من روائع الحكم المقال الرابع عشر
أما قوله: " اللهُمَّ أَلْهِمْنى رُشْدِى " فمعناه : لأن الغواية كل الغواية عدم معرفة العبد إلهه الحق وطلب النفع والخير أو دفع الضر من مخلوق ضعيف ليس بيده شيء.
من عجائب أحوال المشركين
الحمد لله اللهم فزد
سبق وأن تكلمت في المقال السابق عظم حكمة كلمة لا إله إلا الله وأبين هنا عجائب المنحرفين عن طريق التوحيد كالتالي:-
1 – كان المشركون يتخذون آلهة مثل التمرة فإذا جاعوا أكلوها , واسأل نفسك وتأمل بل هو بديهي كيف يُتخذ إله يُعبد ثم يُأكل ؟!
2- كانت النصارى واليهود يزعمان أنهم أولى الناس بالحق كما قال تعالى { {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} } [ البقرة: 135 ]
ثم نسب كل واحد من كلا الفريقين عبداً من عباد الله أنه ابن الله, ثم لم يكفهم ذلك حتى ادَّعتا أنهم أبناء الله وأحباءه, وذلك لكون الباطل لا يكون مستقراً أبداً في مبدأٍ واحدٍ, فمادام الأمر مبني بالرأي فالرأي يتغير كما هو حال أهل الأهواء من المرجئة والخوارج والمعتزلة وغيرهم
3- كانت الصوفية ينسبون التقديس لمشائخهم ثم لم يكتفوا بذلك حتى ادَّعوا التقديس لكل شيء في هذا الوجود ة وأنه احتلت فيه الذات الإلهية كما يقولون تعالى الله عما يقولون علوا كبير وهو ما يعرف باعتقادهم بوحدة الوجود وهم الذين يقولون
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا ** وما الإله إلا راهب في الكنيسة
وهؤلاء الصوفية أكفر من اليهود والنصارى في الحقيقة حيث اعتقدوا الحلول لكل شيء واليهود والنصارى اعتقدوا الحلول لشخص واحد كما أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
4- وفي المقابل تجد أن بعض الجن كانوا حكماء حتى قبل إسلامهم حيث لم تفسد فطرهم السليمة وذلك عرفناه من قولهم { {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} } [ الجن: 4 ]
وهذا الوصف السيء الذي هو السفه هو الذي يليق بأن يوصف به كل مشركٍ أو صوفيٍّ أحمقٍ أو سياسيٍّ علماني ملحدٍ.
ومن الحكمة العظيمة لهؤلاء الجن – رحمهم الله - استعجالهم في الإيمان لأن الفاء تدل على التعقيب كما هو معروف , وكذلك فيه سرعة فهمهم مراد الرسالة وهو عدم الإشراك بالله أبدا وإخلاص الدين لله وحده كما قال تعالى { { يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} } [ الجن: 2 ]
وأيضا من حكم الجن حسن استماع القرآن والانصات له مع تعمُّقهم في تفهُّمه وتدبُّره وتفقّهه ثم سرعة قيامهم للدعوة إلى الله وإنذار عشيرتهم من مغبة عدم الإجابة إلى دعوة الحق كما جاء في قوله تعالى { {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} } الآيات, [الأحقاف: 29 ]
5 – حينما يعرض الناس عن الحق صفحاً والنور الذي أنزله الله فإنك تجدهم مثلاً يتخذ المشركون آلهة متعددة كثيرة ويُعدُّون لملمَّاتهم ونوائبهم للإله الحق لكونهم يعلمون من قرارة أنفسهم أن الله الخالق هو وحده القادر على كل شيء دون الآلهة الكثيرة الذي اتَّخذوها زوراً وظلماً وبهتاناً وغروراً, ولذلك يأتي اسم النور دائما وأبداً مفردا أما مقابل هذا النور فلا تكاد تجد في القرآن ظلمة بل إنما هي كلها ظلمات وهذا هو معنى مقصود لآلهة المتعددة أو الأباطيل المتعددة.
وفى المسند والترمذى من حديث حُصين بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " « يَا حُصَيْنُ، كَمْ تَعْبُدُ؟ قال: سَبْعَةٌ، سِتَّةٌ فى الأرْضِ وَوَاحِدٌ فى السَّماءِ، قالَ: فَمنِ الَّذِى تُعِدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟ قالَ: الَّذِى فى السَّماءِ. قالَ: أَسْلِمْ حَتَّى أُعَلّمَكَ كَلمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بهَا، فأَسْلَمَ. فَقَالَ: قُلِ: اللهُمَّ أَلْهِمْنى رُشْدِى، وَقِنِى شَرَّ نَفْسِى» ".
أنظر إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 74)
قلت : - الكاتب – أما قوله: " اللهُمَّ أَلْهِمْنى رُشْدِى " فمعناه : لأن الغواية كل الغواية عدم معرفة العبد إلهه الحق وطلب النفع والخير أو دفع الضر من مخلوق ضعيف ليس بيده شيء.
أما قوله: " وَقِنِى شَرَّ نَفْسِى " فمعناه : لأن نفس حصين انحرفت عن الفطرة التي فطرت على النفوس السوية والعجيب كيف تطيع النفس أو تطيق أن تطيع سبعة آلهة في آن واحد وكل إله يأمر بأوامر مختلفة عن أوامر الآلهة الأخرى , ومع ذلك كل إله يريد إرضاءه والنفس مضطربة مرة تجري إلى إله في الجهة الفلانية ومرة في جهة أخرى مختلفة ومرة ثالثة في الجهة العلوية فسبحان الله الذي أنقذنا مثل هذا الضلال.
وأقول : اعلم أن كل من اتبع هواه وانقاد لهاً انقياد الأعمى ورجى منها شيئا وخاف منها شيئا وأحب لأجلها وأحب من أحبها وأبغض لأجلها وأبغض من أبغضها وأعطى لأجلها ومنع لأجلها سواء كان ذلك المحبوب مالاً أو أشخاصاً أو قبيلةً أو جنسيةً أو وطناً أو غير ذلك ثم اتبعه مخالفاً لشرع الله ومولياً له ظهره غير محب ولا راغب فيه فقد أتخذ ذلك المحبوب والمتبوع إلهاً يعبد من دون الله. والدليل على ذلك كله قوله تعالى { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } والله أعلم.
الفقير إلى عفو ربه ورحمته
عبد الفتاح آدم المقشي