شذور الذهب من ذكرى سَفْرَة عجَب - (40) صدقة الفطر
- فقال بعضنا: ولكن كيف ولم يبق على الفجر إلا سويعات، وهبوا أنا فعلنا فمن أين لأهلنا بمساكين في مثل تلكم الأوقات؟
تقول صاحبتنا:
كما قلنا في السفر فوائد عدة، عاينتُ ذلك وعشته كما أخبرتكم غير مرة، وإن مما حدث في سفرنا هذا ما يعلم الله أنه حدث لنا، كما ولا بد حدث لغيرنا قبلنا، وأكاد أجزم بأنه يحدث وسيحدث لأناس بعدنا.
أعلنت المملكة أن غدًا يوم الفطر، وجزمتْ أن رمضان ذلك العام (29) يوم؛ كذا نما إلى علمنا، فأخذنا نتحرى الأنباء عن فطرة بلدنا، وكانت الواقعة التي ليس لها دافعة: أن غداً المتمم لشهر رمضان، فكان لسان حالنا وقالنا: اللهم لا رادَّ لقضائك ولا مُعقِّب لحكمك!! (قضاء الله الكوني لا الشرعي).
ومن سكننا الذي كان يبعد عن الحرم كثيرًا، عزمنا أمرنا أجمعين على الذهاب إليه مبكرين، لنحضر صلاة العيد في ساحة الحرم ويالها من منَّة من الله وكرم!!
خرجنا قبل الفجر بساعتين تقريباً، نسير على الأقدام قاصدين البيت الحرام؛ فلم تكن ثمة سيارات لانغلاق المسالك والطرقات، فتصاحبنا في الطريق كل منا له رفيق، وإذا بأرزٍ في أكياس على شكل هرم قد تراصّ، وهنا خطر ببالنا حال زكاة فطرنا، حيث وكَّلنا بها الأمناء ليؤدوها عنا ليلة فطرنا في بلدنا بلا تكلف أوعناء!! (1)
فقد كنا في بلدنا نتمسك بشكل شديد، ألا نخرج فطرتنا إلا ليلة العيد فقد تعلمنا أن ذا هو الأمر الرشيد، وبناءً على الوقائع بقيت ساعات قلائل على صلاة عيدنا، فماذا عن زكاة فطرنا: هل نتركها تخرج بعد يوم من صلاة عيدنا؟(2)
- قالت إحدانا: نهاتف الأهل ليخرجوها لنا في الحال؟
- فقال بعضنا: ولكن كيف ولم يبق على الفجر إلا سويعات، وهبوا أنا فعلنا فمن أين لأهلنا بمساكين في مثل تلكم الأوقات؟
- فاستدعينا بعضنا وتناجينا في الطريق، ووقع في حيص بيص كل الفريق!
- فقالت إحدى الأخوات: لماذا لا نخرج فطرتنا هنا بالذات؟
- سكت الجمع مشدوهين، وفي قولها متأملين، والناس من المارة حولنا متعجبين!!
وإذا بالجميع من قولها مسرورون، وإلى العمل به يسرعون، وقد كان الأمر يسيرًا: اشترى كل منا صاعًا من الأرز موزونا، وأعطى كلٌ منا فطرته مسكيناً؛ فقد كانت الطرقات تعج بالمساكين، فأخرجناها إليهم قبل صلاة الفجر فرحين.
ولما رجعنا لبلدنا بحثنا المسألة بعدُ، وكانت نعمته تعالى علينا ما لها حدُّ، فقد كان جل همنا -حينها- إخراج زكاة فطرنا قبل صلاة عيدنا، فامتن علينا ربنا وعلمنا أنه ينبغي أن نخرج صدقة فطرنا في البلد الذي سنصلي فيه عيدنا.(3)
ويتبـع بإذن الله...
_____________________________________________
(1) سئل فضيلة الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى: هل يجوز التوكيل في صرف زكاة الفطر وزكاة المال وفي قبضها؟
فأجاب فضيلته بقوله:" نعم يجوز التوكيل في صرف زكاة الفطر كما يجوز في زكاة المال، لكن لا بد أن تصل زكاة الفطر إلى يد الفقير قبل صلاة العيد، لأنه وكيل عن صاحبها، أما لو كان الجار قد وكله الفقير، وقال: اقبض زكاة الفطر من جارك لي، فإنه يجوز أن تبقى مع الوكيل ولو بعد صلاة العيد، لأن قبض وكيل الفقير بمنزلة قبض الفقير."
(2) إخراجها بعد الصـلاة
أما إخراجها بعد صلاة العيد: فإنه محرم ولا يجوز، ولا تقبل منه على أنها صدقة فطر؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: « » (صحيح سنن أبي داود - فتاوى الحرم المكي للإمام العثيمين - 1413هـ - شريط: [ 15]).
(3) سئل فضيلة الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى: نحن من سكان مدينة الرياض ووكلنا على زكاة الفطرة أن تخرج في مدينة الرياض فهل هذا يجزئ، أو يلزم أن نخرجها في مكة المكرمة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ينبغي أن نعلم قاعدة وهي أن زكاة الفطر تتبع البدن أي صاحبها، وزكاة المال تتبع المال، وعلى هذا فإذا كنت في يوم الفطر في مكة فأد فطرتك في مكة، وأهلك يؤدون فطرتهم في بلدهم، لا سيما أن الصدقة في مكة أفضل من الصدقة في بلد آخر، وأن الفقراء في مكة أحوج من الفقراء في بلد آخر، فاجتمع في مكة لمن كان معتمرًا وبقي إلى العيد، اجتمع في حقه ثلاثة أمور:
أولاً: أن الزكاة وجبت عليه وهو في مكة.
ثانياً: أن مكة أفضل من غيرها.
ثالثاً: أن الفقراء فيها أحوج من غيرهم فيما يظهر، والله أعلم."
- التصنيف:
- المصدر: