مواعظ من بستان الواعظين(1-3)
مواعظ من بستان الواعظين ورياض السامعين لابن الجوزي
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين..أما بعد: فهذه بعض الفصول منتخبة من كتاب "بستان الواعظين ورياض السامعين: للإمام ابن الجوزي, أسأل الله أن ينفع بها, ويبارك فيها
الاستعاذة بالله من الشيطان:
* اعلم أن المستعيذ بالله العظيم, من الشيطان الرجيم, معتصم بحبل الله المتين.
* اعلم يا أخي أن العبد إذا اعتصم بحبل السلطان المخلوق سلم من شر الظالمين, فأحرى أن يسلم المستعيذ برب العالمين من الشيطان العدو اللعين.
* عباد الله تفكروا في إخراج أبيكم آدم من الجنة دار الآمان, وهبوطه إلى دار الذل والهوان, وكان سبب ذلك المعلون الشيطان, وقد نهاكم مولاكم عن طاعته, وأمركم بمعصيته, فإن في طاعته سخط الرحمن, ومعصيته توجب سكنى الجنان, ونزول محل الرضوان.
* اعلموا عباد الله أن التعوذ بالله من الشيطان الرجيم هو من أفضل العبادات, لأن الله تعالى قد أمر عبده المؤمن أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم في محكم القرآن الكريم, الله الله لا تقروا عين عدوكم الشيطان, فإنه يؤديكم إلى عذاب النيران, ويصدكم عن دار الخلد وسكنى الجنان.
* قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268] وإنما يأمركم الشيطان بالفحشاء ليحرق غيره كما أحرق نفسه.
ذكر القيامة وأهوالها:
قال الله عز وجل: {إذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا } [الزلزلة:1] هذه السورة محكمة بالوعد والوعيد, يخوف الله تبارك وتعالى بها عباده, ويذكرهم فيها تزلزل الأرض وقيام الساعة, لينتهوا من نهاهم عنه من العصيان, ويمتثلوا ما أمرهم به من الطاعة والإيمان, وخوفهم الله تبارك وتعالى من يوم القيامة ليستعدوا لها ولعظيم أهوالها.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا هبت الريح تغير لونه, وكان يخرج ويدخل من شدة خوف قيام الساعة وزلزلة الأرض, فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف هذا الخوف كله وهو أكرم الخلق على الله فكيف بمن أفنى عمره في السهو والغفلات وقطع أيامه باللهو...وضيع أوقاته في العصيان حتى مات
إذا اشتد بالخلائق الهلع, وكثر منهم الخوف والجزع, وبلغت القلوب الحناجر, من خوف من يعلم الظواهر والسرائر, نادى الملك الرحمن: {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } [الزخرف:68] فإذا سمعت الخلائق هذا النداء طمع كل منهم فيه, فيقول سبحانه: { الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:69] فعند ذلك ييأس من الرحمن جميع الكفار والمنافقين, ويطمع فيها من آمن بالواحد القهار, واتبع سنة محمد المختار, فعند ذلك تنشر الدواوين, وتوضع الموازين...فندم الظالم, وخسر الآثم, وظهرت في الصحائف الفضائح, وكثر الخجل واشتد الوجل.
مجلس في قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}
يا أخي...يا من تعرض لسخط الملك الديان, من أقرَّ عين عدوه الشيطان, بتماديه على الخذلان, والضلال والبهتان, والأوزار والطغيان,..إنك آخذ كتباً, ووارد حساباً, ونازل ثواباً أو عذاباً, فقدم في دار الغرور, ما تجده في الكتاب المنشور, من الثواب والحبور, والفرح والسرور, والضياء والنور, من رحمة العزيز الغفور.
ذكر الميزان والصراط:
قال الله سبحانه وتعالى: {وَنَضَعُ المَوازينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئًا} [الأنبياء:47] عباد الله ما لقلوبكم لا تخشع ؟وما لآذانكم لا تسمع ؟ وما لعيونكم لا تدمع ؟ فالله الله يا إخواني أقبلوا النصيحة, قبل يوم الخجل والفضيحة...فمثل لنفسك وقد جئت إلى الصراط, وقد رأيت العاملين وقد جازوا وأنوارهم تسعى بين أيديهم وبأيمانهم, ورأيت الباطلين في ظلمات البطالات وغمرات الجهالات.
