قصة للعظة والاعتبار
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «رُبَّ أَشْعَث أغبر مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ».
(اين اولياء الله فينا)
عَبْدٌ أسودٌ تقيٌّ وليٌّ من أولياء الله*
قَالَ ابْن المبارك: قدمت مكة فإذا الناس قَدْ قحطوا من المطر وهم يستسقون فِي المسجد الحرام، وكنت فِي الناس مما يلي باب بْني شيبة، إذ أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش، قَدِ ائتزر بإحداهما، وألقى الأخرى عَلَى عاتقه، فصار فِي موضع خفي إِلَى جانبي، فسمعته يَقُول: إلهي أتعبت الوجوه كثرة الذنوب ومساوئ الأعمال، وقد منعتنا غيث السماء لتؤدب الخليفة بذلك، فأسألك يا حليمًا ذا أناة، يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل، اسقهم الساعة، الساعة.
قَالَ ابْن المبارك: فلم يزل يَقُول الساعة، الساعة، حَتَّى استوت السماء بالغمام، وأقبل المطر من كل مكان، وجلس مكانه يسبّح، وأخذت أبكي، فلما قام تبعته حَتَّى عرفت موضعه.
فجئت إِلَى فضيل بن عياض فقال لي: ما لي أراك كئيبًا؟ فقلت: سبقنا إِلَى الله غيرنا، فتولاه دوننا.
قَالَ: وما ذاك؟ فقصصت عليه القصة، فصاح وسقط وَقَالَ: ويحك يا ابْن المبارك خذني إِلَيْهِ.
قلت: قَدْ ضاق الوقت، وسأبحث عَنْ شأنه.
فلما كَانَ من الغد صليت الغداة، وخرجت إِلَى الموضع، فإذا شيخ عَلَى الباب قَدْ بسط لَهُ وَهُوَ جالس، فلما رآني عرفني وَقَالَ: مرحبا بك يا أبا عَبْد الرحمن، حاجتك. فقلت له: احتجت إِلَى غلام أسود.
فَقَالَ: نعم عندي عدة، فاختر أيهم شئت؟ فصاح يا غلام، فخرج غلام جلد، فَقَالَ: هَذَا أرضاه لك، فقلت: ليس هَذَا حاجتي، فما زال يخرج إلي واحدًا واحدًا حَتَّى أخرج إلي الغلام، فلما أبصرت به فرحت عيناي، فَقَالَ: هَذَا هو؟ قلت: نعم، فَقَالَ ليس إِلَى بيعه سبيل، قلت: ولم؟ قَالَ: قَدْ تبركت لموضعه فِي هَذِهِ الدار؛ وذاك أنه لا يكلفني شيئًا، قلت: ومن أين طعامه؟ قَالَ: يكسب من الحياكة درهم، فيبتاع به ويأكل، وإلا بات من غير طعام ذلك اليوم.
وأخبرني الغلمان عنه أنه لا ينام هَذَا الليل الطويل، (أي يقوم من الليل يصلي) ولا يختلط بأحد منهم، مشغول بْنفسه، (أي لا ينشغل مع الغلمان بالقيل والقال والحديث فيما لا ينفع) وقد أحبه قلبي، فقلت لَهُ: أنصرف إِلَى سفيان الثوري وإلى فضيل بْن عياض بغير قضاء حاجة؟.
فَقَالَ: إن ممشاك عندي كبير، خذه بما شئت.
قال: فاشتريته وأخذته نحو دار فضيل، فمشيت ساعة، فَقَالَ لي: يا مولاي، قلت: لبيك، قَالَ: لا تقل لي لبيك، فإن العبد أولى أن يلبي المولى.
قلت: حاجتك يا حبيبي. قَالَ: أنا ضعيف البدن، لا أطيق الخدمة، وقد كَانَ لك فِي غيري سعة، قَدْ أخرج إليك من هو أجلد مني، فقلت: لا يراني اللَّه وأنا أستخدمك، ولكني أشتري لك منزلًا وأزوجك وأخدمك أنا بْنفسي، قَالَ: فبكى، فقلت: مَا يبكيك؟.
قَالَ: أنت لم تفعل فِي هَذَا إلا وقد رأيت بعض متصلاتي باللَّه تعالى، (أي بعض ما أكرمني الله به إجابة الدعاء) وإلا فلم اخترتني من بين الغلمان؟ فقلت لَهُ: ليس بك حاجة إِلَى هَذَا، (أي لا حاجة لذكر هذا الأمر) فَقَالَ لي: سألتك باللَّه إلّا أخبرتني، فقلت: بإجابة دعوتك، فَقَالَ لي: إني أحسبك إن شاء اللَّه رجلًا صالحًا، إن للَّه عز وجل خيرة من خلقه لا يكشف شأنهم إلا لمن أحب من عباده ولا يظهر عليهم إلا من ارتضى، ثُمَّ قَالَ لي: ترى أن تقف علي قليلًا، فإنه قَدْ بقيت علي ركعات من البارحة.
قلت: هَذَا منزل فضيل قريب. قَالَ: لا. هاهنا أحب إلي، أمر اللَّه عز وجل لا يؤخر، فدخل من باب الباعة إلى المسجد، فما زال يصلي حَتَّى إذا أتى عَلَى مَا أراد التفت إلي فَقَالَ: يا أبا عبد الرحمن، هل من حاجة؟ قلت: ولم؟ قَالَ: لأني أريد الانصراف، قلت: إِلَى أين؟ قَالَ: إِلَى الآخرة. قلت: لا تفعل، دعني أسر بك.
فَقَالَ لي: إنما كانت تطيب الحياة حيث كانت المعاملة بيني وبينه تعالى، فأما إذا اطلعت عَلَيْهَا أنت فسيطلع عَلَيْهَا غيرك فلا حاجة لي فِي ذلك، ثُمَّ خر لوجهه، فجعل يَقُول: إلهي اقبضني إليك الساعة، الساعة، فدنوت منه فإذا هو قد مات.
فو الله مَا ذكرته قط إلّا طال حزني وصغرت الدنيا في عيني.
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي (8/223: 225)....نقلت القصة للاعتبار...
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «رُبَّ أَشْعَث أغبر مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ». (صحيح مسلم 2622) نعم والله نحن نحتاج للنصر مع الاسباب الى كتيبة من مثل هؤلاء الصادقين المشغولين بطاعة الله.
لايشغلهم ملابس موضة ولامطعمهم ولاشكلهم ولا اعجاب الجماهير ولا الشيوخ ولا يتصارعون على حطام الدنيا لايشغلهم اى شىء الاالاخلاص فى طاعة الله.
اللهم اصلح فساد احوالنا واجعلنا من اولياؤك