أحبك وأخشاك (2-2)

منذ 2019-03-24

عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلَ على شابٍ وهو في الموتِ، فقال: "كيف تجدُك؟" قال: والله يا رسولَ الله، إني أرجو الله، وإني أخافُ ذنوبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يجتمعان في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطنِ إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنَه مما يخافُ"

ويُروَى أنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه  قال: "لو نادى منادٍ من السماءِ: أيها الناس! إنكم داخلون الجنةَ كلُّكم أجمعون إلا رجلًا واحدًا، لخفتُ أن أكونَ هو، ولو نادى منادٍ: أيها الناسُ، إنكم داخلون النارَ إلا رجلًا واحدًا، لرجوتُ أن أكونَ هو" ([1]).

ويُروَى أن عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنهقال لبعض بنيه: "يابنيَّ! خفِ الله خوفًا ترى أنك لو أتيتَه بحسناتِ أهلِ الأرضِ لم يتقبَّلْها منك، وارجُ الله رجاء ترى معه أنك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك ([2]).

ويُروَى أن معاذ بن جبل رضي الله عنه لما حضرَه الموت قال: انظروا، أصبحنا؟ قال: فقيل: لم نصبِح، حتى أُتِيَ فقيل له: قد أصبحتَ، قال:"أعوذُ بالله من ليلة صباحُها إلى النارِ، مرحبا بالموتِ، زائرٌ مغب حبيبٌ جاء على فاقةٍ، اللهم إنك تعلم أني كنتُ أخافُك، فأنا اليومَ أرجوكَ.." ([3]).

ويروى أن لقمان رحمه الله قال لابنه: "يا بني خفِ الله خوفًا يحولُ بينك وبين الرجاءِ، وارجُه رجاءً يحولُ بينك وبين الخوفِ. قال: فقال: أي أبه، إنما لي قلبٌ واحدٌ، إذا ألزمتُه الخوفَ شغلَه عن الرجاءِ، وإذا ألزمتُه الرجاء شغلَه عن الخوفِ. قال: أي بني إن المؤمنَ له قلبٌ كقلبين يرجو الله عزَّ وجلَّ بأحدهما، ويخافُه بالآخرِ ([4]).

قال الشافعي رحمه الله في مرض موته:

فلما قسَا قلبي وضاقتْ مذاهبي     جعلتُ الرجَا مني لعفوك سُلَّما

تعاظَمني ذنبي فلما قرنتُه       بعفوِك ربي كان عفوُك أعظمَا

الخوفُ والرجاء للسائر إلى الله كالجناحان للطائرِ، لا يستطيع السيرَ بأحدِهما دون الآخرِ، وفقدُ أحدهما يعني فقدَ الآخر.ِ والقلبُ في سيرِه على الله تعالى - كما يقول ابن القيم - بمنزلةِ الطائر؛ فالمحبةُ رأسُه، والخوفُ والرجاءُ جناحاه، فمتى سلِم الرأسُ والجناحان كان الطيرُ جيدًا، ومتى قُطِعَ الرأسُ ماتَ الطائرُ، ومتى فُقِدَ الجناحان أو أحدُهما كان عُرضَةً لكل صائدٍ وكاسرٍ.

إن الخوفَ والرجاءَ للسائرِ إلى الله تعالى كالخبز والماء للجائعِ والعطشانِ، فإذا اجتمعَ الجوعُ والعطشُ وخُيِّرَ الإنسان بين بين الخبزِ والماءِ فإن غلَب عليه الجوعُ فالخبزُ أفضلُ، وإن غلبَ عليه العطشُ فالماءُ أفضلُ، وإن استويا فهما متساويا.

وعن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخلَ على شابٍ وهو في الموتِ، فقال: "كيف تجدُك؟" قال: والله يا رسولَ الله، إني أرجو الله، وإني أخافُ ذنوبي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يجتمعان في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطنِ إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنَه مما يخافُ" ([5]).

 

 

([1]) أخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 53)، وسنده إلى عمر ضعيف.

([2]) ذكره الماوردي في "الأمثال والحكم" (ص 198)، ولم أقف له على سندٍ.

([3]) أخرجه أحمد في "الزهد" (1011)، وسنده إلى معاذ ضعيف.

([4]) أخرجه ابن أبي الدنيا في "حسن الظن بالله" (133)، بسند حسن إلى داود بن شابور، قال لقمان.

([5]) معل بالإرسال، وحسنه بعض العلماء: أخرجه الترمذي (983)، وابن ماجة (4261). قلت: أعله البخاري وأبو حاتم والدارقطني بالإرسال. وانظر: "العلل الكبير" (244)، وعلل ابن أبي حاتم (1806)، وعلل الدارقطني (12/ 27).

أبو حاتم سعيد القاضي

طالب علم وباحث ماجستير في الشريعة الإسلامية دار العلوم - جامعة القاهرة

  • 3
  • 1
  • 8,258

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً