العِطر
باعث الذكريات الحسنة، كلما نُثر أو مررت به، يهيج عليك الأيام الخاليات مما تحب أن تتذكر، تعود معه الذكريات وكأن بينها وبينه رابط يربطها كلما نثر من حولك.
باعث الذكريات الحسنة، كلما نُثر أو مررت به، يهيج عليك الأيام الخاليات مما تحب أن تتذكر، تعود معه الذكريات وكأن بينها وبينه رابط يربطها كلما نثر من حولك.
وصديق التفاؤل، إذ كأن التفاؤل قد قُرِن بالعطر الحسن، فما إن يُنثر من حولك إلا وتحيطك مشاعر الأمل، وتستدعي نفسك معاني التفاؤل، ويزورك الطموح نحو ما ترجو وتحب.
ونديم الرجاءات، فكل رجاء ينبعث مع العطر، والأحلام الطيبة تجد حالها معه، والنفوس الطيبة تسكن إليه، وتستريح معه، وتتهيأ بأحسن أثوابها له.
وكأن لكل عطر لغته، وحروفه، وأثره الخاص به، فهذا يدعوك إلى النشاط، وذاك يدعوك إلى المودة، وثالث يدعوك إلى الأمل، ورابع يدعوك إلى التفاؤل.. وهكذا.
وللناس في عطورهم مدارس ومناهج وأمزجة، بحسب ثقافتهم، وعلمهم وطبيعة نفوسهم، فمنهم من يحب العطر الهادىء، ومنهم من يفضل العطر الهائج مثل موج البحر.
إنه من أجمل الأشياء في تلك الحياة... حُبب إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث: «حُبِّبَ إليَّ من دُنياكم: النِّساءُ والطِّيبُ...» (صحيح الجامع:3124).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطيب لم يرده» (النسائي:5273).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من عُرض عليه رَيحانٌ فلا يرُدُّه . فإنه خفيفُ المَحملِ طيِّبُ الرِّيح» (مسلم:2253).
وكان أحب الطيب إليه الألوة والعود والمسك والعنبر، وهي من أفضل العطور في زمانه صلى الله عليه وسلم، بل لها أيضا تميز من حيث الاختيار، فهي عطور ذكورية، ليست نسائية، كما في حديث عائشة رضي الله عنها؛ قالت عائشة رضي الله عنها: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطيب بذكارة الطيب: المسك والعنبر" (أخرجه النسائي، وضعفه الألباني:5131).
وعن نافع قال: «كان ابنُ عمرَ إذا استجمر بِالْأَلُوَّةِ، غَيْرَ مُطَرَّاة. وبكافورٍ يطرحُه مع الأَلُوَّةِ. ثم قال: هكذا كان يستجمرُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ» (مسلم:2254).
وشبه النبي صلى الله عليه وسلم الصديق الطيب صاحب الخير بحامل المسك، الذي يحذيك أو تبتاع منه العطر الحسن، فهو يعلمك الخير أو يصيبك من أخلاقه وعلمه وفضله ونفعه.
وعرّفنا أن الشهيد يأتي يوم القيامة يتدفق الدم من جرحه، اللون لون الدم والريح ريح المسك، وأن أرواح المؤمنين لما تصعد في السماء تصعد بأطيب ريح من ريح الجنة، وأن الملائكة تجتمع للريح الحسن، وأن الشيطان ينفر من الريح الطيب.
والعطر الحسن ينفر من صاحب الخلق السيء الرديء، فكأنه لا يتلاءم معه، ومهما تعطر العاصي فإن العطر يبغضه، ورائحة الذنوب تعمه وتغرقه. فلا قيمة لعطر بدون سلوك، ولا أثر لريح حسن بغير قلب طيب حسن، ومن الناس فقراء لا يستطيعون شراء عطر طيب، لكن قلوبهم وأخلاقهم ونفوسهم تنثر عطرًا طيبًا في كل مكان، فهم يحفظون طهارة أبدانهم مع طهارة قلوبهم، وهو خير العطور.
يقول ابن القيم: "الطيب غذاء الروح التي هي مطية القوى، والقوى تتضاعف وتزيد بالطيب كما تزيد بالغذاء والشراب والدعة والسرور ومعاشرة الأحبة، وحدوث الأمور المحبوبة".
لذلك فقد عذروا من أنفق كثيرًا من ماله على العطر، وعذروا من أدمن حب الريح الطيب، وعذروا من أحب أناسًا من حسن عطرهم وحسن خلقهم.
ومن الناس من ينثرون العطر البديع أينما كانوا؛ فكلماتهم عطر، ودقات قلوبهم عطر وأفكارهم عطر. وأحسن الناس من جمع إلى العطر الحسن، خلقًا حسنًا، وعلمًا حسنًا، وعطاء بنفس طيبة، فهؤلاء هم نبلاء الحياة، وزينة الناس.
وأقرب الناس تشبيهًا بالعطر هم العلماء الربانيون الصالحون، والدعاة الأخيار الطيبون، فهم كالعطر أينما حلوا، ينثرون بنافع علمهم على العقول والقلوب الخير والهدى والنور، ويتركون آثار عطرهم على كل بقعة حلوا بها وكل قلب التقوه وجالسوه، فما أحلى أثرهم على الناس وما أبقى عطرهم في النفوس.
- التصنيف:
- المصدر: