(للخَلف دُر يا بيشوي)

كحال المقال السابق تزاحمت علي عناوين مقالة هذا الأسبوع، ففكرت أن أسميه: (لعبة الموت) وفكرت أن أسميه : (العب غيرها) أو: (لا يا بيشوي) أو: (إياك يا بيشوي) أو: (ممنوع التهريج) أو: (الأراجوزات يمتنعون) أو: (بيشوي في بلاد العجائن) أو حتى: (بيشوي في بلاد العماليق).
نعم، لا يا بيشوي، إلى هنا ولم يعد هناك مجال للتهريج، ولا للتجريب، ولا للعب، ولا لجس النبض، ولا لبالونات الاختبار التي حتماً ستنفجر في وجه المتهورين، إلى هنا وقف مكانك، قف مكانك وفوراً وبلا تفكير.


إياك أن تتقدم سنتيمتراً واحداً، بل إياك حتى أن تتنفس، لأن المكان كله صار معبئاً بغاز سريع الإشتعال ومن الممكن جداً أن ينفجر مع أقل نَفًس - لا أقول مع أقل حركة - صه، إياك أن نسمع لك نَفَسَاً، أنت تلعب بقنبلة نووية، أنت تدمر المعبد يا شمشون ولكن صدقني ليس على رأس الجميع!!! و(الحدق يفهم)، تُراك كذلك؟


إلى هنا والزم حَدَك واخسأ فلن تعدو قدرك، إلى هنا وكفاك، كفاااااااك، كفاك ياشمشون.
إلى هنا ولم يعد هناك مجال لأدنى مناورة أو حركة أنت الآن في حقل ألغام ليس فيه موضع لقدم.
إلى هنا وكفى، إلى هنا وقف، إلا هنا وتعقل، إلى هنا وتوقف، إلى هنا وتريث، إلى هنا واعلم أنه لم يعد هناك إلا الكارثة والخراب، ووالذي يحلف به الموحدون، أنت تقود شعبك - قبل غيره - إلى آتون لا قبل لأحد به.

إياك أن تتصور أن الذين يشجعونك على ذلك يمكن أن ينفعوك، لقد شجعوك وأغروك إلى الحد الذي جعلك تستبق الجدول الزمني الموضوع، وإلى الحد الذي جعلك تقفز الحواجز قفزاً جماعياً، حتى صرت تحاول أن تقفز الحاجزين والثلاثة معاً، غلط، أكبر غلط يا (بيشون) - ليس هكذا تؤكل الكتف - غلط، عملياً غلط، وحسابياً غلط، شجعوك وأغروك حتى جرؤوك فاندفعت دون أن تنتبه - أو ربما انتبهت لكنك لم تكترث - للحواجز الأمنية التي قد لا تظهر للعين المريضة التي غطتها الغشاوة، ظننت يا بيشوي - كما ظن غيرك - أن الحراس قد ماتوا من كثرة ما أكلوا من الفتن والشهوات والكرة والغناء، ومن كثرة ما تلطخوا بالدنيا وركنوا لها وتبعوا أذناب البقر وتبايعوا بالعينة؟؟ آه لو كنت تفهم، لعرفت أن للدين رب يحميه، وأن الحراس عندنا ربما غفلوا لكنهم لا يموتوا ولا يخونوا، ومع أول قفزة من قفزاتك الصاخبة عادوا أبطالاً شجعاناً، ألقوا السيجارة، وأخمدوا صوت الموسيقى، ورموا حتى بالتمرات وقالوا: إنها لحياة طويلة إن عشنا حتى نأكل هذه التمرات.

بفضل الله ثم بفضل الطيش والإستعجال وقلة الفهم، انتبه أحفاد حمزة، وخالد، وعلي، وصلاح الدين (تراك تذكر صلاح الدين وبيت المقدس؟ تراك تذكر محمد الفاتح والقسنطينية، نعم القسطنطينية التي صمدت ألف سنة وفي النهاية فتحها البطل المغوار، فتحها وخطب الجمعة في آيا صوفيا - تراك تذكر آيا صوفيا؟ تراك تذكر قصة الفتح لقد بكيت طويلاً وأنا أقف أمام بقايا الجنازير التي كانت تغلق البوغاز أمام الفاتحين شاهدتها بعيني في المتحف فبكيت وعاد إلي الأمل).


النائمون انتبهوا بيدك وبفعلتك فشكرا لك يا بيشوي.

شكراً فقد قدمت لنا خدمة العمر، لقد فعلنا كل شيء لنوقظهم فلم نفلح، لكنك بتهورك ونزقك أيقظتهم بلكزة واحدة، إي وربي لكزة واحدة.

انتبه حراس الحدود يا بيشوي أفاقوا وأدركوا وغاروا وتمعرت وجوههم غضباً لدين أغلى من شحومهم ولحومهم.
انتبهوا ولن يناموا ولن يسمحوا لك أن تضع كاميليا على رفوف النسيان، فضلاً عن أن يسمحوا لك بأن تكون هناك كاميليا جديدة، ولن لن لن يسمحوا لك أن تطعن في القرآن، ولن يسمحوا لك بخطوة واحدة أخرى والأمر (ما ترى لا ما تقرأ).
إياك أن تخاطر بمحاولة استكشاف جديدة، أو جس نبض آخر، إياك إياك إياك أن تُخرج عود ثقاب آخر، صدقني لم يعد هناك مجال للابتزاز، ولا للعبة الموت هذه.

هل وصل الأمر إلى القرآن؟ هل وصلت البجاحة والجرأة والنزق والطيش والخفة إلى هذا الحد بالغ القبح والتهور؟ آلقرأن يا جريء؟ آلقرآن يا (جامد)؟ أقرآن المسلمين هو المُحرف؟ رمتني بدائها وانسلت، أقرآن المسلمين الذي نُقل بأعلى درجات تواتر في تاريخ الحياة على الأرض، نقلته الأجيال عن الأجيال؟ أقرآن المسلمين الذي لا تقل أعداد نسخه عن المليارات ومع ذلك ليس هناك اختلاف بينها ولو في حرف ولا نصف حرف، بل ولا شَكل فوق أو تحت الحرف؟؟ أقرآن المسلمين هو المُحرف ؟ قرآن المسلمين الذي يتحدى أعداءه منذ ما يقرب من ألف وخمسمائة عام ليأتوا بسورة من مثله وهم عاجزون.
إذن هيا بيشوي هيا نلعب هذه اللعبة ونجدد لك التحدي دونك القرآن فانظر أي آيات تَدعى أنها وضعت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، دونك هذه الآيات التي هي من عند البشر على كلامك ائتوا لنا بمثلها يا بشر.


آلقرآن هو المُحرف؟ تقذف بيوتاً من الفولاذ بالحجارة، فاخش على بيوت الزجاج إنت كنت تعي ما تقول.
وصلت الجرأة إلى القرآن؟ يعني صرنا في أسبوع واحد أغراباً وضيوفاً وصار كِتابُنا الذي أنزله ربنا محرفاً ومدخولاً؟
إياك!! إياك!! إياك!! اقرأ كلماتي مرة واحدة بعقلك، وأدرها جيداً في رأسك، (احسبها كويس) حتى لا تخرق السفينة بلسانك وبتهورك.
اعقلها وتوغل يا بيشوي ولكن توغل (للخلف دُر) ، لأن السير للأمام من هذه اللحظة صار ممنوعاً وعليه ألف علامة (خطر الموت) وتحذير (مواد شديدة الانفجار).

إياك إياك واعلم أنك تسبح أو (بتضبش) قريباً جداً من الدوامة، وأنك تخطيت (البراميل) ورجال الإنقاذ حتى لم يعودوا يستطيعوا الوصول إليك.
الحل صار في يدك. توقف بهدوء، وعد من حيث أتيت، (خليك في حالك) في مشاكلك وإنجيلك وقرابينك.
انسحب بهدوء حتى لا تحرق الأخضر واليابس.
يا بيشوي لا تختبر أكثر من ذلك، ولا تضغط أكثر من ذلك، ولا تستفز أكثر من ذلك، ولا تستقوي أكثر من ذلك
كن حكيماً واقرأ كلامي جيداً (واحسبها صح).
ولعلك فهمت ما بين السطور وكفاني التلميح عن التصريح، والكناية عن التوضيح.

يا عقلاء النصارى خذوا على يد بيشوي وأمثاله قبل أن يخرق السفينة، خذوا عليهم لعلنا وإياكم ننجوا في الدنيا أما في الآخرة فيفصل بيننا ربنا بالحق وهو خير الفاصلين.

خالد الشافعي
[email protected]