* اعلموا عباد الله أن الميزان إذا نصب للعبد فهو من أعظم الأهوال يوم القيامة لأن العبد إذا نظر إلى الميزان انخلع فؤاده وكثرت خطوبه وعظمت كروبه فلا تهدأ روعة العبد حتى يرى أيثقل ميزانه أم يخف, فإن ثقل ميزانه فقد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً وإن خف ميزانه فقد خسر خسراناً مبيناً ولقي من العذاب أمراً عظيماً
عباد الله تفكروا في هول الصراط الرقيق الدقيق, وأشفقوا من الهول العظيم الشديد, وأطيعوا الجبار الولي الحميد.
مجلس في قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا}
يا أهل الذنوب تدبروا هذه الآية, فإن فيها بلاغة لمن تذكر, وزجراً لمن اعتبر, وتخويفاً لمن تدبر, ونهباً لمن تفكر, فالفكرة عبادة, وخير وزيادة, لأن مولاكم الكريم قد خوفكم وهددكم وزجركم بها زجراً شديداً, فقال: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران:30] ثم قال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَاد} [ [آل عمران:30] أي يحذركم عقابه وعذابه إذا عصيتموه, ويجزل لكم ثوابه إذا أطعتموه, فلا يحقرن أحدكم من الذنب شيئاً وإن صغر, فربما كان فيه شدة العذاب والعقاب ولا يحقرن حسنة يعملها وإن قلت فربما كان فيها الرضا من الملك الوهاب
مجلس في قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}
يا أخي...يا من تعرض لسخط الملك الديان, من أقرَّ عين عدوه الشيطان, بتماديه على الخذلان, والضلال والبهتان, والأوزار والطغيان,..إنك آخذ كتباً, ووارد حساباً, ونازل ثواباً أو عذاباً, فقدم في دار الغرور, ما تجده في الكتاب المنشور, من الثواب والحبور, والفرح والسرور, والضياء والنور, من رحمة العزيز الغفور.
* قال عز وجل: {اقرَأ كِتابَكَ كَفى بِنَفسِكَ اليَومَ عَلَيكَ حَسيبًا } [الإسراء:14] ما أعدل الملك الوهاب, إذا جعل الإنسان حسيب نفسه في قراءة الكتاب...إن أخذت الكتاب بالشمال فحسبك العذاب والنكال, والمحن والأهوال, والسلاسل والأغلال, والحميم والخبال, وإن أخذت الكتاب باليمين, فحسبك المقام الأمين في أعلى عليين مع الولدان والحور العين, والاتصال برب العالمين, وبمحمد خاتم النبيين
مجلس في قوله تعالى: {وَوُضِعَ الكِتابُ فَتَرَى المُجرِمينَ مُشفِقينَ مِمّا فيهِ }
يا أهل الذنوب مثلي, يا أهل العيوب مثلي, يا من لا يعصى ولا يتوب, يا من الغيّ والمحال له صحوب,..اعلموا عصمنا وإياكم إن للعباد غداً صحائف يقرؤون فيها الحسنات والقبائح, فمن كتب له حافظاه: خيراً في الدار الفانية, فهو خير له في الدار الباقية, ومن كان خائفاً في الدنيا من العذاب, متحفظاً مما يثبت عليه في الكتاب, متجنباً لمعصية رب الأرباب, وفقه مولاه للحق والصواب, ويسَّر عليه برحمته الحساب, ومحيت أوزاره من الكتاب, ورضي عنه الملك الوهاب.
عباد الله عند وضع الكتاب عجائب, وأحزان ومصائب, وكروب ونوائب, فواحد يوضع له الكتاب فيبكي, وآخر يوضع له الكتاب فيفرح ويبكي, وآخر يوضع له الكتاب فتجرى على وجه نضرة النعيم, وآخر يوضع له الكتاب فتعلو وجه ظلمةُ الجحيم..اللهم وفقنا للطاعة وأمتنا على السنة والجماعة ونجا من أهوال يوم الساعة
- التصنيف: