من إعجازات الشرع

منذ 2016-03-10

أوجه الإعجاز فى الأحكام الشرعية لم يستطع ولن يستطيع عقلنا القاصر حصرها فى يوم من الأيام؛ فهى تمتد إلى كل صغيرة وكبيرة، غير أن التقصير فى معرفتها فضلًا عن العمل بها فى معظم الديار الإسلامية قد حرمنا فضل الانتفاع بها ولا حول ولا قوة إلا بالله، فكل حكم حتى لو كان مجرد أمر مستحب فهو يشارك فى بناء والحفاظ على ذلك الصرح .

أوجه الإعجاز فى الأحكام الشرعية لم يستطع ولن يستطيع عقلنا القاصر حصرها فى يوم من الأيام؛ فهى تمتد إلى كل صغيرة وكبيرة، غير أن التقصير فى معرفتها فضلًا عن العمل بها فى معظم الديار الإسلامية قد حرمنا فضل الانتفاع بها ولا حول ولا قوة إلا بالله، فكل حكم حتى لو كان مجرد أمر مستحب فهو يشارك فى بناء والحفاظ على ذلك الصرح الإسلامى العظيم .

فالنظام الإسلامى نظام شامل متكامل يؤازر بعضه بعضًا، فهو يبدأ ببناء الفرد وتقويته وتقويمه ليكون لبنة قوية فى ذلك الصرح .

وإذا كان أهل العلم لم تسعهم المجلدات الضخمة لتحوى كل أحكام الشرع، فكان كل عالم يبدأ ليكمل آخر من بعده وهكذا، فكيف يكون الأمر إذا أُريد تأمل كل حكم ومدى الروعة والإعجاز الذى يبين مدى ملائمته لاحتياجات البشر، وقدرته على المضى بهم نحو حياة مثالية قد عجز المفكرون وصناع القوانين أن يدركوها، وهذا أمر بديهي لأن خالق الخلق أعلم بهم، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [ الآية:١٤]          

فلو قمنا بإلقاء الضوء على أحد هذه الأحكام وليكن الدية التى تُدفع لأهل القتيل؛ فهناك أربع فئات لا يقوم أى منهم بدفع الدية: الفقير والمرأة والصبى والمجنون، وإنما تدفع عنهم العاقلة وهم العصبة وهم الأخوة وأبناؤهم والأعمام وأبناؤهم وأعمام الأب وأبناؤهم وأعمام الجد وأبناؤهم. والمرأة لا تدفع الدية حتى مع قدرتها على الدفع؛ بل تدفع عنها العاقلة مهما كانت هذه المرأة ثرية  فقد روى هريرة رضى الله عنه: «اقتتلتِ امرأتانِ من هُذيلٍ، فرمتْ إحداهما الأخرى بحجرٍ فقتلتْها وما في بطنِها، فاختصَموا إلى النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقضى أنَّ ديةَ جنينِها غرةٌ، عبدٌ أو وليدةٌ، وقضى أنَّ ديةَ المرأةِ على عاقِلتها » (صحيح البخاري؛ رقم: [6910]).

 وهذا أيضا ضمن منح الشرع للمرأة التى يحاول أعداء الإسلام داخل دياره وخارجها إظهاره مظهر الجاني على المرأة عندما خصص لها نصف المخصص للرجل من الإرث؛ فهناك جهل أو تجاهل لحقوقها لدعم محاولات إثارة الحفيظة ضد الإسلام الذى لم تلق امرأة تكريمًا فى أى زمان و لا مكان مثلما لاقت المرأة المسلمة فى ظله؛ وذلك فى جزئية صغيرة فى أمر يمكن أن نخصص له دراسات مستقلة، وهذا ليس المحور الوحيد فى موضوعنا، لكن الفكرة الأساسية فى موضوعنا هى الجانب الإعجازى فى فرض التكافل الاجتماعى وهذا مفهوم وواقع من مبدأ الاشترك فى دفع الدية وعدم إلزام تولى الجانى بهذا الأمر وحده.

أما الجانب الأكثر إعجازا هو التكافل من الناحية الاجتماعية الإنسانية الذى يقتضى أن تسود العلاقات روح الجماعة والتعاون والتواصل ، فالفرد الذى يشعر بوقوع مسئولية حقيقة وفعلية عليه عندما يقع أحد أفراد العصبة فى خطأ سواء وصل هذا الخطأ إلى حد قتل آخر أو إصابته بعاهة أو حتى مجرد إصابته بجرح- فهذا يجعل مبدأ التكافل الاجتماعى أمرا حتميا على الجميع لأن أى تعدٍ على الآخرين سيحمل تبعته الجميع مشتركين دون اختيار مما يفرض على الجميع أن يكون هناك تواصل مستمر والذى هو بلغة الشرع – و ما أجملها من لغة – صلة الأرحام فيجعل الجميع يتفقد أحوال الجميع ويحاول أن يظلهم برعايته ويعرف احتياجتهم ومشكلاتهم أولًا بأول وليس بالضرورة المادية منها فحسب ، لأن الأهم منها إحلال السلام فى نفوس الأفراد إتقاءً لحدوث المنازعات والمشاحنات التى تصل إلى حد القتل أو ما دونه، فلو كان الهدف الشرعى ماديًا فحسب لرهن مبدأ عدم المشاركة بالفقر فحسب بل امتداده حتى للمرأة ولو كانت ثرية ، فمقاصد الشرع تبدأ كالعادة بالإجراءات الوقائية قبل العلاجية فالإئتلاف والانسجام وتبادل المودة بين أفراد العصبة والإطلاع المستمر والمتبادل على أحوال الآخرين هو الذى يجعل الفرد فى مأمن من المفاجآت المفجعة ماديًا وأدبيًا فوجود مثل هذه النماذج التى هى أقرب للانحراف ليست بالشئ المشرف أو المستحب داخل أفراء العائلة كبرت أو صغرت فماذا لو أخذنا بداية الآية الكريمة شعارًا لنا فى قوله تعالى : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ } وأغفلنا قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة من الآية2]

فحتى لو تعاونا على البر والتقوى فلا نضطر أن ندفع ثمن الإثم والعدوان الصادر عن غيرنا .

سهام علي

كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.

  • 1
  • 0
  • 1,923

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً