الملك زومبي وحركة الماليين (المسلمين) في البرازيل (2)

منذ 2018-03-14

بحث مقدم إلى الندوة الأولى حول الجذور الإسلامية للبرازيليين ذوي الأصول الإفريقية.. دكتور تي بي إرفنج.. وإلم درايف إن إي.. نوفمبر1988..

سَئِم البرازيليون من أصل إفريقي من السجود أمام القديسين والصور، كما سئموا إجبارهم على الكفر أو الانتماء إلى طوائف مهرطقة لا تؤمن بإله؛ فالتجمعات الشركية التي أُجبر العبيد على الانخراط فيها قلبت المسلمين ضدهم؛ لأن مجرد نطق لفظ مثل "أم الإله" يعتبر كذبًا على الله.

 

شكلت هذه القضية - مثل الانتفاضة التي حدثت في بالميراس في القرن السابع عشر - الحركة البروليتارية، التي أدت إلى شعور الأفارقة بالاضطراب والقمع، حارب هؤلاء المقاتلون من أجل الحرية في القرن التاسع عشر بعناد ضد الجيش البرازيلي كله، تمامًا كما حارب أسلافهم الجيوش الهولندية والبرتغالية منذ قرن ونصف مضى.

 

يتطلب الأمر دراسة كل هذه الطوائف المسلمة (البالميراس، والماليين، والكانودوس) الذين عانوا من الظلم والقهر، بدأت عملية التطهير في الولاية الساحلية الشمالية مارانهاو بعد سنوات قليلة، في الفترة ما بين 1839، وحتى عام 1841، من آثار حركة الماليين، وقد ابْتُليت البرازيل بهذه الثورات أكثر من الولايات المتحدة، أو جزر الهند الغربية.

 

تم شحن مئات من قادة تلك الثورات في القرن التاسع عشر إلى غرب إفريقيا (موطنهم الأصلي) عندما تم اعتقالهم بعد نجاتهم من المذابح التي قام بها الجيش البرتغالي ضدهم، وكان غالبية المعتَقِين من العبيد من المسلمين، فالمسجد الذي بُني على الطريقة البرتغالية في السلفادور في لاغوس بتصميمه الفريد والبارع قد بناه هؤلاء المسلمون، ثم حافظ عليه من بعدهم أبناؤهم وأحفادهم، وصل هؤلاء الرجال المحررون إلى نيجيريا، وموانئ أخرى على طول ساحل خليج غينيا، وعملوا كتجار؛ لأنهم كانوا يعرفون العديد من الصناعات المفيدة، فقد كانوا نجارين، وبَنَّائِين، وإسكافيين، وخبازين؛ وقد استفادوا من وجودهم في المنفى في تعلم العديد من المهارات، كما كان بعضهم يعرف القراءة والكتابة، وغالبًا يتحدثون كلاًّ من البرتغالية والإنجليزية.

 

ساد هذا الانشقاق الديني المجتمعَ البرازيلي، فقد كان السماح للوثنية بالظهور في احتفالات ريو، على سبيل المثال، أو أي كرنفال كاريبي آخر واضحًا للعيان، وقد ألف الكاتب البيروي "ماريو فارغاس يوسا" كتابة المسمى "الحرب في نهاية العالم" في مستوطنة معزولة من كانودوس في الجزء الغربي من ولاية باهيا في عام 1897، وتأتي تلك القصة كتتمة لقصة إقليدس دا كونها المسماة "أوس سيرتوس" (ومعناها بالإنجليزية ثورة في المناطق النائية)، والتي تصف الحياة على الحدود البرازيلية، والتي كانت بمثابة الثورة الرائدة لنيل الحريات في أمريكا الشمالية.

 

استمرت المقاومة البطولية تسع سنوات طويلة مستَحْضِرَة ذكريات ثلاثة قرون من الاضطهاد المدني والديني، وكان زعيم الحركة يسمى أنطونيو كونزلهيرو، الذي دعا إلى "عبادة الله الواحد" مستحضرًا الماضي الإسلامي في البرازيل، وكانت شعارات مثل "الله أكبر" "واليتامي السود" حافزًا للكتاب الفرنسيين لاقتباس أفلام فرنسية ناجحة، ولكن على الرغم من ذلك فقد عكست تلك الأفلام الحركة الوثنية في ريو دي جانيرو.

 

درس جيلبرتو فريره، عالم الاجتماع البرازيلي المميز الذي عاش وتوفي العام الماضي في ريسيفي، هذه الثقافة الإفرو-برازيلية طوال حياته، وفي عام 1934 تم عقد المؤتمر الإفرو-برازيلي تحت رعايته في مدينته، بينما عُقِد مؤتمر آخر في سلفادور العاصمة، والميناء الرئيسي لباهيا بعد ثلاث سنوات في عام 1937، وقد ركزت دراسات فريره على التأثير المتبادل بين الأجناس، والذي حدث داخل المجتمع البرازيلي، سجلت كازا غراندي إي سينزالا (أو كما تُرجمت: السادة والعبيد، أو حرفيًّا البيت الكبير والأكواخ) بحثًا آخر لذلك المؤرخ وعالم الاجتماع البرازيلي الموهوب، وكتب نينا رودريغيز عالم الآثار البرازيلي بحثًا بعنوان (الأفارقة في البرازيل)، والذي نشر في ساو باولو في عام 1933.

 

وفي السنة التالية كتب بيدرو كالمان "رجال مالي انتفاضة في مستوطنات الرقيق" في ريو في نفس العام، وظهرت الثقافة البرازيلية في تلك الدراسات كمزيج من الثقافة الإفريقية، والأوروبية، والمحلية.

 

تدخلت الشرطة باستمرار مع كاندومبلي مستحضرة في الذهن قسوة محاكم التفتيش الإسبانية فضلاً عن الدولة البوليسية الغربية الحديثة، سعى علماء الأنثروبولوجيا الفرنسيون، والشرطة البرازيلية للحصول على نفس النتائج السلبية في أبحاثهم التي وُضِعت في ظل الاحتلال الفرنسي للجزائر، ونادرًا ما وجدوا أي أثر للمسلمين في المجتمع الذي كانوا يدرسونه، وأظهَرَ عالم الاجتماع السويسري "روجيه باستيد" نقصًا خطيرًا في الإدراك أثناء عمله الميداني في البرازيل، حيث لم يلاحظ وجود المسلمين ولا آثارهم في الثقافة المحلية، وأصبحت تلك البحوث شكلاً من أشكال الخيال العلمي في خدمة الإمبريالية الثقافية، والمثقفين الذين يُسَمَّون في الإسلام بالمستشرقين، ففي الفصل الثامن، ص 143 وما يليها من كتاب باستيد بشأن الديانات الإفريقية من البرازيل (بالتيمور عام 1978، مطبعة جامعة جونز هوبكنز) يتحدث المؤلف باستفاضة عن "المسلمين"، ويتجاهل وجود آثار ثقافية إسلامية في تلك البلاد، وعندما تكون التسمية التي اختارها غير محترمة بهذا الشكل، ماذا يمكن للمرء أن يتوقع من استنتاجاته، أو حتى من مجموع أبحاثه؟ ذكر "كلود أحمد وينترز" - عالم الأنثروبولوجيا المنحدر من أصول أمريكية، والذي عمل في ريودي جانيرو، ويعيش الآن في شيكاغو - أدلة كثيرة على وجود الثقافة الإسلامية، وتأثيرها على الثقافة البرازيلية.

 

أثرت الاضطرابات في المناطق النائية على عقول الطبقات الدنيا في ذلك البلد تمامًا كما أثرت "الحدود" في أمريكا الشمالية، فكان ساكنو غابات البرازيل منعزلين تمامًا مثل رواد أمريكا الشمالية أو الرحالة الفرنسيين.

 

حكم الكانودوس في أقصى غرب ولاية باهيا في عام 1897، ودام حكمهم مائتي سنة بعد حكم بالميراس قبل أقل من قرن مضى.

 

وفي العقدين التاليين على إلغاء الاتجار بالرقيق في البرازيل، وفي حوالي عام 1850 في منتصف هذا القرن، بدأت ثقافة الإملاءات الثقافية والدينية في الانهيار، وخاصة بعد عام 1870. وأدى التدهور في صناعة السكر إلى تحرير العبيد في نهاية المطاف، في حين أدى استخدام الماكينات الحديثة جنبًا إلى جنب، مع زيادة مهارات العمال التي تمتع بها المهاجرون الجدد الذين جاؤوا من أوروبا وغزوا مزارع البن في جنوب البرازيل - إلى صعوبة الاحتفاظ بالعبيد إلا من جهة المباهاة الاقتصادية والاجتماعية، وبدأ الركود يضرب البرازيل، وجزر الهند الغربية، وجنوب الولايات المتحدة عن طريق استخدام الآلات الحديثة بدلاً من الأساليب التي عفا عليها الزمن في الإنتاج.

 

وفي 13 مايو 1888، وقَّعَت الأميرة إيزابيل ابنة الإمبراطور بيدرو الثاني، التي شغلت منصب حاكم البرازيل خلال غياب والدها في أوروبا، وثيقةً ألغت على إِثرها نظام الرق نفسه "وقد نالت البرازيل استقلالها في عام 1822 على يد الإمبراطور بيدرو الأول عندما أعلن قائلاً: "سوف أظل في البرازيل، ولن أعود إلى البرتغال -كما كان يريد والده"، وفي تلك الفترة، لاحظنا عودة الآلاف من المنفيين البرازيليين إلى ساحل خليج غينيا بين عامي 1850 و 1878 من المحرَّرِين الذين اشتروا حريتهم، واستقروا في موانئ لاغوس في نيجيريا، وبورتو نوفو وويده في بنين؛ والعديد من الأسر في تلك المدن فخورون بأصولهم البرازيلية، ويحملون أسماءً برتغالية مثل داسيلفا، سانتوس أو فرنانديز، وكان أفضل أمنياتهم الفرار والعودة إلى إفريقيا، ويظل تاريخ هؤلاء الأبطال الشجعان بحاجة لإعادة كتابته وتسجيله.

 

كان المحرَّرُون في البرازيل يُسَمَّوْن بالمعتقين كما ذكرنا؛ وشجع البرازيليون والإنجليز كثيرًا منهم للإبحار لإفريقيا، تمامًا كما حدث مع المعتَقين في أمريكا الشمالية، خاصة بعد انتفاضة الماليين الكبيرة في عام 1835 في المدن الساحلية من ولاية باهيا، وكانت العلاقات قوية بين موانئ سلفادور وويده (أو ساو جواو دي أجودا لتسميتها بالاسم البرتغالي) على ساحل بنين.

 

استقر العديد من المعتقين المتعلمين في جنوب لاغوس عندما بدأ هذا الميناء في الازدهار بعد عام 1860؛ حيث أصبحوا مواطنين بارزين، وخاصة البرازيليين منهم، والذين جلبوا العديد من الصفقات المفيدة لنيجيريا مثل الخياطة، وصناعة الأحذية، والنجارة، والبناء بالآجُرِّ، لم يحتفظ هؤلاء المحررون الناطقون بالبرتغالية بأسمائهم، بل تركوها على طول ساحل خليج غينيا، وخصوصًا في خليج بنين؛ فكلمة لاغوس نفسها تعني "البحيرات" لتصف موقعها الفعلي؛ بينما كلمة بورتو نوفو تعني الميناء الجديد، وهي عاصمة بنين الحالية، وكلمة اسكرافوس تعني "العبيد" باللغة البرتغالية.

 

إن التحرر النهائي للعبيد البرازيليين في عام 1888 جلب فترة راحة جزئية وسط هذا المزاج المضطرب، وحالة الاستياء المنتشرة، وتلك الثورة كانت عبارة عن حرب حقيقية في الأدغال، بل كانت حركة شعبية حيرت المؤرخين وعلماء السياسة، الذين تعاملوا مع الجوانب الظاهرية فقط من هذه الأحداث، ولم يفهموا الخلفية الثقافية الإفريقية أو الإسلامية، تأثر هؤلاء العلماء بنزعاتهم الدينية عند تحليل تلك الظاهرة كما يحدث مع معظم علماء الاجتماع الذين يدرسون الحركات الإفريقية اليوم؛ ونتيجة لذلك، فهؤلاء الأبطال الحقيقيون الذين ناضلوا بمرارة وشغف من أجل حريتهم لا يُذكرون إلا في أوقات الاحتفالات، وأصبحت هذه الحقبة من تاريخ البرازيل مليئة بالرومانسية والأساطير المستمدة من الفولكلور الذي يصاحب تلك الاحتفالات، وقد ظهرت حديثًا بعض الأفلام التي تناولت تلك الحقبة، والتي أخرجها المخرج كارلوس ديياجو.

 

أصبحت الطبقات الحاكمة في البرازيل حذرة من أي حركة تقوم على أساس إسلامي من هذا النوع، كانت البرازيل في الحقيقة واحدة من أواخر البلدان التي ألغت الرق في العالم، وتحديدًا منذ قرن من الزمان في عام 1888، وقد غضب ملاك الأراضي البرازيليون من قرار الإمبراطور الذي منح العبيد حريتهم، وسمح بانخراطهم في الجيش، ثم أُعلنت الجمهورية البرازيلية في العام التالي في عام 1889.

 

وقد أثبتت الجمهورية أنها أكثر رجعية في نواحٍ كثيرة من الأسرة الإمبراطورية؛ فالحكم الجمهوري لا يضمن بالضرورة التقدم ولا الحرية، في حين أن الملكية كانت بمثابة عامل استقرار بين مختلف القطاعات في المجتمع، وكانت تضمن حماية حرية الإنسان كما نرى في الدول الإسكندنافية وبريطانيا وكندا واليابان.

 

ومع ذلك أصبحت الطبقات الحاكمة البرازيلية حذرة من الحركات الإسلامية مثل حركة الماليين حتى وقت متأخر من عام 1896، وتم ذبح 25.000 شخص من قِبَل الجيش البرازيلي في المركز الجديد للمنشقين في كانودوس في الجزء الغربي من ولاية باهيا؛ لأنهم كانوا يستخدمون شعار "الله أكبر" الذي يستدعي للذهن شعار أجدادهم المجاهدين في مرتفعات غابات السافانا في غرب إفريقيا.

 

وهكذا وبعد مائتي عام بالضبط من سحق البالمارين عام 1697، تم استدعاء الجيش البرازيلي للخدمة من أجل عملية إبادة واسعة في كانودوس، والتي كانت مزرعة مهجورة للماشية، ثم فجأة أصبحت مركزًا للحركة الدينية، نجا أربعة رجال فقط من أصل آلاف المواطنين الذين شاركوا في تلك الانتفاضة، وهو ما يعتبر إبادة جماعية حقيقية في المناطق النائية في البرازيل.

 

حظت البرازيل ومنطقة البحر الكاريبي بتنوع كبير في المهن والحرف، وكان هؤلاء الأفارقة هم البناة الفعليين للبرازيل، وقد كان الحطابون وسقاة المياه يمثلون بجانب العبيد قوةَ العمل الأساسية في جزر الهند الغربية، وأمريكا الشمالية، استطاع صغار المزارعين والحرفيين التنقل بسهولة أكبر في المجتمع البرازيلي، وخاصة في جنوب الولايات المتحدة، بل أصبحوا وصغار المزارعين مربِّين للماشية في سيرتوس والمناطق النائية ليظهروا موهبة قبيلة الفولاني في التعامل مع الماشية.

 

عرض البناؤون والنجارون والنقاشون، وتجار الموبيليا، والإسكافيون، والميكانيكية، والطباعون، والسماكرة، وعمال الحديد، وعمال التحميل والتفريغ - خدماتِهم في المدن والموانئ، كما قدموا أنفسهم للخدمة كجنود في الجبهة الداخلية في المناطق النائية، وممثلين في الأفلام وغيرها، كما استقدم عبيد الهوسا صناعة صهر الحديد إلى البرازيل كما نعلم؛ ولذلك كان من المتوقع ظهور هذه المهارة كصناعة وليدة.

 

تزايدت فرص المُوَلَّدين (أبناء العبيد) في الحصول على فرص أفضل في التعليم في البرازيل، في حين أن ملَكاتهم العقلية مكَّنتْهم في كثير من الأحيان من الانخراط في التدريب كأطباء، أو محامين، أو مغنين، ووجدوا مجالاً أكبر لهم في البرازيل مما وجد أشقاؤهم في الولايات المتحدة، كما تم تدريب العديد من الأطباء والمحامين والمهندسين؛ من أجل المجتمع الجديد الذي نشأ في البرازيل، على الرغم من أن البعض منهم عاشوا مُهَمَّشين، تمامًا مثلما انتشر الأمريكيون السود الذين فروا من المجتمع الريفي في الجنوب إلى المدن الصناعية في الشمال، انتشر سكان شمال شرق البرازيل، ولكن بطريقة عكسية نحو المناطق الجنوبية والغربية؛ حيث فقدوا الكثير من الأنماط الثقافية من خلال الأحياء الفقيرة التي كانوا يعيشون فيها، والأعمال المملة التي كانوا يؤدونها من العمل في المصانع، والحياة المهينة، والرتيبة تمامًا مثل الحياة التي تعودوا عليها في المزارع القديمة.

 

شهدت البرازيل تسوية اجتماعية كبيرة؛ مما أدى إلى استقرار المجتمع نسبيًّا في ذلك الوقت.

 

وبحلول عام 1905 كما في الأيام الخوالي في بداية هذا القرن قبل موت جميع الأشخاص المولودين من أصول إفريقية، كان ثلث الأفراد المنحدرين من أصول إفريقية يعيشون في ولاية باهيا كمسلمين، وبحلول عام 1910 بلغ عدد المسلمين الذين يعيشون في البرازيل ما بين 20.000 إلى 30.000، بينما توجد اليوم مجموعات صغيرة من المسلمين في ريو دي جانيرو، باهيا، وساو باولو، إلى جانب المهاجرين الجدد إلى المدن الجنوبية من البرازيل خاصة، وأمريكا الجنوبية بصفة عامة، وخاصة المهاجرين الفلسطينيين في أرض الشتات.

  • 2
  • 1
  • 8,766

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً