إلى متى؟

منذ 2018-09-06

نسوا أننا نقف في صفٍّ طويل ولا نعرِف متى يأتي دَوْرُنا، كلُّ ما نعرِفه أنه آتٍ لا محالة، وقد يكون أقرب مما نتصوَّر.

 

أصبح الموت محيطًا بنا، ليس هناك فَرْقٌ بين الكبير والصغير، ولا بين المريض والسليم، سواء أكان بسبب يُمهِّد للموت، أو جاءَ بغتةً دون مُقدِّمات.

وكثرة موت الفَجْأة من علامات الساعة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من أمارات الساعة أن يظهَرَ موتُ الفَجْأة))؛ رواه الطبراني، وحسَّنه الألباني.

هو الأجل إذا جاء نموت، ولو كنا على أسِرَّتِنا وبكامل صِحَّتنا وفي عنفوان شبابنا.

يموت مَنْ نُحبُّ فيحزَن القلب، وقد تدمَع العين؛ لكن تعُود الدنيا فتُلهينا بمُتَعِها ومشاكلها، وتُنسينا الأحزان والاتِّعاظ بالموت والأموات.

حتى أثناء العزاء قد نجد مَنْ يتكلَّم في البيع والشراء، أو القيل والقال، بل أحيانًا نسمَع ضحكة مكتومة لم يستطِعْ بعض المعزِّين أن يُواروها عن الأسماع، قد يكون ذلك لأن الميِّتَ ليس قريبًا لهم، لكن السبب الأهم أن القلوب ماتَتْ، فحتى الموت أصبح لا يُؤثِّر فيها، فإذا لم يتَّعظِ المرءُ بالموت فبمَ يتَّعظ؟!

نسوا أننا نقف في صفٍّ طويل ولا نعرِف متى يأتي دَوْرُنا، كلُّ ما نعرِفه أنه آتٍ لا محالة، وقد يكون أقرب مما نتصوَّر.

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: (( «كن في الدنيا كأنك غريبٌ، أو عابر سبيلٍ» ))، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخُذْ مِن صحَّتِك لِمرَضِكَ، ومن حياتِكَ لِمَوتِكَ"؛ رواه البخاري.

يخرج من بيته حاملًا آمالًا عريضةً وخططًا وأحلامًا، فيصيبه حادثٌ، وبدل أن يرجع إلى بيته يُحمَل إلى قبره!

يدخل لينام متشوِّقًا أن تُشرقَ الشمسُ؛ كي يُحقِّق حلمه الذي انتظره طويلًا، فينام ولا يستيقظ!

كم من رجل طغى وظلم وتجبَّرَ ثم جاءه الموت!

كم من فتاة تبرَّجتْ وعاشتْ حياتها طولًا وعرضًا، نقول لها: الحجابُ فرضٌ، فتقول: ما زلتُ صغيرةً.

نقول: المكياج والعطور حرامٌ أمام غير المحارِم، فتُعاند وتُكابِر، نقول: إيَّاكِ والشباب والعلاقات، فتسمَع ولا تُبالي، ويأتي الموت فجأة!

كم من إنسان جمَع مالَه من حرام، وأكل مال إخوته وحرمَهم وِرْثَهم بالباطل، وغشَّ وسرق ونصَب، وجمع أموالًا طائلة، ثم مات ولم يتمتَّع بها، وتركها لورثته يتمتَّعُون بها، وهو يتعذَّب بسببها.

كم من شابٍّ عاش حياته في غفلة، يقضي وقتَه في التفاهات والأغاني والأفلام، الصلاة آخر ما يخطُر على باله، وبِرُّ الوالدين لا يعرِف عنه شيئًا، ولسانُه لم يتذوَّق حلاوة ذِكْر الله، عاش في غفلة وأفاق على الموت.

كم من حاقدٍ أو غيورٍ ضاعَتْ حياتُه في تدبير المكائد والمؤامرات والبُغْض والحَسَد.

كم من زوجٍ قهر زوجته، وأبٍ ظلَمَ ابنتَه، وأخٍ أساء إلى أخته.

كم من إنسان عاش يأكُل لحوم المسلمين وأعراضهم، أو يأخُذ رشوة ويُسمِّيها بغير مُسمَّياتها.

وغيرهم وغيرهم وغيرهم.

لكل هؤلاء نقول: أفِيقُوا قبل أن تندمُوا وقت لا ينفع الندم.

مالُكَ الذي جمعتَه من حرام لن ينفعَكَ!

أولادك الذين سرقْتَ ونهبْتَ وعاديْتَ لتجمَع لهم المالَ لن ينفعوك، ولن يُبارك اللهُ لهم فيه، وستتعذَّب به!

جَمالُكِ الذي غَرَّكِ، وفتنتِ به شباب المسلمين سيتلاشى، وستُصبحين تُرابًا ولن يبقى إلَّا عداد سيئاتِك!

لسانُكَ الذي لم تحفظْه سَيَرِد بك للمهالك، فكلمة واحدة لا تُلقي لها بالًا قد تهوي بِكَ في النار سبعين خريفًا!

صلاتُكَ التي ضيَّعْتها بحجَّة العمل أو الدراسة، أو حتى كسلًا، ستندم أشدَّ النَّدَم على كل ركعة ضيَّعْتها منها.

لن ينفعَكَ جاهُكَ ولا مالُكَ ولا أصحابُكَ ولا شيطانُكَ، ولا من ضيَّعْتَ صلاتَكَ أو أغضبْتَ ربَّكَ، وفعلت الحرام من أجله.

ستتحسَّر على كل أمر ضيَّعْتَ فيه عُمركَ لا يُقرِّبُكَ من الله، ستندم على كل لحظة ضاعَتْ في غير طاعة الله.

اغتنِم شبابَكَ قبل هرمِكَ، وفراغَكَ قبل شُغلِكَ، وحياتَكَ قبل موتِكَ، واعلم أن النَّفَس الذي خرج منكَ قد يكون آخر نَفَسٍ لك في هذه الدنيا، ابتعِد عن الحرام مهما كانت مُغرياته، وأقبِل على الحلال مهما كان صَعْبًا على نفسِكَ.

يا مَنْ بدُنياه انْشَغَل

وغرَّه طُولُ الأَمَل

الموتُ يأتي بغتةً

والقَبْرُ صُنْدُوقُ العَمَل

ومهما كان ذَنْبُكَ، ومهما بلغَتْ غفلتُكَ، ما زال باب التوبة مفتوحًا، ولكَ رَبٌّ غفورٌ رحيمٌ ودودٌ يقبل التوبة ويعفو عن السيئات، فأقبِل ولا تتردَّد أو تتأخَّر؛ روى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( «لَلَّهُ أشدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلَتِه بأرض فَلاة، فانفلتَتْ منه، وعليها طعامُه وشرابُه، فأَيسَ منها، فأتى شجرةً فاضطجَعَ في ظلِّها قد أيس من راحِلَتِه، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخِطامها، ثمَّ قال مِن شدَّة الفرح: اللهمَّ أنت عَبْدي وأنا ربُّكَ، أخطأ من شِدَّة الفَرح» )).

فإلى متى الغفلة؟

إلى متى التسويف والتأجيل؟

إلى متى سوء الأخلاق والبُعْد عن الدين؟

 

هبة حلمي الجابري

هبة حلمي الجابري

خريجة معهد إعداد الدعاة التابع لوزارة الأوقاف بجمهورية مصر العربية

  • 8
  • 1
  • 7,412

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً