفع حوالي 250،000 دولار شهريًا (أي 3000000 دولار في السنة) إلى مجموعة جلوفر بارك (GPG)، وهي إحدى شركات اللوبي والضغط السياسي المحببة إلى إسرائيل، والفاتورة على الأرجح تقوم بسدادها دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن ما هو السبب في أهمية منظمة (ACT for America)؟ هذا لأنها جماعة الضغط الوحيدة المسجلة، للضغط تحديدًا فيم يتعلق بمشروع قانون اعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
مما لا شك فيه أن فكرة مشروع القانون نشأت مع مجموعة غلوفر بارك، فقد كانت هناك اتصالات مكثفة بين اللوبي والنائب ماريو دياز بالارت -وهو الراعي لمشروع القانون- في الأشهر التي سبقت عرضه على اللجنة القضائية في مجلس النواب، ونص مشروع القانون يذكر بشكلٍ حصريٍ تقريبًا الأفعال المنسوبة إلى جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
تلخيصًا لما سبق؛ تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بدفع المال لأحد شركات الضغط السياسيّ بواشنطن من أجل دعم السيسي، وهذه الشركة تقوم بدفع المال لأحد أعضاء الكونغرس ليقوم بتقديم مشروع قانون يعتبر الإخوان جماعةً إرهابيةً، وهناك شركة لوبي وضغط سياسيٍّ أخرى تقوم بدفع المال لأعضاء لجنة الكونغرس لتمرير مشروع القانون، وكل هذه العملية ستتكرر مرةً ثانيةً عند تقديم مشروع القانون للتصويت عليه في مجلس الشيوخ، وفي هذه المرحلة يمكننا أن نتوقع أن تقوم مجموعة جلوفر بارك بممارسة الضغط السياسيّ، وتلك هي الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية في الولايات المتحدة، وتلك هي الطريقة التي تصنع بها السياسة.
حسنًا.. كيف يفترض بنا أن نتعامل مع كل هذا؟ هل يملك الإخوان 3000000 دولار لكي يدفعوها كل عامٍ لضمان الدعم الإيجابيّ من اللوبيات السياسية وجماعات الضغط السياسيّ في واشنطن؟ أستطيع أن أخمن أنهم لا يملكون هذا! يقال أنّ منظمة “ACT for America” أنفقت حواليّ 40000 دولار فقط للضغط على اللجنة القضائية في مجلس النواب من أجل مشروع قانون اعتبار الإخوان جماعةً إرهابيةً، وكان من الممكن أن يتم إيقاف مشروع القانون هناك، كما تم إيقافه منذ عامين عندما اقترح للمرة الأولى من قبل عضو آخر من المؤتمر، ولكن ما لم يكن يستطيع الإخوان أن يدفعوا لأعضاء اللجنة حواليّ 50 ألف دولار لكي لا يتم اعتبارهم كإرهابيين، فإن اللجنة ستأخذ في هذه الحالة الـ40 ألف دولار التي عُرضت عليها ليتم اعتبارهم إرهابيين، وهذا هو ما حدث.
وعندما ترى ببساطة هذا النظام الصريح المتمثل في دفع الأموال مقابل الأصوات، سيصبح لديك خياران لا غير، إما أن تتمكن من المنافسة في المزاد للحصول على الدعم السياسيّ، وفي هذه الحالة أنت بحاجةٍ إلى المال -الكثير من المال على الأرجح-، أو يمكنك أن تحدد المنافسين الأنشط وتضغط عليهم مباشرةً من خلال تعطيل مصالحهم. عليك أن تتعرف على المساهمين الماليين الرئيسين الذين يمولون أعضاء الكونجرس في اللجنة، وتتعرف على العملاء الأكثر ربحيةً لشركات الضغط، ثم تستهدفهم، ثم تقوم بإيصال رسالةً مفادها أنه إذا تم تمرير هذا القانون أو ذاك أو لو تم رفضه، فإن هذا سيؤثر بشكلٍ مباشرٍ على ربحيتهم.
على سبيل المثال، بعض كبار عملاء مجموعة جلوفر بارك هم شركاتٌ مثل آبل وكوكا كولا ودوبونت… إلخ، وعقود مجموعة جلوفر بارك مع هذه الشركات متعددة الجنسيات هي بلا شك أكثر أهميةً بالنسبة لهم من العقد المبرم بينها وبين الانقلاب، وهذه الشركات سيكون لها تأثيرٌ هائلٌ على العلاقة بين مجموعة جلوفر بارك والسيسي، فإذا كان هناك تضاربٌ في المصالح بين ما يريد النظام المصريّ أن تقوم مجموعة جلوفر بالضغط من أجله، وبين ما تريده شركة آبل مثلًا، فبالتأكيد شركة آبل ستفوز، بالتالي إذا كسبت تأييد آبل فستفوز معه بالسطوة السياسية لشركة آبل، وأعتقد أن هذه معادلةٌ غايةٌ في البساطة!
المساهمون الرئيسون وراء عضو الكونجرس ماريو دياز بالارت هم شركة جرينجرج تروريج – Greengerg Traurig LLP، وهي إحدى الشركات القانونية الدولية الكبرى، وعملائها هم مجموعةٌ متنوعةٌ من القطاعات الاقتصادية التي تخدم وظيفةُ العضو دياز بالارت مصالحها جميعًا.. قوموا بتحديد أهم عملاء جرينجرج تروريج واستهدفوهم وبهذا تكونوا قد اشتريتم لأنفسكم للتوّ عضوًا في الكونجرس.
تمامًا كما في الحرب غير المتكافئة؛ عندما تتقاتل قوةٌ صغيرةٌ وغير مجهزةٍ مع خصمٍ أكبر حجمًا وأكثر تجهيزًا من خلال تكتيكات حروب العصابات ووسائلٌ أخرى غير مباشرة، كذلك اليوم، في عصر السيطرة السياسية للشركات، لابد أن نقوم بتطوير تقنياتٍ لمعالجة الضغوط غير المتكافئة من أجل أن تتعادل الفرص على أرض القتال.
افهم النظام، ثم حلل علاقات وترابطات القوى، ثم حدد نقاط الضعف، ثم قم ببناء الاستراتيجية الخاصة بك.
شهيد بولسن
- التصنيف: