مبارك والثورة الثانية والحسم

منذ 2011-04-19

جاءت رسالة مبارك -الطاغية الذي خلعه شعبه- المسجلة التي أذيعت عبر قناة العربية بتاريخ 10 أبريل مفاجأة للكثيرين، ولكنها لم تكن مفاجأة لي فقد توقعت ظهور له ومؤامرات لا تنتهي..


جاءت رسالة مبارك -الطاغية الذي خلعه شعبه- المسجلة التي أذيعت عبر قناة العربية بتاريخ 10 أبريل مفاجأة للكثيرين، ولكنها لم تكن مفاجأة لي فقد توقعت ظهور له ومؤامرات لا تنتهي، فالمتابع لحسنى مبارك منذ توليه السلطة في أكتوبر 1981 يعلم أن مبارك ماكر ويخطط بخبث وخدع الكثيرين على مدار سنوات حكمه.

فقد ظنه البعض في بداية حكمه لا يفهم، وأطلق عليه البعض وصف البقرة الضاحكة، وظل البعض ينتقدونه في عدم فهمه وإدراكه ووعيه السياسي ولكنه ظل محتفظاً بقبضته في حكم مصر رغم كل أنواع المعارضة، فلعب بالسياسيين وجمعهم في اتحاد لمواجهة الإسلاميين وعصف بمن خرج على حكمه أن جعله منفرداً وحيداً مثل حزب العمل ولم يتركه إلا مدمر، وفى بداية حكمه ترك الجماعات الإسلامية، ثم نصب للجهاد والجماعة الإسلامية كمين العنف فجعلهم يدورون في دائرة لا تنتهي إلا بالقتل أو السجن أو الهروب، ولم يترك غيرهم من الجماعات حتى استطاع أن يصل بفريق منهم بالقهر للتسبيح بحمده أو الانسحاب من الحياة، وفتح أكبر عدد من المعتقلات شهدته مصر في تاريخها كله، وأعدم (مائة) أكبر عدد من الإسلاميين في عشر سنوات، وسجن ما يقرب من مائة ألف، وقتل في الشوارع والحقول حوالي ألف، وجعل الاعتقال كالحكم بالمؤبد رغم أنف القضاء وكل قواعد العدالة في العالم، واستطاع بخبثه وطغيانه أن ينتزع موافقة من الإخوان في بداية حكمه ثم ما لبث أن انقض عليهم كالذئب المفترس وجعلهم يدورون في دائرة الاتهامات ونفيها، وسكتت مصر تحت حكم القهر والطغيان.

وفى حكم طغيان حسنى مبارك لم يترك شخص رفع بصره في وجهه أو تكلم بكلمة أو عرف عنه أنه له عقل أو عنده رغبة في قول لا إلا وسحقه (مثل الكفراوي والجنزوري وغيرهم كثيرون)، ولم يبق معه إلا من استخدمهم كالأحذية ولم يرفعوا أعينهم في عينه قط ،وكان كلما قرأ أفكارهم بالتجسس عليهم وجد أنها تسبح بحمده مثل زكريا عزمي وصفوت الشريف، البعض يقول أن مبارك استمر في حكم مصر بالقهر وزبانية أمن الدولة والظلم والإرهاب، نعم هذا حقيقي ولكنه كان يدير ذلك كله بشيطنة جعلت إبليس يتركه ولا يوسوس له.


وعندما قامت الثورة في 25 يناير حاول سحقها ففشل، وحاول الالتفاف عليها كثيراً حتى آخر لحظة، كل يوم له خطة وطريقة في الخبث حتى يوم الخميس قبل التنحي كان يتآمر حتى اشتد الأمر وعلم أن مصر أفاقت وانتبهت من غيبوبتها وأيقن أن وقوفه أمام الثورة معناه مذابح لا نهاية لها وأن الثورة لن تتركه إلا بقتله هو وأولاده فآثر أن ينسحب بهدوء مع خبث الاحتفاظ بكل قوته ماله وحراسته وعلاقاته، وكان قرار تخليه عن السلطة للمجلس الأعلى خبيث فترك البلاد في مشكلة دستورية، وترك الحكم في يد قريبة منه، وعندما رأى جدية المجلس الأعلى في الإيمان بالثورة استعمل نفوذه العربي والغربي ووجهه ضد الثورة من أول يوم حتى بعد رحيله عمل على استغلال علاقاته بالعرب والغرب،

ولم يكن مبارك بعيداً عن قتل المتظاهرين ولا موقعة الجمل فطريقته في الحكم جعلت كل الوزراء ومن حوله سكرتارية مرتعشة، ولم يسكت أو يصمت إنما أبقى على شفيق وأدخل الجمل معه وأبقى الحزب الوطني وتلاعب بالإعلام حتى التغييرات الأخيرة لم تحقق تغيير مهم فكلهم من بقايا النظام إلا ما رحم ربي، فرئيس مجلس إدارة الجمهورية الجديد شقيق سكرتير حسنى مبارك، وهكذا ظل مبارك يتآمر سواء بنفسه أو بواسطة جمال أو صفوت ولكنه لم يكن بعيداً مطلقاً،

فرغم أن الثورة حققت انجازات قوية على الأرض -والحمد لله- وتغيرت خريطة مشاهد كثيرة في الحياة في مصر لكن أيتام مبارك ظلوا على الوفاء له وآخر ذلك ما يتردد في كثير من الأماكن في مصر عن عودة أمن الدولة بثوب آخر، وتردد مقولة أن أيام مبارك أفضل من تلك الفوضى وقد سمعتها بنفسي وانتقدت قائلها وفهمت من أين تترد الكلمة، ولكن الشاهد أن مبارك لم يسكت حتى وصلنا إلى أحداث ليلة ميدان التحرير، وأعقبه ظهوره بتسجيل صوتي تم إعداده بدقة قانونية وبلغة خبيثة تعمل على اللعب على أوتار العاطفة عند الشعب المصري وتحريك الكتلة الحرجة ورفع نبرة انتمائه للمؤسسة العسكرية ولإظهار فقره (أفقره الله حتى لا يجد الحضيض)، وهو أسلوب مقصود للضغط على المجلس الأعلى المتهم بالتباطؤ في محاكمة حسنى مبارك، فأسرع مبارك بالضغط عليه عبر بعض الدول وعبر تهديد غير مباشر بإعلان قدرته على التواجد مع الرأي العام وإثارته وتحريك كتلة ساكنة وهى لعبة خبيثة..

لكن الشاهد رغم ما يوجه للمجلس الأعلى من نقد أنه مدرك لكل خيوط ما يحدث في مصر، ومدرك لمكامن القوة عند كل طرف ويعمل على التحرك الهادئ، وهو تحرك يتنافى مع حسم الثورة ومتطلبات الحسم مع المجرمين، لكنه أحياناً -مع إحسان الظن بالمجلس- مطلوب ولكن إلى وقت وأعتقد أنه حان الوقت للحسم ولا مجال للتمهل مطلقاً والتمهل يفتح باب النقد الشديد للمجلس، فمبارك يعمل على تحريك ثورة مضادة سواء بنفسه أو بغيره، ولا يخفى أن له كلاب أكلت كثيراً من العظام التي كان يقذفها لهم فأصبح عندهم سعار والتمهل معهم خطر على مصر وعلى الثورة وإنجازاتها.


وإن لم يحسم المجلس الأمر بسبب رؤية عنده وأسرار يعلمها فلابد للثورة أن تحسم الأمر وتدرك أن الثورة في خطر، ولابد من اتحاد كافة فصائل الثورة وجمع كل قوى الشعب، وقد أصبحت الثورة أقوى بعد ما رأى الساكتين انجازاتها فانضموا إليها،

والحسم يحتاج ثورة ثانية تتحرك سريعاً بآليات متنوعة كي يدرك مبارك ومن معه الفشل المحتوم، والتحرك نحو شرم الشيخ بمليونية مهم لكن أيضاً التحرك بمليونيات ترفض عودة الظلم ومحاكمة مبارك في كل محافظة مهم أيضاً والباب مفتوح لكل اجتهاد حتى يعلم المجلس أن الشعب كله معه فلا يتردد من إلحاق مبارك إلى حكومة سجن طرة.


ويبقى أخيراً أنني اتهم مبارك بمحاربة الإسلام بكل الطرق، والعمالة لليهود والأمريكان، وتضييع ثروات مصر، وأنتظر ما هدد به أن يلاحقني قانونياً.

ممدوح إسماعيل - محام وكاتب



 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 2,438

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً