أمير عيون الجواء زمن التّأسيس
ولد الأمير عبدالله بن عسّاف خلال العقد السّادس من القرن الهجري الثّالث عشر(1250-1260=1834-1845م)، وأصبح أميرًا في حدود عام (1296=1878-1879م)
للقصيم مكانة بارزة في تاريخ المملكة العربيّة السّعوديّة؛ إذ تغيّر مجرى الأحداث بمساندتها للإمام فيصل بن تركي، وانعطف مسار التّاريخ بعد خلوصها للإمام عبدالعزيز وخلاصها من القوى المتنافسة الأخرى، ويعود ذلك لتظافر عوامل كثيرة تشمل الإنسان، والمكان، والتّاريخ، والاقتصاد، والإرث العلمي، حتى وصفت بأنّها لسان الميزان، فالهزيمة في المليدا كانت إيذانًا بنهاية الدّولة السّعوديّة الثّانية، والانتصار في روضة مهنّا حدث مفصلي في الدّولة السّعوديّة الثّالثة، ومن بين غبار معاركها صدع شاعر القصيم العوني مخاطبًا الإمام عبدالعزيز برائعته الحماسيّة الخالدة: منّي عليكم ياهل العوجا سلام!
ويحفظ المؤرخون وقوع ثمان معارك مهمّة بين حائل والقصيم؛ قُتل فيها من الجانبين ثلاثة آلاف وستمئة وثمانية رجال، وجرح ألفان وأربعمئة وثلاثة وعشرون رجلاً، ومن أشهرها المليدا والبكيريّة وروضة مهنّا، ومن البديهي أن تكون “عيون الجواء” من أكثر المواضع تأثّرًا بهذه الحروب؛ لوقوعها في مدخل القصيم من جهة الشّمال.
وبسبب موقع عيون الجواء الاستراتيجي؛ زارها عدد من الرّحالة الأجانب مثل هوبير، وبلجريف، وغورماني، وليتشمان الذي ترافق معه شقيق أميرها العم صالح المحمّد العسّاف، والتقط أقدم صورة معروفة للمنطقة، ومجمل ما كتبوه عن العيون وساكنيها يتمحور حول الثّناء على ذكاء أهلها، ونشاطهم، وشيوع السّعادة بينهم، واعتدالهم في التّدين والانفتاح، وشجاعتهم واعتدادهم بأنفسهم حتى أنّ بلدتهم لا تحاط بالأسوار خلافًا للمعتاد في نجد، مع أنّ تعدادهم حينذاك لا يتجاوز أربعة آلاف إنسان على أكثر التّقديرات.
عانت القصيم قبيل تأسيس الدّولة السّعودية الثّالثة من أمير حائل عبدالعزيز بن متعب الرّشيد، وحروبه، وضرائبه، وكان حاكم العيون حينذاك هو أميرها الأشهر عبدالله بن محمّد بن عسّاف بن عثمان العسّاف، الذي تولّى إمارتها خلفًا لوالده وأسلافه، إذ تعاقب على الإمارة قبله خمسة أمراء من أسرته، ثمّ آلت إليه بما وهبه الله من سمات قياديّة.
ولد الأمير عبدالله بن عسّاف خلال العقد السّادس من القرن الهجري الثّالث عشر(1250-1260=1834-1845م)، وأصبح أميرًا في حدود عام (1296=1878-1879م)، إلى أن تنازل عن الإمارة عام (1336=1917-1918م) تقريبًا بسبب وضعه الصّحي، وما لبث بعد ذلك أن انتقل إلى رحمة الله عقب حياة حافلة بالفضائل والمنجزات، ومضى إلى آخرته وله على كلّ لسان ذكر حسن، ومنحته قلوب جماعته المحبّة والتّوقير في وجدانهم، وبقيت مآثره حيّة تروى عبر الأجيال.
ولأنّ عيون الجواء منطقة وفيرة المياه، كثيرة النّخيل والزّروع، وذات موقع متميز، فضلًا عن انعدام الأسوار حولها، أصبحت هدفًا للطّامعين الذين وهموا فحسبوها غنيمة باردة، وما عرفوا أنّهم سيذوقون الشّدائد من تدبير قائد محنّك، ومواجهة محاربين شجعان، وبيئة عصيّة على التّطويع إلّا بإرادتها الحرّة، واختيارها المستقل.
لأجل ذلك زحف عبدالعزيز المتعب الرّشيد بجيش لجب، وتوقف عند فيضة ” أم عشْر” شمال شرق العيون التي كانت هدفًا له وللغزاة معه، وبعث لأعوانه في بريدة رسالة مع رجل من أهل الجواء، فذهب الرّجل بها للأمير عبدالله بن عسّاف لأنّه لن يوصل هذه الرّسالة دون الرّجوع إلى أميره، ثقة برأيه، وجفولًا من إعانة ابن رشيد على اجتياح القصيم.
فاصطحب ابن عسّاف الرّجل ورسالة ابن رشيد وذهب بهم إلى بريدة، لمقابلة الإمام عبدالعزيز، واطلاعه على مضمون الرّسالة، والنّهل من معين حكمته وبصيرته الاستشرافيّة، فأكرمهم الإمام، وسمع منهم، وتداول مع ابن عسّاف الآراء؛ فمن عادة الإمام مشاورة من يأنس منه القول الرّشيد، والرّأي السّديد، فأقترح ابن عسّاف أن يؤذن له بواحد من ثلاثة مقترحات.
أوّل هذه المقترحات أن يقفل ابن عسّاف لمقابلة ابن رشيد ومصالحته وتأمين العيون وأهلها ومزارعها، ثمّ يتواصل مع الإمام عبدالعزيز ليخبره بأنباء ابن رشيد وجيشه بعد أن عرفها عن قرب، وثانيها أن تشارك قوّة إضافيّة من المقاتلين بمؤازرة أهل الجواء للدّفاع عن منطقتهم، والثّالث الموافقة على رحيل ابن عسّاف وجماعته مع محارمهم عن العيون خوفًا على العرض والنّفس.
تحفّظ أمير بريدة صالح المهنّا أبا الخيل على مقترح السّماح لابن عسّاف بالعودة ومفاوضة ابن رشيد، ورأى إمداد العيون بخمسمئة رجل استعدادًا للحرب، ولم يكن هذا الخيار مفضّلًا عند ابن عسّاف الذي يعلم علم اليقين تبعات الحرب، ويرى أنّ تقديم السّياسة أولى من الابتداء بالقتال إلّا إن كانت المعركة ضرورة لا محيد عنها.
ولم يوافق الإمام على مذهب أمير بريدة، ورأى أنّ مقتضى الحال يكمن في إيكال الأمر لعبدالله بن عسّاف؛ فهو مضمون الولاء، موفور العقل، والأكثر معرفة بالمكان وأناسه، ومثله حكيم يُرسل بلا وصيّة. وقد أثبتت تطورات الأحداث، أنّ الحسم لصالح مقترح ابن عسّاف الأوّل هو عين الصّواب، ومعين الحصافة؛ إذ لا فائدة من التّهور بزج مئات الرّجال ومنطقة الجواء في أتون منازلة مفزعة، والدّبلوماسيّة فنٌّ متوارث في بيوت الحكم التّليد، وتلك منقبة تعز على الطّارف حديث العهد.
فرجع الأمير المخضرم من بريده وتوجّه تلقاء معسكر ابن رشيد مباشرة، وحين رآه ابن رشيد استعرض قوّة جيشه أمامه، ولم يفرح بقدوم ابن عسّاف، لأنّ مجيئه الجريء حرم جيش حائل من خيرات العيون التي أمست قاب قوسين أو أدنى من مرمى أسلحتهم، وكان موعدهم الصّبح الذي ينتظرونه للإغارة والظّفر بالمكاسب لولا فضل الله ثمّ حكمة أمير العيون، وقراءته البصيرة للمشهد؛ حتى قال ابن رشيد بلهجة حائليّة عذبة: حرمتنا يا ابن عسّاف من هالرّميمينة- تصغير الرّمّانة ويقصد بها العيون كناية عن خيراتها الكثيرة-.
وأمر ابن عسّاف خلال مسيره لابن رشيد معاونيه وعلى رأسهم رجال من أسرتي السّلطان والفليّح أن يحضروا سبعة أحمال من الملح والتّمر والعيش هديّة لمعسكر جيش ابن رشيد، واعتذر بأنّ هذا أقصى ما جادت به منتجات بلدته! وإمعانًا في استرضاء “الجنازة” وتطمينه قال له أمير العيون: لقد جئت إليك مباشرة من بريدة، ولم أدخل إلى بلدتي حتى الآن، وهذا من فطنة ابن عسّاف وكياسته كي يصرف ابن رشيد عن مهاجمة العيون، ويقنعه بالعدول عن الحرب.
فاستخبره ابن رشيد عمّا لدى ابن سعود من عدّة وعتاد، وكان سؤاله بحضور قادة جيش حائل وأكابر رجالها، فقال ابن عسّاف: لا شيء لدى جيش ابن سعود؛ فجيشكم أقوى منهم بمراحل! وغايته من هذا الجواب حماية نفسه من غضبة ابن رشيد لو أخبر بالحقيقة، وربّما تركن قوّات ابن رشيد إلى هذه المقارنة فتتراخى! وبعد العشاء خلا ابن رشيد مع ابن عسّاف في مجلس مختصر، وقال له أنبأني عن العلم الأكيد؟ فقال له ابن عسّاف: إنّ مع ابن سعود قوّة لا قِبل لك بها، ولا لجيشك عليها صبر ولا قدرة، فضلًا عن استعداد أهل القصيم كافة بالسّلاح الكثير لقتالكم، وهذا الجواب يرمي إلى تخويف ابن رشيد كي يعود أدراجه، وتسلم منه الدّيار وأهلها!
بيد أنّ أمير حائل قال لأمير العيون على سبيل الاستشارة: سأواجه هذا الجيش مباشرة من مكاني هذا، فضربة منّي على الرّأس كفيلة بموت الجسد كلّه! فقال له ابن عسّاف: إن كنت فاعلًا ولابدّ، فالمواجهة ستكون عاقبتها وخيمة عليك حتمًا، ولكن اذهب إليهم من طرق أخرى لم يحسبوا حسابها، فتستولي على بلدان مسالمة غير مقاومة، ويسهل وصول الإمدادات إليك مرورًا بغرب القصيم، وتفاجئ بريدة من زاوية حرجة لم يفطن لها أحد!
أعجب ابن رشيد بهذا الرّأي الذي يباغت خصمه، ولم يقلّبه في ذهنه كثيرًا، ونجح ابن عسّاف في تحقيق مراد الإمام عبدالعزيز ومراده بتجنيب الجواء قاطبة من عدوان جيش يستبيح أيّ شيء، وله مع المنطقة سوابق لا تُنسى، فقدوا من جرّاء أيّامها الدّامية أناسًا وأموالًا وأمنًا، وفي ذات الوقت ضمن أمير العيون أنّ طول الطّريق الجديد سينهك جيش ابن رشيد، ويجعله ضعيفًا، فحاز ابن عسّاف الحسنيين بالإعانة على تخليص الجواء وعموم القصيم من خصم تاريخي شرس، ومنح الفرصة لجيش الإمام حتى يكمل سيطرته على بريدة وقصر الحكم فيها، ويطرد فلول الموالين لآل رشيد.
ونال الأمير عبدالله بن عسّاف وثيقة تزكية وشهادة ثقة من الإمام عبدالعزيز له ولآله وأسرته وجماعته أهل العيون في وقت مبكر عام (1325= 1907م)، ولازالت صورة الوثيقة محفوظة متوارثة، وتمثّل أساسًا للعلاقة المتينة بين الأسرة الحاكمة وإحدى الأسر النّجديّة العريقة، التي شاركت وتشارك في ميادين كثيرة ضمن مسيرة المملكة العربيّة السّعوديّة في الماضي والحاضر والمستقبل بعون الله.
من مواقف ابن عسّاف التي تشير لبعد نظره، ودهائه السّياسي، أنّ حاكم حائل اشتكى للسّلطان العثماني خروج بعض بلدات القصيم عن طاعة السّلطان وتحالفها مع ابن سعود، فأوكل السّلطان لحاكم بغداد النّظر في الأمر، ولأنّه كأكثر ساسة الأتراك يجهلون جلّ شؤون الجزيرة العربيّة، استعان بالشّيخ فهد الهذّال شيخ قبيلة عنزة بالعراق، وطلب مرافقته إلى نجد عام (1905م=1322-1323) لاستطلاع الأمر، ويبدو أنّ اختيار ابن هذّال كان بإيعاز من ابن رشيد الذي يعرف النّسب القبلي للأسر الكبرى في القصيم.
ويروي مؤلف كتاب “سيرة آل هذّال: شيوخ قبيلة عنزة”، أنّ الشّيخ فهد أرسل لابن عشيرته أمير عيون الجواء عبدالله بن عسّاف يُخبره بقدومه مع الباشا، ويقترح عليه أن يوعز لخطيب العيون وإمام جامعها الشّيخ عبدالله بن سايح أن يدعو للسّلطان في خطبة الجمعة بحضور الباشا تفاديًا لغضبهما وتكذيباً لوشاية ابن رشيد، فاستحسن الأمير هذا الرّأي واستجازه للمصلحة العامّة، وطلب من الشّيخ ابن سايح صنع ذلك، ثمّ أكرم وفادة الباشا وابن هذّال، وحمى بلدته وأهلها من بطشة لا تبقي ولا تذر، وأبطل مصداقيّة ابن رشيد لدى سلطانه!
من القصص الشّهيرة التي تنبئ عن رباطة جأش الأمير، وحكمته، وامتيازه مع جماعته بالكتمان وحسن الإدارة، استضافته بقصره في ليلة واحدة ثلاثة مناديب يمثّلون ثلاثة جيوش متنازعة، دون أن يعرف أحد منهم عن الآخر شيئًا أو يشعر به، وأكل الفرقاء عشاءهم من قدر واحد وهم على أهبة الاستعداد لموقعة تاريخيّة فاصلة، انتصر فيها الإمام عبدالعزيز على ابن رشيد في روضة مهنّا عام (1324=1906م)، ودانت له بعدها القصيم وغالب قبائل نجد وديارها.
كما أنّ للأمير مع جماعته قصص طريفة، منها أنّ إمام الجامع سأل المصلّين عن الحكمة من خلق بني آدم، فبادر أحد الحضور مجيبًا: خلقني الله لأكدّ ثمّ أعطي أموالي لابن عساف! فاندهش الجميع من جوابه الذي صار طرفة تُروى؛ علمًا أنّ المال الذي يعطى للأمير كان من تكاليف الحماية أو مساندة الجيش وليس شيئًا غير ذلك.
وحين ذهب ابن عسّاف من بريدة لمقابلة ابن رشيد في “أم عشْر”، أرسل رجاله لتاجر يطلب منه حمل بعير من التّمر؛ حتى يبعثه لابن رشيد فتسلم العيون من ظلمه وعسفه، فرفض التّاجر، ولما سأله الأمير عن سبب امتناعه مع أنّ المصلحة مشتركة أجاب: التّمر موجود لكن المشكِل الزّبلان! فقال الأمير لرجاله على البديهة: اعطوه زبلان! وبالتّالي قطع عليه حجّته، والزّبيل كما هو معروف وعاء يُصنع من الخوص ويجمع به التّمر، وذهب قوله: “المشكِل الزّبلان” مثلًا يتداول.
وخطب شاب من إحدى أسر العيون الوجيهة ابنة الأمير فلم توافق، وفي أثناء ذلك علم ابن عسّاف أنّ رجلًا من وجهاء إحدى البلاد أوفد للعيون من يخطب هذه الفتاة لنجله، ولم يكن ابن عسّاف يرغب في ذلك خشية على ابنته من الابتعاد عن بيئتها وأهلها، فما كان منه إلّا أن دعى الخاطب الأوّل، بعد موافقة ابنته ورضاها، وعقد لهما قاضي العيون الشّيخ عبدالرّحمن الرّاجح بعد صلاة الفجر مباشرة، وحين وصل الموفد كانت المخطوبة محصنة في عصمة زوج.
واستضاف بعض أقاربه رجلًا من البادية، وأكرموه غاية الإكرام، بيد أنّه غدر بهم وسرق أموالهم، فلحقوا به لاسترداد أموالهم، لكنّ الرّجل هرب بعد أن قتل أحدهم، فاستطاع الأمير أن يعرف مسكن القاتل في جنوب الرّس، ثمّ استدرجه بكمين متقن، وقبض عليه وحوكم شرعًا، ونفّذ فيه القصاص علانية على يد أشقاء القتيل الصّغار بمساعدة من يد الأمير التي حملت السّيف وضربت به عنق القاتل الغادر، وصدق من سمّاه “أشقر الرّيش” لأنّه مثل الصّقر الحرّ يسمو ولا يرضى بمنقصة أو ضيم، وثمت قصائد محفوظة ورد فيها لقبه المعروف “أشقر الرّيش”.
تزوّج الأمير عددًا من النّساء، ورزق منهنّ بخمسة أبناء وأربع بنات، ومن أنجاله علي الذي يعدّ أوّل مهاجر معروف من نجد إلى الأمريكيتين، ومن أحفاده جملة من الرّجال الميامين منهم معالي د. إبراهيم بن عبدالعزيز العبدالله العسّاف وزير الدّولة وعضو مجلس الوزراء، الذي شغل منصب وزير المال في السّعوديّة لمدّة غير مسبوقة، وهو كما وصفه معالي الشّيخ محمّد النّاصر العبودي قبل أيّام: رجل دولة، وأحد أفذاذ الرّجال المشهود لهم من أهل العقل والعلم، وفي أيّام نشر هذه المقالة صدر أمر ملكي بتعيين معاليه وزيرًا للخارجيّة.
ومن طرائف زيجات الأمير أنّه في إحدى المرات لم يكن لديه مبلغ مناسب يعطيه لمرافقِة العروس الرّبعيّة-هي امرأة كبيرة خبيرة تؤانس العروس حين دخول زوجها عليها، وكانت عادة نجديّة اختفت لاحقًا ففتيات العصر الحاضر لا يحتجن لأنيس-، فأشار بأصبعه نحو يدها، وحين خرجت قيل لها: كم أعطاك الأمير؟ فأجابت: أعطاني شيئًا لم يعطني أحد مثله من قبل! وبعد فترة بحث عنها الأمير ووهبها مبلغًا أزيد من المعتاد.
وبعد أن خدم الأمير بلدته، وأهلها، والدّولة السّعوديّة أربعين عامًا، أدركه الجهد، وبلغ منه التّعب مبلغًا يجعل أعباء الإمارة صعبة عليه، فتنازل عنها لابن عمّه عثمان بن محمّد العسّاف؛ لأنّه الأقدر على النّهوض بشؤون الإمارة وأمانتها وتكاليفها، ثمّ تعاقب على العيون أمراء كرام، إلى أن عاد منصب المحافظ بعد مئة عام ونيّف إلى سعادة الّلواء المتقاعد محمّد بن عثمان العسّاف نجل حفيد هذا الأمير.
هذا طرف من سيرة شامخة، تجمع الشّجاعة مع الحكمة، وتحشد الكرم مع الحلم، وتُظهر وعي التّاريخ مع معرفة الجغرافيا، وتبرز إتقان فنون السّياسة مع فهم ضرورات الاقتصاد، فنجم عنها رؤية واضحة، ومصداقيّة متينة، ومواقف ثبات، وولاء عميق، وروابط مستمرة، وهي تعزّز مكانة بلادنا التي كانت ولازالت منبعًا للمكارم، ومصنعًا للرّجال، يسير الّلاحق منهم على خطى السّابق وإن اختلفت الأدوات، وتفاوتت الأحوال، لأنّ الغاية واحدة، والمصلحة المنشودة لا مجال للتّفاوض حولها.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
- التصنيف: