خطب مختارة - [133] المسح على الخفين والجبيرة

منذ 2016-08-14

ذكر الفقهاء للمسح على الخفين والجوربين شروطًا استنبطوها مما ورد في الأحاديث؛ فمن هذه الشروط:

الخطبة الأولى

فإن رفع الحرج ودفع المشقة سمة من أهم سمات هذا الدين العظيم، ومقصد من مقاصد هذه الشريعة السمحة كيف وقد تظافرت النصوص من الكتاب والسنة على تأكيد هذا الأصل {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ} [الحج: 78]، {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].

وإن مما جاءت به الشريعة في باب الطهارة : مشروعيةَ المسح على الخفين.

والخفان هما ما صنع من جلد ونحوه لتُلْبس في القدم، وأما الجوربان فهما ما صنع من قطن وقماش ونحوهما.

وقد جاءت الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على جواز المسح عليهما فمن الكتاب قوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [سورة المائدة : 6] على قراءة الجر { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}.

كما ورد في المسح على الخفين أربعون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد خالف في ذلك الشيعة الرافضة ولهذا ذكر بعض العلماء مسألة المسح على الخفين أيضا في كتب العقيدة.

إخوة الإيمان، ذكر الفقهاء للمسح على الخفين والجوربين شروطًا استنبطوها مما ورد في الأحاديث؛ فمن هذه الشروط:

أولًا: أن يكون لبسُهما على طهارة، والدليل على هذا حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حيث قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال: «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين » [صحيح البخاري: 5799] فمسح عليهما. 

ثانيًا: أن يكون الممسوح عليه طاهرًا مباحًا.

ثالثًا: أن يكون المسح من الحدث الأصغر، فعن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننـزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة؛ ولكن من غائط وبول ونوم. رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي والدارقطني الارواء1/140 ، الشاهد من الحديث: ( إلا من جنابة ).

رابعًا: أن يكون المسح في المدة المشروعة؛ للمقيم يوم وليلة؛ وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها، فعن شريح بن هانئ قال أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويومًا وليلة للمقيم. 

وبعد ذكر هذه الشروط الأربعة نبيِّن بعض الأحكام المتعلقة بهذا المسح:

متى تبدأ مدة المسح ومتى تنتهي؟ بداية المسح تكون من أول مسحٍ بعد حدث، فلو لَبِسْتَ الجوربين على طهارة بعد صلاة العشاء مثلا ثم لما استيقظت لصلاة الفجر توضأت ومسحت عليهما فاعلم أن بداية المسح تكون من وقت هذه المسحة، ولك أن تمسح إلى مثل هذا الوقت من الفجر لليوم التالي إن كنت مقيمًا. ومن المشهور عند البعض أن المسح يومٌ وليلة يعني خمس صلوات، وهذا ليس بصحيح بل التوقيت بيوم وليلة يعني أن له أن يمسح يوماً وليلة سواء صلى خمس صلوات أو أكثر فليس لعدد الصلوات تأثير في الحكم.

هل يشترط أن يكون الجورب صفيقا أي سميكًا؟ فيه خلاف والصواب أنه لا يشترط لأنه لا دليل على هذا الشرط فلو كان شفافا أو به بعضُ الخروق جاز المسح عليه يقول عن الإمام الثوري رحمه الله:( امسح عليها ما تعلقت به رجلك، (يعني : طالما أنه لا زال ثابتا في القدم) ثم قال: وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقةً، مشققةً، مرقعة؟). أخرجه عبد الرزاق في المصنف (753) ومن طريقه البيهقي (1/283).

أما عن كيفية المسح: فهي أن يَبُلَّ المتوضئ يديه بالماء ثم يُمِرَّهما على ظاهر قدميه فقط، اليد اليمنى على القدم اليمنى؛ واليسرى على اليسرى؛ مرة واحدة، من أطراف أصابع القدمين إلى بداية الساق، قال علي رضي الله عنه:  "لو كان الدين بالرأي لكان أسفلُ الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفية" رواه أبو داود ( صحيح الإرواء 1/140) .

 ثم اعلم أخي الكريم أن بعض الناس يغسل رجله اليمنى ثم يدخلها في الجورب ثم يغسل رجله اليسرى ثم يدخلها في الجورب الآخر فهذا لا إشكال في صلاته، وإنما لا يجوز له أن يمسح على الجورب مستقبلًا لأنه لبس الجورب في الرجل اليمنى قبل اكتمال طهارته.

ومما ينبه عليه بشأن الجوارب: ما قد يعتريها من رائحة مؤذية؛ فتنـزه المساجد عن ذلك.  بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة.

الخطبة الثانية

ومن المسائل التي يذكرها الفقهاء بعد ذكر أحكام المسح على الخفاف والجوارب يذكرون المسح على الجبائر ونحوها كاللفائف واللصوق للضرورة الطبية، وقد ذكر أهل العلم الفروق بين أحكام لبس الخفاف والجوارب وبين المسح على الجبائر ونحوها، وبهذه الفروق تتبين أحكامُ المسح على الجبائر ونحوها، ومن هذه الفروق:

1- المسح على الجبائر غير مؤقت بالأيام، بل هو مؤقت بالشفاء، أما المسح على الخفين فهو مؤقت بالأيام؛ للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها.

2- لا تشترط الطهارة لوضع الجبائر، فيجوز المسح عليها حتى لو لُبست على حدث. أما الخفين فتشترط الطهارة للبسهما، فلا يجوز المسح عليهما لمن لبسهما وهو محدث.

3- يمسح على الجبيرة في الطهارة من الحدث الأكبر ، بخلاف الخف فلا يمسح عليه إلا في الطهارة من الحدث الأصغر.  

4- المسح على الجبائر ونحوها جائز إذا كان يشق ويضر إزالتها، فإن لم يضر فلا يصح المسح عليها . أما المسح على الخفين فهو جائز ولو لم يشق أو يضر غسل الرجلين.

5-  يجب استيعاب الجبيرة ونحوها بالمسح؛ بمعنى يمسح جميع ما كان محل الغسل، بخلاف الخف فإنه يكتفا بمسح أعلاه .

ولمزيد إيضاح حول الجروح في الجسم: يقول العلماء: إن الجرحَ ونحوَه له حالتان؛ إما أن يكون مكشوفًا؛ وإما أن يكون مستورًا بلفائف، ففي الحالة الأولى إن كان مكشوفًا فالواجب غسله بالماء مع عدم الضرر بذلك؛ فإن تعذر غسله لأنه يضره فيمسح عليه، فإن تعذر المسح فمع الغُسل الواجب أو الوضوء يتيمم عن هذا العضو. وفي الحالة الثانية: إن كان هذا الجرح مستورًا بما دعت الحاجة إليه فيمسح عليه حال الوضوء أو الغُسل الواجب، فإن كان يضرُه المسحُ مع كونه مستورًا فيعْدِلُ إلى التيمم عن هذا العضو خاصة مع الوضوء أو الغسل الواجب.

اللهم فقهنا في الدين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا. 

  • 16
  • 0
  • 15,012
المقال السابق
[132] المسجد الأقصى فضله ومكانته
المقال التالي
[134] المسكرات والمخدرات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً