مدارس تحفيظ القرآن
وبالنظر إلى واقع مخرجات مدارس التحفيظ وأثرها على الأفراد والمجتمع نجد أنها خرجت عدداً كبيراً من العلماء والمسؤولين والمفكرين والمثقفين والأطباء والمهندسين وغيرهم من صفوة المجتمع
{بسم الله الرحمن الرحيم }
كتب/د. عبدالله بن معيوف الجعيد
لا شك في أن كتاب الله تعالى فضله عظيم، وخيره عميم، ونهجه قويم، وقد أدرك سلفنا الصالح فضله ومكانته في الدنيا والآخرة، فعكفوا عليه تلاوة وحفظًا ومدارسة وتعلما، وتعليما وإقراءً وتفسيرًا وتبيينًا، وبذلوا في ذلك أقصى جهدهم، فسعدوا في الدنيا والآخرة، واستفادت الأمة من بعدهم بجهودهم التي أخرجوها من الصدور ودونوها في السطور. وعبر تاريخ الأمة الإسلامية توجد صفحات ناصعة من جهود السابقين في مجال تحفيظ القرآن وتعليمه للناشئة في جميع أعمارهم، حيث زخرت الأمصار الإسلامية بالكتاتيب ومراكز تحفيظ القرآن في المساجد وغيرها، وتعددت مناهج المحفظين وأساليبهم، وتربى على أيديهم أجيال من العمالقة من العلماء. وفي العصر الحاضر سعى المخلصون في البلاد المختلفة سعيًا حثيثا لخدمة كتاب الله عز وجل، فأنشأوا الكراسي المتخصصة في القرآن وعلومه، ونشروا مدارس تحفيظ القرآن الكريم ومراكزه في شتى ربوع الأقطار الإسلامية، لينهل من معينها الأطفال من الذكور والإناث، ونشأت طرق عديدة لتحفيظ القرآن الكريم، وتعد المملكة العربية السعودية رائدة في هذا المجال حيث نزل القرآن الكريم على أرضها في ربوع مكة المكرمة والمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
ويعتبر تدريس القرآن الكريم وتحفيظه عنصر أساسي من عناصر تدريس العلوم الشرعية وأبرز مقوماتها، ومما لا شك فيه أن دراسة الناشئ للقرآن الكريم تنجم عنها آثار إيجابية تعينه في حياته العلمية، فضلا عما يناله من الأجر الجزيل والثواب العظيم، وما تتغذى به روحه من الإيمان، وقد أكد ابن خلدون (ت 808هـ، ط 1419هـ) هذا الأمر في مقدمته بقوله: "والقرآن هو أول العلوم التي يتعلمها الصبي لأن تعليم الولدان للقرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارها لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان، وصار القرآن أصل التعليم الذي يبنى عليه ما يحصل من بعد من الملكات، وسبب ذلك أن تعليم الصغر أشد رسوخا وهو أصل لما بعده".
ولأن القرآن الكريم هو مصدر عز المسلمين وقوتهم، فقد دأب أعداء الإسلام منذ القدم على الهجوم عليه، وحسد اليهود المسلمين عليه في عهد النبي عليه السلام، فعملوا على التشكيك في كونه من عند الله، وجحده المشركون فقالو: (افتراه) – والعياذ بالله-، وضل الزنادقة من الفلاسفة والعلمانيين، فقالوا ما قالو من أباطيل ذهب زبدها، وبقي القرآن شامخاً عزيزاً محفوظاً بحفظ الله سبحانه وتعالى، يهدف إلى الخير ويبشر المؤمنين الذي يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً. وامتداداً لتلك الحملات المغرضة ضد القرآن الكريم، تعالت في الآونة الأخير أصوات منكرة، تتهم جمعيات التحفيظ ومدارسه في بلادنا بتكريس التطرف والغلو والإرهاب، في استغلال موتور للأحداث السياسية على الساحتين الإقليمية والدولية، وما وقع في البلاد من أعمال تخريبية اقترفتها أيدي فئة ضالة جهلت تعاليم الإسلام ومبادئه. وعلى الرغم من أن هذه الاهتمامات الموجهة ضد جمعيات ومدارس التحفيظ لا تستند إلى دليل واضح فإنها للأسف وجدت بعض أبناء المجتمعات الإسلامية يسيرون في فلكها ويرددون مزاعمها نفسها بغية تنفير الناس من الإسلام من خلال إشاعة أن القرآن الكريم يدعو إلى العنف، والتشكيك في خيرية مناشط مدارس تحفيظ القرآن الكريم بهدف عرقلة تمويلها ودعمها، إضافة إلى الإساءة للإسلام من خلال الإساءة إلى القرآن وحفظته ومعلميه، والحيلولة دون إقبال الشباب على حفظ القرآن الكريم من خلال تخويف الآباء والأمهات من دفع الأبناء لمدارس التحفيظ.
وبالنظر إلى واقع مخرجات مدارس التحفيظ وأثرها على الأفراد والمجتمع نجد أنها خرجت عدداً كبيراً من العلماء والمسؤولين والمفكرين والمثقفين والأطباء والمهندسين وغيرهم من صفوة المجتمع، وأن القائمين على هذه الجمعيات والمدارس هم من الكفاءات التعليمية والتربوية المعروفة بالصلاح والتقوى الاعتدال وليس بينهم واحد متهم بالغلو والتطرف، إضافة إلى أن مناهج التعليم والتدريس بهذه المدارس تخضع للإشراف والمتابعة من قبل الجهات الحكومية المختصة، كما أن عدد كبيراً من خريجي جمعيات ومدارس التحفيظ هم من العاملين في مجال الدعوة وفق تعاليم الشريعة ومنهج السلف الصالح، خاصة وأن أغلبية حفظة القرآن الكريم من خريجي هذه المدارس يعدوا من النماذج المشرفة في سلكهم وأخلاقهم وتعاملهم مع الآخرين.
- التصنيف:
- المصدر: