وداعا يا رمضان يا شهر البركات
أي والله، بئس العبد عبد خرج من هذا السوق العظيم صفر اليدين، قد أمضى ليله ونهاره غارقا في شهواته وملذاته، بعيدا عن طاعة ربه، قد غرته الدنيا وخدعته، فحُرم هذا الخير العظيم.
ها هو شهر رمضان قد أفلت شمسه للغروب، أيام ويودعنا وداعا لعله يكون الوداع الأخير، وربما نلقاه في عام قادم إن كتب الله لنا ذلك.
زائر ما طالت زيارتُه، بل كانت أياما معدودات، ما شعرنا بها إلا وقد مرت كأنها لحظات، فيا ترى كيف مرت عليك هذه الأيام؟
١- خاب وخسر:
يوما ما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فردد: آمين، آمين، آمين، فسأله أصحابه، فأخبرهم أن جبريل عليه السلام قال له: يا محمد! خاب وخسر، وأبعده الله، ودخل النار، من أدرك رمضان ثم انسلخ ولم يغفر له، قل: آمين، قال: فقلت: آمين.
أي والله، بئس العبد عبد خرج من هذا السوق العظيم صفر اليدين، قد أمضى ليله ونهاره غارقا في شهواته وملذاته، بعيدا عن طاعة ربه، قد غرته الدنيا وخدعته، فحُرم هذا الخير العظيم.
لقد منحنا الله سبحانه فرصا كثيرة لمغفرة الذنوب في هذا الشهر المبارك، فـ " «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» " ، و " «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» " ، و " «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» ".
فنسأل الله الكريم سبحانه أن يكتب له في هذه الشهر مغفرة لذنوبنا، وعتقا من النار لرقابنا.
٢- هل غيرك رمضان؟
لقد فرض الله علينا صيام رمضان، وجاءت الأخبار عن رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم تحث عن قيام لياليه، وما كان هذا إلا لغاية عظيمة وهي: إصلاح قلبك.
فهل غير رمضانُ قلبَك؟
هل تبت من ذنب لك سنوات تبارز الله به؟
هل زادت طاعاتك، وقلت سيئاتك؟
إن التاجر الماهر لا يقبل أن يظل ربحه كما هو، بل يحرص كل الحرص على زيادة أرباحه كل سنة عن التي قبلها، فهل نحن هكذا في تجارتنا مع الله، أم أننا نرضى من الطاعات بالنذر اليسير؟
إن من علامات الخير وأسباب السعادة أن تخرج من رمضان وقد ثبَّت عملا صالحا لم تكن ثابتا عليه من قبل، فحافظت مثلا على قيام الليل ولو بركعتين، وصلاة الوتر، وصلاة الفجر في وقتها، ووردٍ من القرآن تقرؤه كل يوم.
إن الله سبحانه لم يأمرنا بالصيام إلا لنحدث تغييرا في قلوبنا وحياتنا، وعبد كان حظه من الصيام الامتناع عن الطعام والشراب عبد لم يفقه الغاية من الصيام، ولم يهتدي بهدى الله، وفي الحديث الصحيح: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش".
٣- ولا تبطلوا أعمالكم:
لقد بدأت أعمالا صالحة في هذا الشهر المبارك، فلا يليق بك أن تبطل هذا العمل الذي بدأته، بل استمر في طريق الطاعة الذي بدأته ولا تنقطع. { {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} {} } [النحل: ٩٢].
إذا كانت بدايتك مع قيام الليل في هذا الشهر المبارك، فلا تنقطع عن قيام الليل بعده، ولو بركعتين.
إذا بدأت تحافظ على صلاة الفجر في وقتها فلا تنقطع، بل استمر.
إذا عدت إلى رحاب القرآن في هذا الشهر فلا تنقلب، بل اجعل لك وردا من كتاب الله لا تتركه أبدا، ولو صفحة واحدة.
إن حالنا كحال هذا الرجل الذي بدأ تجارة، فبحث عن دكان جيد فوجده بعد جهد وتعب، ثم بدأ البحث عن مكان يشتري منه البضاعة بأقل سعر، ثم افتتح دكانه، وبدأ الناس يقبلون عليه، وبدأت الأرباح تأتي، وإذا به يأخذ هذا القرار العجيب بإغلاق الدكان. فسالته: لماذا تغلق دكانك، وقد بدأت الأرباح تزيد يوما بعد يوم؟
فأجابك: لقد مللت وسأمت وضجرت.
فقلت له: فمن أين تعيش؟
فقال: { {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} } [الذاريات: ٢٢].
هل ترى هذا رجلا عاقلا؟
إننا نفعل هذا، نبدأ في رمضان نقبل على الطاعات، ونجتهد في فعل الخيرات، ونتعود على قيام الليل، ونحافظ على الصلوات الخمس، ونواظب على ورد نقرأه من كتاب الله، ثم بعد رمضان نترك كل هذا، وكأنك يا زيد ما غزيت.
٤- اثبت يرحمك الله:
إن عملا قليلا تداوم عليه خير من كثير تنقطع عنه، فليكن لك نصيب من الثبات على عبادة الله سبحانه، فـ "أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل" ، و "أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يداوم عليه صاحبه". ولقد " كان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملا أثبتوه".
فالله الله في الثبات، فاثبت يرحمك الله على عبادتك، ولا تنقطع عنها، فمن عاش على شيء مات عليه، والعبرة بالثبات.
فثبت لك وردا من القرآن، ووردا من قيام الليل، ووردا من الاستغفار والذكر، والقليل الذي تثبت عليه تُعظِّمُه الأيام، وادع في سجودك: يا مقلب القلوب ثبت على قلبي على دينك.
- التصنيف: