علاقتنا مع الشيعة والكيان الصهيوني في الميزان

منذ 2011-06-25

دعني أتفق معك تماما أيها القارىء الكريم أن الولايات المتحدة تريد دفع الصراع بيننا وبين إيران، بمعنى أنها تريدنا أن نخوض حربا بالوكالة لصالح أمريكا. و هذا أمر مرفوض تماما من الناحية الاستراتيجية في الوقت الحالي...

 

دعني أتفق معك تماما أيها القارىء الكريم أن الولايات المتحدة تريد دفع الصراع بيننا وبين إيران، بمعنى أنها تريدنا أن نخوض حربا بالوكالة لصالح أمريكا. و هذا أمر مرفوض تماما من الناحية الاستراتيجية في الوقت الحالي.

ثم دعني أتفق معك أيضا أن الأولوية في المرحلة الحالية هو التصدي للمشروع الصهيوني لعدة أسباب:
• الكيان الصهيوني دولة لقيطة والمواجهة معه أسهل بكثير جدا من إيران على عكس ما يتصور البعض. هو جسم غريب في المجتمع المحيط به. أي إنسان لديه ذرة عقل و إيمان يدرك أن الصراع حتمي و أن الكيان الصهيوني إلى زوال قريبا بإذن الله تعالى. على عكس إيران فهي دولة ذات حجم سكاني كبير و وتواجد تاريخي في المنطقة والدخول معها في صراع عسكري في القوت الحالي لن يفيد المشروع السني الذي نحلم به منذ زمن.
• يجب استغلال حجم التعاطف الإسلامي مع قضية فلسطين لإقامة مشروع إحياء إسلامي، بمعنى النظر للصراع الصهيوني على أنه فرصة لإحياء المشروع السني الذي كاد أن يختفي لولا الثورات الأخيرة التي بثت فيه روح الأمل.
• بل أزيدك من الشعر بيتا، إن اهتمام الأمة بقضية فلسطين ووضغها على أولى أولوياتها سيجعل لها مكانة في قلوب العقلاء من الشيعة. وتلك نقطة هامة جدا في مواجهة الخطر الشيعي.
• نرفض أبدا التعاون مع الصهاينة و الغرب ضد المسلمين وإن كان فيهم من البدع ما فيهم. هذه ستكون سبة تاريخية وقد تؤدي إلى خسارة الشارع السني لصالح إيران.
• و أخيرا الصهاينة يغزوننا أصلا، فسيناء تعتبر خارج المعادلة العسكرية المصرية (إن جاز التعبير)، ثم تم توسيع النطاق ليشمل سكان منطقة قناة السويس (عن طريق الكويز)، ووصلت أنباء عن إعداد اليهود كباري تدريبات لعبور القناة، كما أن لهم دور كبير في أزمة دارفور و قاموا بتوسيع نطاق نشاطهم ليصل للسيطرة على منابع النيل. إنهم بمنتهى الوضوح يغزوننا.

ولكن اسمح لي ببعض الاختلاف حول اعتقادك أن إيران حلفاء للسنة أو أنهم يمكن أن يكونوا كذلك في يوم من الأيام فإيران لها مشروعها الخاص بها شئنا أم أبينا، ولتأذن لي بعرض بعض أسباب الاختلاف الذي أدى أن تنتهج إيران هذا السبيل:
• الأولى دينية: الفارق هنا ليس مذهبيا كما يظن الكثيرون، ولكن الفارق أكبر بكثير. إنهم ببساطة يكفرون الصحابة الذين قاموا بنقل الدين وبالتالي يشككون في صحة القرآن والسنة. وهنا لا تتفق مصادر التلقي مما أدى إلى اختلاف عقائدي كبير جدا. والتشكيك في الصحابة بهذه العقلية هو تشكيك في حكمة الله سبحانه و تعالى الذي شاء أن يختارهم لنبيه صلى الله عليه وسلم وأن يتزوج ببناتهم و أن يدفنوا معه، و هو أيضا تشكيك في حكمة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قربهم إليه وجعلهم وزراءه وأمراءه، بل وتشكيك في علي رضي الله عنه نفسه الذي قام بتزويج ابنته من عمر رضي الله عنه، وقام بإطلاق أسماء أبوبكر وعمر و عثمان على أبنائه، وكذلك فعل الحسين من بعده.
• الثانية تربوية: البغض الشديد لأهل السنة الذي يربونهم عليه ويزرعونه بداخلهم، ولنا زملاء أتراك ذهبوا إلى إيران ورأوا العجب. وهم ليسوا ممن يصنفون "متشددين" مع التحفظ الشديد على هذا المصطلح.
• الثالثة تاريخية: هذا الاختلاف في التربية الدينية أدى إلى أن الشيعة كانوا دائما خنجرا يطعن الأمة في ظهرها. بداية من سقوط بغداد الأول على يد هولاكو مرورا بطعنهم في ظهر الخلافة العثمانية في وقت فتوحاتها في أوروبا مما أضطرها إلى التقهقر لمواجهة الخطر الشيعي، ونهاية بسقوط بغداد الثاني في يد أمريكا. إنها ليست وراثة الخطيئة، ولكنها ذات التربية و ذات الأفكار المشوشة التي تؤدي إلى نفس النتائج.
• الرابعة من تاريخ إيران الحديث: حيث أن السنة فعلا مضطهدون في إيران ويكفي أن تبحث على جوجل عن "أحمد مفتي زاده". إنه رجل الإخوان المسلمين في إيران الذي أعان ثورة الخوميني ظنا منه بأن في ذلك خير لسنة إيران فناله من التعذيب ما تشيب له الولدان بعد نجاح الثورة. إن أهل السنة في إيران محرومون من أبسط حقوقهم.
• الخامسة مما يحدث في سورية الآن: حيث نشاهد أبشع أنواع القتل و التعذيب على أيدي حكامه العلويين، و على يد رجال حزب الله الذي كان بعض "الشطار" يتغنون بمجدهم ولا يدرون ما يدبر لهم.

هنا تواجهنا نقطة التعامل مع إيران في المرحلة الحالية، لذلك أحب أن أبدأ بتمهيد يعقبه سرد لنقاط العمل:
• أولا: إذا راجعنا تاريخ الصراع البشري نجده في الغالب يبدأ عقائديا (أو فكريا) ثم يصبح اقتصاديا ثم يصبح عسكريا. قد يحدث بعض قفزات عند الضعف الشديد لإحدى الأمم على حساب الأخرى ولكن في الغالب يكون هذا هو الترتيب الطبيعي. و لذلك أرى أن مهمتنا في الوقت الحالي هي التركيز على الجانب العقائدي للصراع، والبدء في مشروع بناء الأمة التي بعثها الله من جديد بعد أن كادت تموت.
• ثانيا: المواجهة العسكرية غير مفيدة للسنة لضعفهم الشديد من ناحية ولضعف قياداتهم وعدم وجود استراتيجية واضحة، وعشوائية وجهل شديد يجعل المرء يبكي على الوضع الحالي. و نأمل أن تجلب الثورات الخير للأمة من خلال تجديد دمائها بقيادات حقيقية تحمل هم الأمة و تعمل من أجله.
• إيران حتى الآن لا تستطيع أن تقفز إلى مواجهة عسكرية شاملة و هي غير مرغوبة لها أيضا في الوقت الحالي لأنها تريد استمالة الشارع السني (الجزء العقائدي من الصراع). ولكن أظن أن ذلك قد يتغير قريبا بسبب التغيرات السريعة التي قد تحدث في المنطقة، لذلك يجب علينا أن نكون على أهبة الاستعداد.

إذن ما هي الوسائل الفعالة للمواجهة في الوقت الحالي:
• أولا: يجب التصدي للغزو العقائدي على مستوى الشارع المسلم بكل وسيلة ممكنة من خلال المحاضرات والبرامج المرئية و السمعية.
• ثانيا: يجب إيجاد وسيلة لضبط ميزان القوة، فالضعف الشديد سيجعل عدوك يتشجع للقفز للمرحلة التي تليها. هذا أمر واضح جدا لكل من له علم بمبادىء السياسة. وضبط ميزان القوى هي قريبة من النظرية الأمريكية في التعامل مع الصراعات لإبقاء كافة الأوراق في أيديهم. ولكن الفارق هنا أن الهدف هو ضبط ميزان القوى لتحييد الصراع في الوقت الحالي حتى نتفرغ للمواجهة مع المشروع الصهيوني. عندها تجب مراجعة هذا الميزان حسب التغير في الأهداف المرحلية.
• هذا الضبط يجب أن يكون عن طريق إيجاد مراكز تهدد إيران مثل
• فضح قضية اضطهاد السنة في إيران و المطالبة بحقوقهم. هذا واجب ديني فضلا عن أنه مفيد استراتيجيا.
• عزل إيران عن أذرعتها الطويلة في المنطقة:
• بذل الوسع لإنجاح الثورة السورية التي ستكون ضربة قاصمة للمشروع الشيعي، و سيكون التحول في القيادة بعد الثورة بإذن الله تهديدا حقيقيا للمشروع الصهيوني أيضا.
• مراجعة كيف تم تحول الحوثيون في اليمن من الزيدية إلى اثنى عشرية (في حين أن الزيدية كان كثيرا منهم يتحولون إلى السنة). هل كان السبب في ذلك إختراقا دعويا، أم أن السبب حالة الذلة التي كانت عليها أعلب دول السنة أم عوامل أخرى؟؟؟
• دعم السنة في العراق و البحرين فهم خط الدفاع الأول الذي سيؤدي سقوطه إلى خطر كبير على دول الخليج.
• هذا بالإضافة إلى مواجهة أي تعد بحزم و ذكاء شديد حتى لا يتطور الأمر.
• إعداد قنوات تلفزيونية باللغة الفارسية تخاطب الجمهور في إيران لمواجهة مد القنوات الشيعية.
• وجود حركة ترجمة قوية تترجم أدبيات أهل السنة للغة الفارسية و تجعلها متوفرة على الانترنت.

إذا حدث هذا الانضباط في ميزان القوى ساعتها يمكن أن نتعامل مع إيران في نقاط التقاء المصالح مع تحفظ شديد لأن لهم مشروعهم الخاص، وإن كنت شخصيا أشك في إمكانية هذا للأسباب السابق ذكرها.
و سأستعين بجملة للدكتور راغب السرجاني لمزيد من التوضيح "التقارب السياسي بين بعض الجماعات السياسية السنية والشيعية في بعض الأمور أمر وارد، ولكن مع الحذر الشديد من حدوث انهيار التقارب كما هو المعتاد في التاريخ لمثل هذه العَلاقات، كما ينبغي الحذر التام من أي تنازل عن مبدأ عقائدي أو شرعي في سبيل هذا التقارب، وليكن هذا التقارب مشروطًا بظروف خاصَّة، ومصالح مشتركة معينة، ولا يكون مطلقًا حتى لا يُحدِث بلبلة في الصف، واضطرابًا في الفهم."
و أخيرا: هذه الاستراتيجية يجب أن تراجع في إطار مشروع نهضوي للأمة على كافة المجالات يضع خططا مرحلية لتحول هذه الأمة من موقعها الحالي في ذيل القاطرة إلى مكانها الذي ينبغي لها أن تحتله في المقدمة لتخرج العالم من الظلمات إلى النور بإذن الله.


محمد نصر
23 - رجب - 1432 هـ
24 - يونيو - 2011 م
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 1
  • 3,562

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً