بعضهم أولياء بعض

منذ 2003-12-29
الحمد لله الذي نصر عباده المؤمنين، وأذل من تنكّب عن الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..

فقد تميز عصرنا الحاضر بارتفاع أصوات المنافقين والمنافقات في أنحاء العالم الإسلامي، فأُفردت لهم الصفحات، ودُعوا إلى التحدث في المنتديات، واحتفلت بهم التجمعات، وسيطروا على كثير من وسائل الإعلام كما يلاحظه القاصي والداني لفشو الأمر وظهوره.

وحال المنافقين ليس بجديد على أمة الإسلام.. فهم أعداء ألداء لهذا الدين منذ بعثة محمّد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. يكيدون ويديرون ويخططون وينفذون، وقد وصفهم الله عزّ وجلّ في سبعة وثلاثين موضعاً من القرآن، وسميت سورة كاملة باسم (المنافقون)، وأفاضت السنة النبوية المطهرة في ذلك الأمر العظيم وتوضيحه وجلائه.



ولأن الصراع بين الحق والباطل قائم إلى قيام الساعة، لا نزال نرى نفس الصفات تتوارثها الأجيال المنافقة زمناً بعد زمن حتى وقتنا الحاضر، يقول الله تبارك وتعالى عن صفة من صفاتهم: { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } فما أكثر المستمعين لحديثهم المنصتين لهرائهم المتابعين لإنتاجهم.. وهم يُلبِّسُون على الناس، ويدَّعون الإصلاح والفلاح، كما كان فرعون يقول عن موسى نبي الله عليه الصلاة والسلام: « إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ »

والعجب أن يتولى ما لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة من المنافقين والمنافقات، إفساد الأمة ومسخها عن دينها ودعوتها إلى التحرر والإباحية والعفن والرذيلة.

ومن تأمل في التاريخ القريب مثلاً في دولة مجاورة، لوجد أن حثالة لا يزيدون عن المائة قوَّضوا أركان الفضيلة ونزعوا الحجاب عن وجه المسلمة هناك، وأوردوا قومهم موارد الهلاك بإسقاط الحجاب والحياء والحشمة، حتى ظهرت المرأة متبرجة في الشارع والمكتب والمسرح بل وشبه عارية على شاطىء البحر، ولقد كان لا يُرى لأمها و جدتها أظفر أو خصلة شعر، حتى جاء هؤلاء فأسقطوا لاحجاب شيئاً فشيئاً!!



وهكذا هم المنافقون في كل أمة وفي كل قطر يتحينون الفرص ويقطعون الطريق { المُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ } هاهم يسيرون متكاتفين متماسكين يتواصون بالباطل ولهم جلدٌ وصبر عجيب { وانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا واصْبِرُوا عَلَى ءَالِهَتِكُمْ } !!

وتأمل في حال المنافقين والمنافقات فهم أولياء بعض، وقد ملؤوا الساحة ضجيجاً وعفناً في الصحف، وعلى شاشات التلفاز، وفي بث الإذاعات، إنه غزو عجيب لا تسلم منه خيمة ولا قصر، ولا امرأة ولا رجل، ولا طفل ولا شيخ، وتتقزز نفسك وأنت ترى تلك الكتابات والصور التي يطل عليك منها شؤم المعصية وهي كغثاء السيل، وحاطب الليل يتبرأ منهم وهو خيرٌ منهم!! وحتى يكتمل الحديث وتتضح الصورة أورد بعضاً من صفات المنافقين حتى يكون المسلم على بينة من أمره، ولا يسلك مسلكاً خطيراً، وطريقاً وعراً، وهو تصنيف الناس بالظن والحدس والتوقع.. بل أمامه ركائز يعتمد عليها ومنائر يسير على هداها، وليعرف المنافق برأسه وعينه متثبتاً متيقناً.. هم العدو فاحذرهم. ومن صفاتهم:

الأولى: الكسل في العبادة، قال تعالى { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى } .

الثانية: قلة ذكرهم لله عزّ وجلّ، قال تعالى: { وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاّ قَلِيلاً } .

الثالثة: لمز المطوعين من المؤمنين والصالحين والنيل منهم { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ } [التوبة: 79].

الرابعة: الاستهزاء بالقرآن والسنة، يقول الله تعالى: { قُلْ أَبِاللهِ وَءَايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ* لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } .

الخامسة: الوقوع في أعراض الصالحين غيبة وحقداً، يقول الله تعالى عنهم: { سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةٍ عَلَى الخَيْرِ } .

السادسة: التخلف عن صلاة الجماعة، قال ابن مسعود رضي الله عنه: « وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق » [رواه مسلم].

السابعة: مخالفة الظاهر للباطن. وهذه المسألة تدور عليها جميع المسائل، يقول الله تعالى: { إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } فما أكثر ترديدهم عن صلاح هذا الدين وشريعته والحرص على هذا المجتمع وما إن ترى أفعالهم حتى تتمثل لك الآية تفضح خبيئة نفوسهم وبواطن قلوبهم.

الثامنة: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، يقول الله تعالى: { يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَونَ عَنِ الْمَعْرُوفِ } وتأمل آرائهم في الحجاب والتحرر وعمل المرأة وغيرها!!

التاسعة: عدم الفقه في الدين، فتجد الكثير يملك معلومات عجيبة وتفصيلات دقيقة وجزئيات صغيرة في أمور الدنيا، دقيقها وجليلها، كبيرها وصغيرها، ولكن إذا سُئل عن المسح على الخفين سكت!! يقول الله عنهم: { وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } .



وهذه تسعٌ من ثلاثين أو تزيد من صفاتهم، ولكن حسبك من العقد ما أحاط بالعنق.. وبواحدة من هذه تعرف من يبارز الحرب والعداء لله ولرسوله.. ولعظم الأمر وخطورته ولأنهم بؤرة فساد وموطن سوء جعلهم الله في الدرك الأسفل من النار، وهم أشد عذاباً من الكفار والمشركين { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } !! وقد قال بعض السلف: لو كان للمنافقين أذناب لما استطعنا السير في الشوارع والطرقات من كثرتها!!. وفي أمة الإسلام اليوم أكثر من ذلك، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

اللهم طهّر قلوبنا من النفاق، وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، اللهم أرنا في المنافقين عجائب قدرتك، اللهم فافضحهم شر فضيحة، اللهم لا تجعل لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.



دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني: [email protected]
الموقع على الانترنت: www.dar-alqassem.com
المصدر: دار القاسم
  • 1
  • 1
  • 15,167

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً