تعليق على أثر " مَا استقامت بِهِ أئمتكم "
في هذا الأثر إحداث شيء لم يعرفه السلف الصالح وهو أن يحج المرء مصمتا فاعتبرها الصديق أنه عمل من أعمال الجاهلية. كما أن في هذا دليل على أن كل عمل لم يعرفه السلف الصالح في حياتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه عمل من أعمال الجاهلية.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله:
عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: دخل أَبُو بكر الصّديق على امْرَأَة من أحمس يُقَال لَهَا زَيْنَب، فرآها لَا تَتَكَلَّم، فَقَالَ: مَا لَهَا لَا تكلم، قَالُوا: حجت مصمتةً فَقَالَ لَهَا: تكلمي، فَإِن هَذَا لَا يحل، هَذَا من عمل الْجَاهِلِيَّة، فتكلمت، فَقَالَت: من أَنْت؟ قَالَ: امْرُؤ من الْمُهَاجِرين. قَالَت: أَي الْمُهَاجِرين؟ قَالَ: من قُرَيْش. قَالَت: من أَي قُرَيْش؟ قَالَ: إِنَّك لسؤول، أَنا أَبُو بكر. قَالَت: مَا بقاؤنا على هَذَا الْأَمر الصَّالح الَّذِي جَاءَ الله بِهِ بعد الْجَاهِلِيَّة؟ قَالَ: بقاؤكم عَلَيْهِ مَا استقامت بِهِ أئمتكم. قَالَت: وَمَا الْأَئِمَّة؟ قَالَ: أما كَانَ لقَوْمك رؤوسٌ وأشرافٌ يأمرونهم فيطيعونهم؟ قَالَت: بلَى، قَالَ: فهم أُولَئِكَ على النَّاس. رواه البخاري رحمه الله.
1- في هذا الأثر إحداث شيء لم يعرفه السلف الصالح وهو أن يحج المرء مصمتا فاعتبرها الصديق أنه عمل من أعمال الجاهلية. كما أن في هذا دليل على أن كل عمل لم يعرفه السلف الصالح في حياتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه عمل من أعمال الجاهلية. وأنه لا يحل أي هو حرام بل هو بدعة و كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار إذ الدين بالإتباع وليس بالابتداع.
ولا يصح ولا ينفع أن يظن ظان في رأي رآه أو اقترحه فأحدثه في الدين أن الله سيتقبل منه بل هذا مردود عليه في الدنيا والآخرة سواء كان هذا في الاعتقاد أو في الأحكام أو في الفضائل أو في تفسير القرآن أو غيره.
فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
2 - التفطن في أحوال الناس بالقرائن التي تحتف بهم لكون الصديق رضي الله عنه تفطن ان المرءة ساكتة لأمر ما فسألهم ما لها لا تتكلم.
3 - الأمر بالمعروف بالمعروف والنهي عن المنكر بلا منكر فإنه - كما ترى- لم يعنفها الصديق رضي الله نه كما لم يأت بعتابٍ أو زجرٍ شديد لما علم أنها جاهلة فعلَّمها بيسرٍ وبرفقٍ ، وهكذا يجب أن تكون أخلاق الداعية والآمر بالمعرووف والناهي عن المنكر.
4- تواضع الصديق رضي الله عنه حيث لما قالت له المرءة: من أنت أخفى شخصيته عنها ، وقد كان مشهورا أو ربما يكون هذا في فترة خلافته -والله أعلم- وهذا أعجب بالنسبة لزماننا إذ لو قال مثل هذا الكلام أحد الرعية لأمير البلاد لاعتبر ذلك تجريح شديد له ولغضب له من حوله من حواشيه وربماأنزل عليه عقاب أو ضرر بالغ من سجن ونحوه فضلا عن أن يسأله أو يستخبر عن قبيلته أو غير ذلك من الأسئلة، والله المستعان. وما من شك أن مثل هذا التواضع والبساطة والسماحة يحبب الرعية إلى الراعي حتى ينافحوا عنه ويحوطوا من وراءه.
ولهذ لم يقل لها أنا أبو بكر وإنما قال لها: امْرُؤ من الْمُهَاجِرين، ولما قالت لها أي المهاجرين ازداد تواضعاً وصبراً فأجاب لها: إنه من قريش ولكن لما سألته من أَي قُرَيْش؟! وجَّهها وزجرها ونصحها أن هذا من كثرة السؤال التي لا تنبغي لكونه قال لها: إِنَّك لسؤول، لأن هذا من أمر الجاهلية أي إنما يكفي معرفته بأنه من قريش وكفى ثم عيَّن له شخصه الكريم فقال لها: أنا أبو بكر.
5 - فيه استفتاء العلماء لما يهم من أمر الدين وقد استفتته عن أمرٍ عظيمٍ يمس بمصير الأمة وكيفية بقاء الأمة على الأمر الصالح الذي جاء بعد الجاهلية فما أفقهها من امرءة؟!
6 - هذا الجواب الذي قال فيه الصديق : "بقاؤكم عَلَيْهِ مَا استقامت بِهِ أئمتكم" فيه.عمق للتفهم في حقيقية بقاء صلاح هذه الأمة، إذ الأئمة للأمة بمثابة القلب، فإذا صلح القلب صلح سائر البدن وإذا فسد القلب فسد سائر البدن.
ولذلك يجب على المسلمين الحرص على استقامة الأئمة من جهة اختيارهم ومن جهة نصحهم ومن جهة إعانتهم على البر والتقوى ومن جهة دعائهم لهم في ظهر الغيب ومن جهة طاعتهم والبعد عن كل ما من شأنه أن يجر فتنة في المسلمين.
كما في هذه الفتوى علامة من علامات الالهام والتسديد للصواب والتوفيق للحق لعباد الله الأولياء اصالحين وإن كنا لا نقطع أن أبا بكر رضي الله عنه ما استفى بمثل هذا الاستفتاء وأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل فتواه فيرتفع الأثر عن كونه موقوفا على أبي بكر رضي الله عنه إلى مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
7- طول نفس الصديق ورحابة صدره وسعة صبره لكثرة السؤالات الموجهة إليه بالتكرار حتى إنك تراه يجيب عن كل كلمة غريبة على السائل بكل لطافة وسهولة ، وهكذا يجب أن يكون العالم صبورا لكثرة الأسئلة المتكررة الواردة عليه من طلاب العلم.
والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
- التصنيف: