الشيخ محمد حسان يطرح ورقة إصلاح جديدة لـ (إعادة البناء)
.. لماذا لا يشجع المستثمر الوطني الذي لا يهرب أمواله إلى بنوك سويسرا وألمانيا وبريطانيا وأمريكا؟، لماذا لا توضع الميزانيات على أساس الأجور التي يستحقها المواطنون والعمال لا أن تحدد الأجور وفق الميزانيات؟
طرح الداعية الإسلامي "محمد حسان" ورقة عن رؤيته للإصلاح والتغيير
وآلياته، اعتبر فيها أن أي تعديل للمادة الثانية من الدستور - والتي
تنص على أن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع - سيجعل الشعب المصري
يخرج للتضحية بدمه، وقال: "لن يسمح شعب مصر كله ولا قواته المسلحة
بالمساس بالمادة الثانية من مواد الدستور، فإذا كان الشعب قد خرج من
أجل الحرية والعدالة الاجتماعية ورفع الظلم، فالشعب مستعد بكل أفراده
للتضحية بدمه من أجل دينه".
واستشهد "حسان" بما قاله الفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو" حينما
اعتبر أن أسوأ البلاد هي التي أصبح الخالق فيها مجهولاً، وتُرِكَ
الإيمان به في إهمال، كما استشهد بمقولة الفيلسوف الروسي "تولستوي":
"الدين يوحد الروابط بين المرء وبارئه الأعلى، ويهدي الناس إلى طريق
مستقيم، وينير بصائرهم في أعمالهم، ذلك الدين القيّم الذي لولاه لأصبح
الناس في ظلام".
ورأى الشيخ "حسان" في ورقته الإصلاحية التي أرسلها لـ"اليوم السابع":
أنه لابد وأن يعود المسجد إلى رسالته، وتابع: "أنا أنادي بصوت مرتفع
بتجديد الخطاب الديني والدعوي في المرحلة المقبلة؛ للربط ربطاً صحيحاً
بين الأصول والثوابت والمتغيرات".
وإلى نص ورقة الشيخ "محمد حسان" عن الإصلاح والتغيير:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وبعد،
لا يخفى الآن على أحد أن نقاشات وحوارات واسعة تجري الآن على كل
الأصعدة وفي كل الأروقة تبحث عن التغيير والإصلاح، تتداخل فيها
الوسائل مع المقاصد والغايات والرؤى الشخصية مع الحزبية والأطروحات
الفردية مع الجماعية والمصالح الفئوية مع المصلحة العليا للوطن.
منذ البداية لا ينبغي أن نتهم النيات أو نشكك في إخلاص أحد، لكن
الإخلاص وحده دون فهم دقيق، ووعي عميق، وبصيرة نافذة لا يكفي؛ إذ لابد
من فهم الواقع وفهم الواجب في الواقع، ومن هذا المنطلق اسمحوا لي أن
أبدأ بالمرتكزات والأصول التالية:
- مصر بلد مسلم دينه الرسمي الذي يُحكم به منذ أكثر من أربعة عشر
قرناً هو الإسلام، ومرجعية التشريع فيه للشريعة الإسلامية - فهي
المصدر الرئيسي للتشريع - ولن يسمح شعب مصر كله ولا قواته المسلحة
بالمساس بالمادة الثانية من مواد الدستور، فإذا كان الشعب قد خرج من
أجل الحرية والعدالة الاجتماعية ورفع الظلم، فالشعب مستعد بكل أفراده
للتضحية بدمه من أجل دينه.
وليس هذا تخويفاً لغير المسلمين من المواطنين؛ فالإسلام يضمن لهم
حقوقهم كاملة، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داوود وغيره أن النبي
- صلى الله عليه وسلم - قال: «
ألا من ظلم معاهداً، أو
انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا
حجيجه يوم القيامة».
- يجب علينا أن نعلم يقيناً أن ما فسد في كل النواحي طيلة السنوات
الكثيرة الماضية لا يمكن أبداً أن نصلحه ونغيره في أسبوع أو شهر أو
عام، كما أن ما هُدم في سنوات لا يمكن أن يُبنى في أيام، وأؤكد على
هذا ليتحلى الجميع بالصبر والمسئولية وقوة الإرادة وعقد النية على
العمل وحسن الإدارة.
- التغيير والإصلاح لا يتم أبداً دفعة واحدة، وإنما بالتدرج، فهذه
سنة كونية لا تتبدل ولا تتغير، لا يجدي معها تعجل الأذكياء حتى يتم
التغيير والإصلاح في كل نواحي الحياة باتزان وترابط، وهذا بلا شك يلقي
بالتبعية الثقيلة والمسئولية العظيمة على المؤسسات الدينية والإعلامية
والتعليمية والفكرية؛ لتبدأ بداية جديدة للإصلاح وتغيير منظومة القيم؛
لاستئصال الفساد، وشحذ الهمم لتصحيح الهوية، وتقوية الإرادة، وتصحيح
الإدارة، وحسن العمل.
- ليس الوقت وقت تصفية حسابات، بل هو وقت نبذ الفرقة وتوحيد الصفوف
للعمل بصدق وإخلاص - من أجل ديننا وبلدنا - مع مراعاة مساحة الحرية
المنضبطة والمسئولة.
- ما أطرحه في هذه الورقة إنما هو اجتهاد فردي لا أُحمله لأي اتجاه،
ويحتاج مزيداً من البحث والدراسة ووضع الخطط والبرامج وآليات التنفيذ
من المتخصصين في كل الميادين - مع تقدير الرأي المخالف - فالإسلام لا
يعرف القهر والإكراه حتى في العقيدة، فكيف يرضاه في الفكر
والرؤى؟.
والسؤال المهم الآن: من أين يبدأ التغيير والإصلاح؟ هل يبدأ من
الأخلاق والقيم لتصحيح ما فسد واعوج منها؟، أم يبدأ بالتعليم؟، أم
بالإعلام؟، أم بالاقتصاد؟، أم بالمؤسسة الأمنية؟، أم بالمؤسسة
الدينية؟.
والجواب: لا يجوز أبداً أن يكون التغيير والإصلاح في ناحية واحدة،
وأن نعطل التغيير في النواحي الأخرى من أجلها، بل يجب أن يبدأ التغيير
في هذه النواحي كلها حيث يوجد كل فرد فينا مهما كان موقعه أو عمله أو
منصبه، والله إنها لأمانة سنُسْأَلُ عنها جميعاً بين يدي الله - جل
وعلا - لأنني على يقين أن التغيير يبدأ بالأفراد من داخل النفوس لقوله
تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ
حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ
} [الرعد:11]، ولقوله تعالى: {
ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ
لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ
} [ الأنفال:53]؛ ونظراً للظروف
الحرجة التي تمر بها بلادنا في هذه الأوقات العصيبة، فإنني أرى أن
نبدأ بما يلي:
أولاً: التغيير والإصلاح في المؤسسة الأمنية ( جهاز الشرطة
):
ما حدث في الأيام الماضية من انفلات أمني مروع أصاب الناس بالهلع
والفزع يحتم علينا أن نعيد النظر في هيكلة ومنظومة جهاز الشرطة
بالكامل لتحويل شعارها "الشرطة في خدمة الشعب" إلى واقع عملي، وذلك لا
يكون في المرحلة الحالية والمقبلة إلا بالتخلي الكامل عن السياسة
القديمة في طريقة التفكير والتخطيط والتنفيذ بدءاً من تعليم طلبة كلية
الشرطة وانتهاءاً بكيفية التعامل مع الجمهور؛ فوظيفة جهاز الشرطة -
على اختلاف تخصصاته - تحقيق الأمن للمجتمع بكل فئاته.
ونعمة الأمن نعمة عظيمة جليلة لم يعرف كثير من الناس قدرها إلا في
الأيام الماضية، ولا يعقل أبداً أن يسخر هذا الجهاز الضخم بكل طاقاته
وإمكانياته لتأمين شخص رئيس الدولة فقط، وهذا يقتضي وبشدة تحديد مهام
جهاز الشرطة بكل فروعه.
أؤكد أن واجبات جهاز الشرطة الاحترام الكامل لجميع المواطنين، دون
تمييز بين غني وفقير ووزير وخفير، ومن أهم واجباتهم منع الظلم والقمع
والتعذيب والاعتقالات دون محاكمات عادلة، وإن كنا نطالب جهاز الشرطة
بكل عناصره بتحقيق ما عليه من واجبات، فمن العدل أيضاً أن نعطيهم
مالهم من حقوق، إذ لابد من وجود العدالة الكاملة داخل الشرطة على نظام
التمييز بين الضباط في الرواتب والمكافآت والحقوق.
وليس من العدل أن يحصل ضابط على عشرات الآلاف في الوقت الذي لا يحصل
فيه زميله في نفس المصلحة أو في نفس الجهاز على عُشر ما يكفيه هو
وأسرته، أو يحصل ضابط على مجموعة من الرواتب من عدة جهات قد تصل إلى
عشرات الآلاف في الوقت الذي لا يحصل فيه الضباط أو الجنود الذين
يُسيّرون العمل في هذه المصالح أو هذه الأجهزة إلا على الفتات.
لا يمكن أبداً أن يكون هذا الجهاز قادراً على تحقيق العدل ورفع الظلم
بين الجماهير، وهو غارق من داخله في هذا الظلم في التعامل مع أفراده
بالمجاملات الكاذبة والمحسوبية الباطلة.
ثم لا يجوز أبداً في المرحلة القادمة أن نزج برجال الشرطة في كل شيء،
بما يثير عليهم غضب الجماهير ويفقدون بسبب ذلك ثقة الشعب واحترامه،
كالتدخل مثلاً في الدعوة إلى الله - عز وجل - والتحكم في العلماء
والدعاة ومنعهم من التحرك للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؛
إذ ليس من حق الضابط أن يُقيّم العالم أو الداعية من الناحية العلمية
والدعوية، أو التدخل في الجامعات والكليات لاختيار رؤساء الجامعات
والعمداء واتحاد الطلاب وغير ذلك، أرجو أن ُيراعى هذا جيداً في
المرحلة المقبلة، فليس من صالحنا أو من صالح بلدنا أن تضيع الثقة
والاحترام المتبادل بين الشعب والشرطة.
ثانياً: التغيير والإصلاح في المؤسسة
الدينية:
يبدأ حتماً بتحرير المساجد وإعادة دورها ورفع القيود عنها وإلقاء
الرقابة عليها؛ فالمساجد قطب الرحى في الإسلام.. وأول ما فعله النبي -
صلى الله عليه وسلم - وهو مؤسس دولة الإسلام في المدينة النبوية هو
بناء المسجد، فكان المسجد مكاناً للصلاة والصلة بالله، ومكاناً
للتشاور في أمور الدولة، وجامعةً للتعلم والتربية، ومكاناً للتكافل
الاجتماعي، ومأوىً للفقراء والمساكين، ومنه خرجت البعوث وأُرسلت الكتب
والرسائل للحكام والملوك.
ولابد أن يعود المسجد إلى رسالته، وأنا أنادي بصوت مرتفع بتجديد
الخطاب الديني والدعوي في المرحلة المقبلة؛ للربط ربطاً صحيحاً بين
الأصول والثوابت والمتغيرات لتحقيق المناطات العامة والخاصة، والربط
ربطاً صحيحاً بين دلالات النصوص الشرعية والواقع الذي تغير - ويتغير
كل ساعة بلا مبالغة - ليؤدي كل عالم وداعية دوره إرضاءً لله بلا خوف
أو وجل بالحكمة البالغة والموعظة الحسنة، وبما يتفق مع ما يحتاج إليه
الناس عامةً والشباب خاصةً؛ لأن كثيراً من شبابنا قد انصرف عن المساجد
ربما لأنه يأتي إلى كثير من المساجد فيجد طرحاً دعوياً بعيداً تمام
البعد عن مشكلاته وأزماته التي يحياها ويريد أن يعرف حكم الله فيها
ويزداد الأمر خطراً إذا كان الشباب في محنة أو نازلة ثم يبحثون عن
العلماء والمشايخ لتوجيههم فلا يجدونهم، وهنا سيتقدم حتماً للتأثير
على شبابنا وتوجيههم من لا يُحسن أن يتكلم عن الله ورسوله - صلى الله
عليه وسلم - ثم بعد ذلك نلقي اللوم على شبابنا وأولادنا إن انحرفوا عن
الحق والهدى.
وأنا أرى أنه لا يمكن أبداً أن تعود للمؤسسة الدينية ريادتها
ومكانتها في الأمة، لتصبح مُهابة الجانب، مسموعة الكلمة والفتوى -
وهذا لصالح البلاد والعباد في المحن وغيرها - لا يمكن أن يتحقق ذلك
إلا بالأمور التالية:
- استقلال المؤسسة الدينية بالكامل كالأزهر ودار الإفتاء ووزارة
الأوقاف استقلالاً كاملاً عن الحكومة أو السلطة التنفيذية.
- تشكيل هيئة كبار العلماء من الأزهر وغيره من العلماء الربانيين
الفضلاء المعروفين بالعلم والحكمة والأمانة والدعوة والصدق، وتكون
وظيفة هذه الهيئة اختيار شيخ الأزهر، ثم تكون الهيئة مجلس شورى لشيخ
الأزهر؛ فيرجع إلى الهيئة من كبار العلماء في كل أمر من أمور الدولة
الداخلية والخارجية، بل وفي كل الأمور التي تخص الإسلام والمسلمين في
كل مكان.
ثم يقوم شيخ الأزهر بالتواصل الدائم مع رئيس الدولة - انطلاقاً من
رؤية جماعية لهيئة كبار العلماء - ليبذل له النصيحة في كل شئون البلاد
ويجب على الحاكم في هذه المرحلة أن يقرب منه شيخ الأزهر الذي ينقل له
بدوره حُكم الإسلام ورأي الهيئة في كل ما يحتاج إليه.
ثالثاً: التغيير والإصلاح في المؤسسة التربوية
والتعليمية:
لا شك أن العملية التعليمية تمر بأزمة حقيقية على مستوى العالم ومن
التربويين المتخصصين من يرد هذه الأزمة إلى أسباب اقتصادية، ومنهم من
يردها إلى أسباب نفسية، ومنهم من يردها إلى أسباب تربوية أخلاقية،
لكني أرى أن أخطر ما يواجه التعليم في بلادنا أنه تعليم بلا هدف..
فالحصول على المؤهل الدراسي أصبح الغاية التي من أجلها تبرر أي وسيلة
ولو كانت بالغش والتزوير والطرق غير المشروعة.
ولذا صار التعليم في وادٍ ودفع عملية الإنتاج والإبداع والتنمية في
وادٍ آخر تماماً، وأصبح عاجزاً عن تقديم الكوادر العلمية والتربوية
والفنية المتخصصة القادرة على تلبية حاجات المجتمع في كل نواحي الحياة
الطبية، والهندسية، والإعلامية، والتعليمية، والاقتصادية، والتجارية،
والزراعية، والحياتية اليومية من أعمال السباكة والنجارة والنظافة
وغيرها من الأعمال المهنية التي تعاني نقصاً حادًا كمياً
ونوعياً.
ويزداد الأمر سوءاً حينما ينفصل التعليم عن الدين ويُجعل تدريس الدين
أمرًا ثانويًا عابرًا لا يضاف إلى المجموع؛ فيفقد الطلاب احترامهم
للدين والقيم، وتتزعزع في قلوبهم الهوية والإنتماء؛ فيتمردون على
دينهم ومن ثم على مدرسيهم ومجتمعهم ليصلوا في النهاية إلى مرحلة
التمرد على الذات.
ثم يخرج علينا وزير بعد وزير يقترح أن حل هذه الأزمة في محاربة
الكتاب الخارجي أو في جعل المرحلة الابتدائية خمس سنوات ثم يعدد آخر
ويقول الرجوع للحق فضيلة فيجعلها مرة أخرى ست سنوات، ويرى ثالث أن حل
هذه المشكلة تكمن في توفير الإمكانات ورصد الميزانيات وزيادة عدد
الفصول إلى غير ذلك من مسكنات جزئية محدودة جدًا لا تصلح أبدًا أن
تكون علاجا لهذه المشكلة الكبيرة والأزمة الخطيرة.
وأرى أن يقف المتخصصون المخلصون من التربويين والتعليميين - وما
أكثرهم بفضل الله جل وعلا في بلادنا - مع جذور المشكلة وعناصر العملية
التربوية والتعليمية للوقوف على الأسباب الحقيقية للمشكلة في كل عنصر
من عناصرها للبحث عن علاج ناجح.
إن المُعلم والطبيب كلاهما *** لا
ينصحان إذا هما لم يكرما
فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه *** واصبر لجهلك إن جفوت مُعلما
- المدرس:
لن يحدث تغيير وإصلاح حقيقي في العملية التربوية والتعليمية إلا إذا أعدنا النظر إلى المدرس على أنه ليس شخصاً أو موظفاً يؤدي وظيفة؛ وإنما هو صاحب رسالة محترمة راقية ويجب أن نوفر له كل ما يحتاج إليه للقيام بهذه الرسالة على أكمل وجه.
لابد أن نوفر له ما يكفيه من الراتب ليعيش حياة كريمة طيبة، فالمدرس الآن صار مادة للسخرية في وسائل الإعلام ويشعر في داخله بالمهانة؛ لأنه أصبح أجيرًا لدى الطالب يأتيه في بيته ويأخذ منه أجر تعليمه ففقد الطالب احترامه لمدرسه وجُرحت كرامة المدرس الذي لا يملك من الأمر شيئاً لحاجته الشديدة إلى هذا المال لنفسه وأسرته من ناحية، ولعدم امتلاكه للوسائل الإدارية والتربوية التي يضبط بها سلوك الطالب من ناحية أخرى، فكيف نطلب من هذا المدرس أن يكون قدوة بين طلابه؟، أو كيف نطلب منه أن يكون متقنًاً لمادته، مُلماً بكل جديد، متفاعلاً مع أدوات العصر الحديث؟.
علينا أن نوفر له -أي المدرس - ما يحتاجه للقيام بهذه الرسالة ثم نحاسبه إن قصر في أدائها، مع التركيز على تقديم الأكفاء في كل مرحلة دراسية دون مجاملات كاذبة أو محسوبيات فاسدة
- المناهج التعليمية:
لا يمكن نغير ونصلح العملية التربوية والتعليمية المختلفة دون ربطها بالدين والقيم والأخلاق والتنمية في كل نواحي الحياة للقضاء على هذه الظواهر الغريبة التي انتشرت في السنوات الماضية، كظاهرة العنف، والفوضى، والتحلل الأخلاقي، والسلوك المنحرف، والمخدرات.
المناهج في الغالب تعتمد على التعليم النظري والحفظ والتكرار، ونقل بعض النماذج التعليمية الغربية لتطبيقها في مجتمعاتنا المسلمة بطريقة مشوهة، والتنافس في إنشاء الجامعات الأمريكية والألمانية والكندية والبريطانية والفرنسية وغيرها دون دراسة دقيقة لاستعدادات أبنائنا وطبيعة تراثهم ودينهم وخلفيتهم التاريخية والحضارية، لمن أعظم الأدلة على غياب الهدف والعشوائية في التخطيط والتنفيذ.
ومن أعجب ما قاله "جان جاك روسو": "إن أسوأ البلاد بلد أصبح الخالق فيها مجهولاً وتُرك الإيمان به في إهمال"، ويقول الفيلسوف الروسي "تولستوي": "والدين يوحد الروابط بين المرء وبارئه الأعلى، ويهدي الناس إلى طريق مستقيم، وينير بصائرهم في أعمالهم، ذلك الدين القيم الذي لولاه لأصبح الناس في ظلام".
- المدرسة:
- لابد من إعادة النظر إلى عدد المدارس مع عدد الطلاب.
- النظر لمساحة الفصل ومستوى تجهيزه بالوسائل التعليمية الحديثة.
- إعادة المسجد للمدرسة مرة أخرى؛ ليتجمع فيه المدرسون مع طلابهم لإقامة الصلوات في أوقاتها، وحلقات حفظ القرآن.
- إعادة النظر في المساحات الخضراء، ومساحات الملاعب، أو غيرها، ومعامل البحث العلمي والتجارب.
- أرجو من التربويين أن يعيدوا النظر في هذا الاختلاط الضاغط بين الطلاب والطالبات في سن المراهقة في فصول ومدرجات مزدوجة، لا يمكن أبداً أن نحقق - في ظل فصول ومدرجات مزدوجة - الحفاظ على القيم والأخلاق من جهة وعلى التركيز وحسن الاستيعاب من جهة أخرى، فهذا مصادم للفطرة، وهذا ما ينادي به الآن كثير من التربويين الغربيين.
- الطالب:
وهو محور العملية التعليمية والتربوية، وهو الأمل والمستقبل، فهو العالم، والحاكم، والقائد، والطبيب، والمهندس، والداعي، والصانع، والمزارع، والأديب، والشاعر، والإعلامي إلى غير ذلك، وكل طالب يمتلك من الملكات والطاقات والقدرات ما يختلف عن الآخر.
والمؤسسة التعليمية الناجحة هي التي تتعرف على هذه الملكات والطاقات وتعمل على تفجيرها وتنميتها وضبطها؛ لاستثمارها أعظم استثمار في رفعة الدين، ونهضة البلد والأمة، وإعداد الكوادر المؤهلة خُلقياً وعلمياً وعملياً لما تحتاج إليه الأمة بصفة عامة وبلدنا بصفة خاصة.
ولن نستطيع تحقيق ذلك إلا إذا قدمنا للطالب في كل فصل دراسي ما ينفعه في المدرسة وخارجها في حياته الخاصة والعامة، في إطار هدف تربوي وإيماني وأخلاقي متكامل، وأن نحرص على غرس القيم الإيمانية والأخلاقية والمفاهيم الدينية الصحيحة التي ترسخ عنده أصول مكارم الأخلاق كالصدق والوفاء والإخلاص والأمانة والمراقبة وغيرها، وأن نغرس في عقول وقلوب طلابنا معاني الكرامة والعزة والشرف والانتماء، وأن ننزع منهم الخوف والجبن والخيانة، وأن نعلمهم إلى جانب العلوم المعاصرة الحديثة العلوم التي تجدد إيمانهم ومعرفتهم بربهم ودينهم ونبيهم وجميع إخوانه من النبيين والمرسلين؛ لنُعلم قلوبهم الخشوع وعيونهم الدموع.. علينا أن نغرس في قلوبهم وعقولهم أدب الحوار بخلق الإسلام، وأدب الدين، وأن نربيهم على نبذ العنف وعدم إكراه الآخرين على قبول أفكارنا بالقهر والكبت.. علينا أن نعلم طلابنا أدب التأمل مع الكبير والصغير والحاكم والعالم والأب والأم بل ومع غير المسلم والموضوعية في التفكير والطرح والنقاش والتقييم إلى غير ذلك وأترك التفاصيل للمتخصصين.
رابعاً: التغيير والإصلاح في المؤسسة الإعلامية والفكرية
والثقافية:
لا يخفى الآن على أي أحد أن وسائل الإعلام والفكر والثقافة هي التي
تحكم العالم بحكامه وشعوبه؛ ولهذا حرص بنو صهيون على السيطرة على
وسائل الأعلام والفكر والثقافة، ونصوا على ذلك في البروتوكولات، حيث
قالوا: "إن الصحافة والأدب أهم دعامتين من دعائم التربية؛ ولهذا السبب
سنشتري أكبر عدد ممكن من الصحف الدورية؛ لنقض بهذا الشكل على الأثر
السيئ للصحافة المستقلة، ولنسيطر سيطرة كاملة على البشرية" برتوكول/
12.
ولذلك رأينا أدباً ساقطاً، وفكراً مضلاً منحرفاً، وقصصاً تافهة،
ومسلسلاتٍ ساقطة، وأفلام فاضحة داعرة وسطحية تافهة، تتلقفها هذه
المؤسسات الإعلامية والفكرية والثقافية الغربية والعربية، بل ويمجدون
أصحابها ويهتفون بأسمائهم ويتغنون بأعمالهم لا لأي شيء إلا لأنهم
يتطاولون على الإسلام، أو على ذات الله سبحانه، أو على القرآن الكريم،
أو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو على الأصول والثوابت والقيم
والأخلاق والإبداع والإنتاج، ثم يعلنون حرباً هوجاءً شرسةً على كل من
يحاول - مجرد محاولة - أن يتصدى لهم أو أن يفضح زيفهم وأمرهم لإسقاطه
واتهامه بكل أنواع التهم المعلبة كالانغلاق وضيق الأفق وعدم الفهم
والخيانة والعمالة وغير ذلك.
وأنا أتساءل كيف يقوم الإعلام بدوره المنشود في إعادة وصياغة القلوب
والعقول والفكر بصحيح الدين والقيم، ومعالجة الظواهر السلبية السيئة،
والعقائد الفاسدة، والأخلاق الكاسدة، والأعمال المنحرفة، وإعادة بناء
المجتمع بناءً عقائدياً وتعبدياً وأخلاقياً وسلوكياً وعملياً - وبهذا
يكون الإعلام مساهما في دفع عجلة التنمية في الأمة - إذا كانت كلماته
كاذبة ومضللة؟، وصوره عارية فاضحة فاسدة؟، ومؤثراته خليعة؟، فهل يا
ترى نحن أمام رسالة إعلامية محترمة لها قيمها وأهدافها! أم أننا أمام
ملهى ليلي فيه كل ألوان الفسق والفساد!.
الكلمة أمانة ثقيلة ولا يجوز أبدا أن تكون كاذبة أو تافهة أو هادمة،
والصورة أمانة ولا يجوز أبداً أن تستثير الشهوات الكامنة أو أن تحرك
الغرائز الهاجعة بحيث لا يرى المشاهد حرجاً أن يتابع مع أفراد أسرته
مع أمه، وزوجته، وابنته، وأطفاله.
وشتان بين إعلام طاهر فاضل يغرس الفضيلة والقيم، ويساهم في الإنتاج
والبناء.. وبين إعلام قاتل، يروج للكذب والباطل، والغيبة والنميمة،
وشهادة الزور، وإشاعة الفاحشة، وانتهاك الأعراض، والتعدي على الحرمات،
وإفساد الأخلاق، ونشر الرذيلة والجريمة، والدفاع عن الظالمين
والمفسدين، والترويج للباطل والمبطلين!.
شتان بين إعلام يقدم لشبابنا المثل العليا والقدوات الصالحة وعلى
رأسهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وإخوانه من النبيين
والمرسلين، والصحابة، والتابعون، والعلماء، والقادة، والحكماء،
والأدباء، والفقهاء، والشعراء، والكتاب، والمفكرون، والأطباء،
والمهندسون، والمبدعون في كل مجالات الحياة.. وبين إعلام يقدم
الرويبضات، والساقطين، والتافهين، والراقصين، والمفسدين، واللصوص،
والمزورين؛ ليكونوا القدوة والمثال!.
شتان بين إعلام يطرح القضايا الكبيرة التي تشكل وجدان الأمة وعقولها
وتدفع عجلة الاقتصاد والتنمية والصناعة.. وبين إعلام يتبنى طرح
القضايا التافهة لمجرد الإثارة، فقط للاستحواذ على أكبر نسبة مشاهدة
والأمثلة أكثر من أن تُحصَى!.
شتان بين إعلام صدع رؤوسنا بالديمقراطية والحرية، والرأي والرأي
الآخر، يسمح لمذيعة تطل علينا بصورة غارقة في التبرج والزينة، في
الوقت الذي يجرم ويحرم على أي مذيعة تريد أن تؤدي عملها بحجابها
الشرعي!.. نعم آن الأوان أن تعود المؤسسة الإعلامية والفكرية
والثقافية إلى دورها الريادي الحضاري الحقيقي وهذه خطوط عريضة وأترك
التفاصيل ووضع الخطط والبرامج التي تتفق مع المرحلة المقبلة للمتخصصين
الشرفاء وما أكثرهم.
وأخيراً، شتان بين إعلام يقدم الكوادر المتخصصة المتقنة المبدعة بلا
مجاملات كاذبة، أو محسوبيات ظالمة، أو حسابات شخصية.. وبين إعلام
يحارب المبدعين الصادقين الذين لا يجيدون العزف على وتر الكذب وتمجيد
الفاسدين والظالمين!.
خامساً: التغيير والإصلاح في المؤسسة
الاقتصادية:
لا يخفى على أحد أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي عضت بأنيابها
التي لا ترحم كثيراً من الناس وقطاعات عريضة من الشباب العاطل عن
العمل، كانت هذه الأزمة مع غيرها من غياب العدالة الاجتماعية في توزيع
الثروات، والتفاوت المرعب بين الطبقات - فقلة قليلة تمتلك المليارات
والكثرة الكاثرة لا تمتلك الجنيهات - ،ومع انتشار الفساد والظلم
والرشوة والمحسوبية وغير ذلك، كانت هذه الأسباب سبباً فيما وقع من
أحداث في تونس ومصر ولبيبا وما يجرى الآن في دول عربية أخرى.
والأمر يحتم على العقلاء والمخلصين الغيورين أن نفكر من الآن تفكيراً
جدياً في تحقيق نهضة اقتصادية وزراعية وصناعية كبرى على أيادِ هذا
الشباب الواعد الذي أبهر العالم.
هؤلاء الشباب طاقات هائلة، وهم أغلى ما نملكه من مصادر القوة - إن
أحسنا توظيفه وتوجيهه لصالح الدين والوطن - وليس من العقل والحكمة أن
نظل ننظر إلى تلك الأعداد الضخمة على أنها عقبة ومعول هدم للتنمية،
والنماذج الياباني والأندونيسي والهندي والصيني خير دليل على أن
العنصر البشري أغلى عناصر التقدم والإبداع والإنتاج، فلابد من تشجيع
الشباب على العمل والتخلص من البطالة، والحكومة عليها دور كبير جداً
في هذا الجانب، فأنا أتعجب غاية العجب لهذه القوانين الروتينية
القاتلة التي تولد الكبت والانفجار حتماً كما حدث في تونس ومصر في
الأيام الماضية ولطالما حذر العلماء والمفكرون من ذلك.
لماذا يُحارَب شاب تخرج في الجامعة وقضى أجمل سنوات عمره في التحليل
والتعليم ومع ذلك لم يجد عملاً بشهادته؟ فقام ليعول نفسه، وليساعد
أسرته؛ فيصنع عربة صغيرة يبيع عليها الفول أو بعض الفواكه أو بعض
الخضروات، أو يستأجر دكاناً أو محلاً ليبيع أي سلعة؛ فتقفز إلى هذا
المسكين كل جهات الدولة، فيطارده مكتب العمل، ويهجم عليه موظفو
التأمينات والصحة والتنظيم والحي، ويطارده رجال الشرطة ويصادرون عربته
الصغيرة المتواضعة، ويقلبون له ما يبيعه على الأرض! ما هذا القهر
والظلم! وماذا عساه أن يفعل هذا المسكين؟، وكيف يعيش؟، أتريدون أن
يكون مجرماً أو لصاً لنقيم عليه الحد!.
ثم كيف نطالب هؤلاء المساكين البسطاء أصحاب الأعمال المتواضعة بضرائب
تفوق الحصر! كضريبة الأموال العامة، والضرائب العقارية، والضرائب على
الأطيان والأراضي الزراعية، وهذه جمارك، وهذه ضريبة مبيعات، وهذه رسوم
ودمغات، و كيف يشتري إنسان سلعة يدفع ثمنها بالكامل ثم يطالب بدفع
ضريبة أخرى على هذه السلعة!.
لماذا لا يشجع المستثمر الوطني الذي لا يهرب أمواله إلى بنوك سويسرا
وألمانيا وبريطانيا وأمريكا؟، لماذا لا توضع الميزانيات على أساس
الأجور التي يستحقها المواطنون والعمال لا أن تحدد الأجور وفق
الميزانيات؟.
أعلم أن دراسات اقتصادية وزراعية وصناعية جادة تستطيع - بفضل الله -
أن تنقل بلدنا نقلة فذة لتكون من أغنى دول العالم، وإنني أدع هذه
الدراسات إلى أهلها المختصين،وأدعو إخواننا في المصانع والشركات
وأماكن العمل والإنتاج أن يتركوا الاعتصامات والاحتجاجات وأن يبدأ
العمل والإنتاج، والشرفاء هم الذين يغلبون مصلحة الوطن على المصالح
الفئوية والشخصية، وهم الذين يعطون الآن ولا يطلبون وأنتم الشرفاء يا
أهل مصر.
- التصنيف: