خواطر حول معركة الرأي العام في أوروبا الغربية وأمريكا

منذ 2011-07-04

هناك في الغرب مخاوف في الوقت الحالي من التصادم مع التنين الصيني وهو سيحدث في غالب الأمر، والكيان الصهيوني لا يضيع وقته فهو يعلم أن موازين القوى قد تتغير قريبًا جدًا...



تكلمنا في مقالنا السابق "دراسة لطبيعة العلاقة بين الغرب والكيان الصهيوني" عن أسباب الارتباط بين الغرب والكيان الصهيوني، وانتهينا فيه إلى أن الموقف العام للدول الاستعمارية سيظلُ داعمًا للكيان الصهيوني، ولكن قد يوجد بين الجماهير من يضغط على الحكومات لتقليل الدعم للكيان الصهيوني، أو رفع جزء من الظلم من باب التعاطف الإنساني، وقلنا أن الحكومات في الغرب ترضخ أمام ضغوط الرأي العام طالما أن هذا لم يصل لمرحلة تهديد أهدافها الإستراتيجية.


وسنبدأ من هذه النقطة بإعطاء أمثلة لتأثير الضغط الشعبي ودوره في تحقيق بعض الأهداف في مقاومة المشروع الصهيوني.

• لقد أصبح معلومًا لدى الجميع أنه قد تم إبلاغ الكيان الصهيوني صبيحة يوم العاشر من رمضان/السادس من أكتوبر بهجومٍ متوقع من مصر وسورية، فكيف تعامل الكيان الصهيوني معه، تقول جولدا مائير في مذكراتها، أنها كانت أمام خيارين إما القيام بضربة جوية إجهاضية، أو امتصاص الضربة الأولى واستدعاء الاحتياطي من أجل المعركة، ثم تذكر أنها رفضت الضربة الجوية حتى لا تبدو إسرائيل في صورة المعتدي، خاصة وأنهم لا يريدون خسارة الرأي العام الأوروبي لأن هذا قد يؤدي إلى وقف أشكال الدعم المقدمة من الشعوب الأوروبية، فكان قرارها بامتصاص الضربة الأولى لمصر وسورية، وكان ذلك من توفيق الله لهذه الأمة حتى تخرج من كبوتها بعض الشيء، وبرأيي هناك سببًا آخر لم تذكره جولدا مائير وهو الكبر والغرور اليهودي، الذي سيكون أحد أهم العوامل التي سنستفيد منها فيما بعد -بإذن الله تعالى-.

• المثال الثاني كان قريبا جدًا، حيث كان أحد أسباب توقف العدوان على غزة وعدم إطالته هو الصورة السيئة التي أصبحت أمام الرأي العام العالمي، وأيضًا كان ذلك من توفيق الله -سبحانه وتعالى-، فللهِ الحمد والمنة.

• المثال الثالث: نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مؤخرًا تقريرًا مفصلاً عن تراجع مبيعات الشركات الإسرائيلية في الأسواق الأوروبية بنسبة تزيد عن 21%، وأكدت أن حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أوروبا بدأت تؤتي ثمارها، وأصبحت تؤثر بجدية في الاقتصاد الإسرائيلي. (من مقال للدكتور محمد سعد أبو العزم).

• جل من سمعتهم وتكلمت معهم من الغرب يخبروني أن الضجة الإعلامية المثارة حول قضايا المسلمين كانت سببا في بحثهم عن الإسلام والقراءة عنه ومن ثم اعتناق هذا الدين، بل وقد أسلم بعض المشاركين في قوافل الإغاثة إلى غزة، فلا يُفوت عاقلٌ أبدًا فرصة لهداية البشر إلى طريق الاستسلام لرب العالمين.


كما أنه في سياق مواجهتنا للمشروع الصهيوني أعتقد أن وجود رأي عام قوي يضمن -بإذن الله- رفعًا للحصار عن غزة، كما أنه يحجم من المساعدات المباشرة وغير المباشرة إلى الكيان الصهيوني، ولذلك فلابد لنا من التعامل مع هذا الملف بجدية مثله كل ملفات الصراع مع الكيان الصهيوني.

وعليه فلابد لنا من اتخاذ الوسائل المشروعة لخلخلة التحالف بين الغرب والكيان الصهيوني وكسب عقول وقلوب المنصفين بدون أي تنازلات شرعية لأن النصر من عند الله فلا تجوز طلب طاعته بمعصيته، وفيما يلي ندلو بأطروحة لخلخلة ذلك التحالف بين العدو الصهيوني والغرب وسنتناول فيها ذات المحاور التي كانت من أسباب الارتباط بينهما:


المعالجة المقترحة:

• أولاً عقائديًا: هنا ليس هناك مجالاً لأنصاف الحلول فالمسألة إيمان وكفر، وهنا يبرز دور الدعوة إلى الله في الغرب التي مازالت إلى اليوم فردية وليس لها برنامج منتظم، وأنا أعجب فعلاً أن تكون هناك مساحة من الحرية متاحة ولا يستثمرها المسلمون لإنقاذ العباد من النار، إن أمة تحمل هذه الرسالة ولا تبلغها لهي أمة وصلت إلى حالة من الانحطاط شديد وركون إلى الدنيا بغيض، لن أتكلم هنا عن فائدة هذا الملف لفلسطين رغم وضوحه، لأن هذا الجانب الدعوي واجب علينا سواء قام اليهود باحتلال فلسطين أم لم يحتلوها، ولذلك سأعرض بعض المقترحات الدعوية:

أبدأ بالغاية وأتبعها بالوسائل، فالنية مفتاح العمل: الغالب الأعم من المسلمين في الغرب لا يهتمون بالدعوة، ولا يحملون هم الإسلام بل هم ممن يحمل الإسلام همهم، حتى عندما يقيمون المؤتمرات والمحاضرات هم يقيمون محاضرات تهدف إلى الدفاع عن حقوقهم الدنيوية، بغير فهم وتقدير لدورهم الحقيقي في الحياة، لذلك قبل أن نطرح الوسائل الدعوية في النقاط التالية نرجو من الجميع تصحيح نيته، إن الهدف الحقيقي من هذه الوسائل ليس الحصول على مكاسب دنيوية، بل نحن نريد الله والدار الآخرة ودعوة الدنيا كلها إلى دين الحق، وهكذا كان دائمًا التوجيه الرباني للأنبياء وقولهم لقومهم، ومن تلك الأمثلة قول نبي الله هود عليه السلام لقومه: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [سورة هود:51 ]


ثم إلى الوسائل: يقول د.زغلول النجار -حفظه الله- أنه كان يقيم مؤتمرات دعوية في إحدى دول الخليج بغير أن يخبروهم أنها دعوية ويقولون إنها فرصة لعرض حضارة المنطقة فأسلم ما يقارب العشرين ألفًا!!! وما من أحد يشهر إسلامه حتى يتساءل أين كان المسلمون، وكيف غفلوا عنا هذه السنين الطوال؟؟ نريد مؤتمرًا نصف سنوي على الأقل في كل مدينة أوروبية.

يقيم أخ مصري في مدينة ألمانيا ويعمل بها لظروف خاصة به، يستغل هذا الرجل الكريم -كما نحسبه- يوم السبت من كل أسبوع في إقامة معرض إسلامي صغير في ميدان عام، ويوزع فيه الكتيبات المجانية، يدخل على يديه في الإسلام الكثير ولله الحمد، وللعلم هذا الأخ حصل على تصريح من السلطات الألمانية، نريد شيئًا كهذا في كل مدينة أوروبية، علمت بعد ذلك أن هذا المشروع متواجد بقوة في ألمانيا ويحمل اسم "المنضدة الدعوية"، وذلك من بركة العمل الجماعي.

بعض الإخوة يجمعون تبرعات للمشاركة في معرض كتاب في إحدى الدول، ويريدون تخصيص جناح للعرض الإسلامي، نريد المشاركة في كل معرض كتاب في جميع أنحاء العالم حتى في داخل الكيان الصهيوني.

تقام المناظرات بشكل عشوائي في أنحاء العالم، وإن كنت لا أراها الباب الأكبر للدخول في الإسلام، ولكن من المهم عقد مناظرة كبرى في كل مدينة أوروبية بشكل سنوي على الأقل.


يمثل المسلمون في الوقت الحالي ما يقارب 10% من التعداد في أوروبا، ولو تم تنظيم الدعوة هناك ليكونوا واجهة طيبة لها، لتضاعف عدد الداخلين في الإسلام، ولكن يا حسرة على العباد فالواجهة على أسوأ ما يكون، نريد داعية عالم بدينه وذو ذكاء وفطنة ينقل الإسلام لهؤلاء الحيارى، فأين مصعب بن عمير هذا العصر؟

الحفاظ على اللغة العربية هو حفاظ على الهوية الإسلامية، لذلك لابد من دعم مراكز تعليم اللغة العربية حتى لا تضيع بين أبناء المغتربين.

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة يجتمع بالمسلمين في دار الأرقم ليربي الرعيل الأول من المسلمين الذي سيحمل الدعوة بعد ذلك، وكانوا يتدارسون القرآن الكريم، فهل هناك في الغرب من ينظم لهم دروس القرآن والاجتماع حوله وتدارسه وتدبره، وأقول والله لم أجد في حياتي منهج للتربية أفضل من تدبر القرآن الكريم (أقول تدبر وليس فقط قراءة أو حفظ مع أهميتهما)، وطالما لم تبدأ التربية بتدبر القرآن الكريم فسنظل ندور في دائرة مفرغة يكون الخروج منها فقط بالقدر الذي نعطيه للقرآن في التربية.

أين القنوات التلفزيونية باللغات الأوروبية المختلفة بل وحتى العبرية، لعرض الإسلام على القوم.

بعض الإخوة قاموا مؤخرًا بإعداد كتيبات دعوية عن الإسلام وتوزيعها في جوهانسبرج في كأس العالم 2010. نريد خريطة زمنية لكل تلك التجمعات الكبرى وإعدادا مبكرًا لحملات دعوية تهدف للتعريف بالإسلام.

جل من سمعتهم وتكلمت معهم من الغرب يخبروني أن الضجة الإعلامية المثارة حول المسلمين كانت سببًا في بحثهم عن الإسلام والقراءة عنه ومن ثم اعتناق هذا الدين، والسؤال هنا لماذا لا نستغل الضجة التي تثار إعلاميا بعد قضايا مثل فيلم فتنة الهولندي أو مقتل مروة الشربيني -رحمها الله- أو الجدل حول النقاب في إقامة مؤتمرات للتعريف بالإسلام وتوزيع كتيبات دعوية، أنا لا أدعو هنا إلى القبول بهذه الأمور، ولكن أين الجانب الدعوي؟


يا ويحك يا أمتي، أبعد كل هذا يقول أغلب المسلمون أنهم يعانون الفراغ والملل!!!

وأخيرًا أختم بالمطلوب، كفانا ارتجالاً وعشوائية، والدعوة الفردية وإن كانت مطلوبة من كل مسلم، لكن لابد من مؤسسة تشرف على سير الدعوة، ويحاول معالجة جوانب النقص والقصور في مختلف النواحي، وأضرب مثلاً بتجربة مازالت قائمة، أنشأ د.عبد الرحمن السميط -حفظه الله- بمجهودٍ فردي لجنة مسلمي أفريقيا، ففتح الله على يديه، ودخل الناس في المناطق التي عمل فيها في دين الله أفواجًا، فهل هناك من يتولى الشأن الأوروبي؟

• ثانيًا وجدانيًا: هنا يجب العمل على كشف حقيقة الكيان الصهيوني أمام المجتمع الغربي من خلال عدة وسائل:

من أكثر ما يمكن أن يصدم الرأي العام في أمريكا قيام الكيان الصهيوني بالهجوم المباشر على مصالح أمريكية في واقعتين موثقتين:

*فضيحة لافون: تم التخطيط لعملية مخابراتية حيث يقوم مجموعة من الشباب الإسرائيلي المدرب بتخريب بعض المنشآت الأمريكية الموجودة في مصر بهدف زعزعة الأمن المصري وتوتير الأوضاع بين مصر والولايات المتحدة، تم كشف الخطة بعد عدة عمليات فيما عرف بفضيحة لافون في إشارة إلى بنحاس لاڤون وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، هذه الواقعة تمت في خمسينيات القرن الماضي.

*قصة السفينة ليبرتي: هاجمت الطائرات الإسرائيلية عمدا سفينة أمريكية قرب ميناء العريش وقتلت وأصابت أغلب طاقمها، كان ذلك في حرب يونيو 1967 لتحقيق بعض أهدافهم الإستراتيجية، تذرعت إسرائيل بأن القصف تم عن طريق الخطأ وقبلت السلطات الأمريكية العذر وتكتمت عن الواقعة رغم وضوح الكذب، ومن أراد معلومات أكثر يمكنه مراجعة الرابط:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/C74B9DAB-6C41-41FC-A05C-4B75C322A554.htm



يجب علينا إعادة كشف هذه العمليات وطرحها للرأي العام في الغرب، فمثلاً يمكن استضافة الجنود المصابين، أو أبناء الجنود القتلى، أو غير ذلك من الوسائل الدعائية المعروفة، الوقت الحالي مناسب جدًا لهذا الطرح لأن هناك امتعاضًا جماهيريًا عالميًا من الكيان الصهيوني.

استغلال لحظة التعاطف العالمي مع فلسطين في الوقت الراهن لعرض قضية الظلم الواقع عليهم من خلال أفلام تسجيلية قصيرة الفترة وذات محتوى قوي وبدون أية مخالفات شرعية.

إقامة معارض ومؤتمرات لنصرة فلسطين في مختلف دول العالم يتم فيها دعوة الإعلاميين والساسة ورجال الشارع للحضور، يجب هنا أن يكون لعرض بسيط وواع وبدون مخالفات شرعية.


إقامة موقع على الانترنت يتم تجميع فيه أغلب المواد التي تتناول الظلم الواقع على فلسطين وأهلها.

محاولة وضع العالم الغربي أمام الصورة الحقيقية للهولوكست وكيف تم استغلالهم وابتزازهم من جانب اليهود لسنين طوال، تصلح إسبانيا كنقطة للبداية كما وضحنا.

تشكيل هيئة شرعية تتابع سير هذا المحور وتدعم النقص في كل جوانبه، العمل المؤسسي أمر لابد منه.


• ثالثًا مصالح مشتركة: كما أوضحنا من قبل ستظل القوى الاستعمارية لا تهادن في دعمها للكيان الصهيوني، ولكن هذا الدعم يمكن أن يصبح أقل إذا أمكننا زرع شعور بعدم الثقة من خلال بعض الوسائل المشروعة:


التفكير في طريقة نقنع الطرفين (أو أحدهما) بخطورة أحدهما على الآخر، وهذه وإن كانت صعبة إلا أنها ممكنة فقد هدى الله الصحابي نعيم بن مسعود -رضي الله- عنه لطريقة كسر بها حلف اليهود مع المشركين في غزوة الأحزاب، هنا لدي بعض المقترحات لإثارة بعض الشكوك حول أعمال مشبوهة يقوم بها اليهود في بلدانهم الأصلية:

* الكيان الصهيوني متكبر ولا يفكر إلا في مصلحته، ولا يلتفت إلى أحد حتى أقرب من ساندوه، يمكننا كشف الحقائق إعلاميًا عن وقائع التجسس الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي التي يقوم بها في الغرب، فمثلاً تم تصنيف الكيان الصهيوني من قبل CIA كواحدة من ضمن ستة بلدان أجنبية تبذل جهودًا سرية تديرها وتنسقها الحكومة للحصول على أسرار الولايات المتحدة الاقتصادية، وهناك تقارير مماثلة أو شبيهة في كل من ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا.

* بالإضافة إلى ذلك، هناك عمليات تجسس عسكري وسرقة معدات عسكرية من بلاد مثل فرنسا والولايات المتحدة رغم التعاون الكبير من جانبهما، ولولا ضيق المساحة لكتبت الكثير، من أراد معلومات أكثر فيمكنه الرجوع إلى كتاب "جواسيس جدعون"، إذا تم التضخيم الإعلامي لهذا الأمر فيمكن وضع الحكومات تحت ضغط شعبي إلى حد ما.

* هناك في الغرب مخاوف في الوقت الحالي من التصادم مع التنين الصيني وهو سيحدث في غالب الأمر، والكيان الصهيوني لا يضيع وقته فهو يعلم أن موازين القوى قد تتغير قريبًا جدًا، فقد أقامت الدولة اللقيطة علاقات عسكرية مع الصين لبيع معدات تكنولوجية حديثة، وبالطبع هذه المعدات العسكرية في الغالب تستعمل لاستكشاف أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا الأمريكية، إذا تم فضح هذه العلاقات وتضخيم خطورتها من حيث كشف أحدث التكنولوجيا الأمريكية أمام العدو المنتظر، لأمكن إلى حد ما خلخلة العلاقة.


استغلال الموارد الإستراتيجية لبلداننا في الضغط على الغرب، تماما كما تم استعمال سلاح البترول بعد حرب رمضان، ولكن ليس هذا في إمكان الشعوب فهذا خارج نطاق بحثنا حاليًا.

يمكن شعبيا إعادة تفعيل دور المقاطعة الاقتصادية، ولكن لنكن أكثر تركيزًا في أهدافنا حتى لا تتشتت مجهوداتنا.

أي وسيلة مشروعة أخرى أو اقتراحًا لخلخلة العلاقة فمرحبًا بها.

أيضًا لابد من تشكيل هيئة تشرف على هذا المحور وتضع خطة وأهدافا مرحلية.

عذرًا للإطالة ولكن كان لابد من تناول هذا الجانب "العلاقة بين الكيان الصهيوني والغرب" بشكلٍ واف، وإلى اللقاء في البحث الجديد إن شاء الله.


محمد نصر

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 2,440

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً