سيدة نساء العالمين

منذ 2016-03-13


و ليت شعري كيف كانت مشاعر سَيِّدَة نِسَاءِ العَالَمِيْنَ فِي زَمَانِهَا، البَضْعَة النَّبَوِيَّة، فاطمة بِنْت سَيِّدِ الخَلْقِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حينما دخلت على أبيها فأَقْعَدَهَا بجواره ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ، وبعد ذلك سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَضَحِكَتْ ..... بكت في الأولى حينما أخبرها صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قد آن موعد رحيله لربه ، وضحكت في الثانية حينما بشرها بأنها أول أهله لحوقا به .
ثم ليت شعري كيف كان حال قلبها ومكنون نفسها حينما ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجَعَلَ يَتَغَشَّاهُ المرض فقالت الابنة الملهوفة ، وَا كَرْبَ أَبَاهُ، فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ» ، فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ، يَا أَبَتَاهْ، مَنْ جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ، مَأْوَاهْ يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ، فَلَمَّا دُفِنَ، قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التُّرَابَ .
نعم كيف طابت نفوس الصحابة وهم يدفنون رسول الله ، ويحثون عليه التراب ، وهو أحب إليهم من أنفسهم وأهليهم ومن الناس أجمعين ، وكيف لن يسمعوا منه القرآن بعد اليوم ؟ وكيف لن ينصتوا لمواعظه البليغة التي توجل منها القلوب وتذرف منها الدموع ؟ وكيف لن يستمتعوا بالنظر لوجهه الشريف صلى الله عليه وسلم الذي هو أبهى من الشمس والقمر .
لكن يا بنت رسول الله ! إنما حثوا التراب على أكرم جسد دفنت في القاع أعظمه لأن هذا أمر الله وأمر رسوله ، وكلهم ذاهل مثكول يود لو فدى رسول الله بنفسه ولو أعطاه بقية من عمره ومددا من حياته ، وعزاؤهم أن ما عند الله خير لرسول الله ، وهو قد اختار - حين خير- الرفيق الأعلى حيث الجوار الأكرم والنعيم الأعظم .
وتمكث فاطمة رضي الله عنها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر تذوب نفسها – كما قال الذهبي- نصف سنة بطولها لا ترى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من ؟؟؟.... هو نبيها ورسولها ....ثم هو أبوها وقرة عينها ....وهو من بقي لها بعد وفاة أمها خديجة وبعد وفاة أخويها من الذكور القاسم وعبد الله ، وبعد وفاة أخواتها البنات رقية وزينب وأم كلثوم .
وهاهو الحزن يتجدد آنا بعد آن ومن فقدته فاطمة ليس أي أب بل هو الأب الشفيق الرحيم – بالأمة كلها فكيف بابنته – الحريص على الخلق جميعا فكيف بفلذة كبده .
هو الأب الذي كان إذا رآها قام إليها وقبلها وكان يقول عنها " فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يَرِيْبُنِي مَا رَابَهَا، وَيُؤْذِيْنِي مَا آذَاهَا "
وتمر الشهور الستة والحزن يفعل فعله ويبلغ مداه رغم قوة الصبر وصلابة الإيمان ، لكن المصاب برسول الله ليس كأي مصاب ، والرزء بفقده ليس له نظير .
وشاء الله أن تقبض رضي الله عنها وهي في شرخ الشباب لم تصل الثلاثين بعد ، وإنما ماتت وهي بنت بضعة وعشرين عاما – لتلقى الأحبة رسول الله وأهله وولده في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
فاللهم إنا نشهدك أنا نحب رسولك وأهل بيتك أشد الحب وأعظمه بعيدا عن شطحات الصوفية أو ضلالات الروافض ، فاجمعنا اللهم مع نبيك وآله في الفردوس الأعلى لا بأعمالنا وإنما بكرمك الواسع وبتصديقنا لخبر رسولك أن " المرء مع من أحب "

أحمد قوشتي عبد الرحيم

دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

  • 2
  • 0
  • 1,814

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً