بنيتي رسائل محبة وشفقة - الرسالة الخامسة: التشبه بالرجال انحراف عن الفطرة
هذه النتائج السيئة لما يُسمَّى "مساواة المرأة بالرجل"، جعلت العاقِلات من نسائهم يَرجِعْنَ عن هذه الدعوة، ويُعْلِنَّ أن الرجل خَدَعَ المرأةَ بهذه الدعوة
الرسالة الخامسة
التشبه بالرجال انحراف عن الفطرة، وطلب المساواة معهم تأبَاه الشريعة والحكمة.
بُنيَّتي، الله سبحانه وتعالى حَكَمٌ عَدْل، فما فضَّل الله به بعض الناس على بعض، سواء بسبب الذكورة، أو بسبب الغِنى، أو العلم، أو الصحة أو المال، أو غير ذلك، فهو من فضل الله، وعلى العبد أن يرضى بما كتب الله له، ولا يتمنَّى ما فضَّلَ الله به غيره عليه؛ لأن الفَضْل بيد الله يُؤتِيه من يشاء، فلا تتمَنَّى المرأة أن تكون رجلًا؛ قال الله عز وجل: ﴿ {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } ﴾ [النساء: 32]، ذكر بعض أهل العلم: أن الآية نزلَتْ بسبب قول بعض النساء لما أنزل الله تعالى: ﴿ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ﴾ [النساء: 11]، فقال بعضُهُنَّ: يا ليتني كنتُ ذكرًا؛ حتى يكون لي مثل الذكر ولا أنقُص عنه.
بُنيَّتي، لقد خلَق الله سبحانه وتعالى الرجل رجلًا، والمرأة امرأةً، لكل واحد منهما خصائصه الجسديَّة والنفسية والعقلية، وجعل بينهما فوارِقَ طبيعيةً لا يُمكِنُ إنكارُها؛ ولذا فإن محاولة أيِّ واحدٍ منهما التشبُّه بالآخر، تَمَرُّدٌ على خَلْق الله عز وجل، ورفْضٌ لحِكْمةِ أحْكَمِ الحاكمين التي اقْتَضَتْ أن يكون في المجتمع الإنساني ذكورٌ وإناثٌ، يقوم كل واحد منهما بأعمال لا يستطيع الآخر القيامَ بها.
والتشبُّه انحرافٌ عن الفطرة، ودليلٌ على عقلية فاسدة، وهو أمرٌ مستقبَح يأبَاهُ الشَّرْع، وتَنفُر منه النفوسُ السويَّةُ، والعقول السليمة، فالعاقلة من النساء ولو كانت غير مسلمة تريد أن تظَلَّ امرأةً لها أنوثتها؛ لأنها تعلم أن التشبُّه بالرجال يقضي على أنوثتها، وراحتها النفسية، وطُمَأْنينة قَلْبِها.
بُنيَّتي، قد جاءت النصوص بالتحذير مِن تشبُّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، ورتَّبَتْ على ذلك عقوباتٍ عظيمةً.
منها: أنها ملعونةٌ في كتاب الله وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعَن المتشبِّهات من النساء بالرجال والمتشبِّهين بالنساء من الرجال، وعن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنهما، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «لعَن الله الرَّجُلَةَ من النساء» ))، واللَّعْن هو الطَّرْد من رحمة الله؛ قال أهل العلم: الحِكْمة في لَعْن مَن تشبَّه، إخراجُهُ الشيءَ عن الصفةِ التي وضَعَها عليه أحْكَمُ الحكماء.
ومنها: عدم دخول الجنة فعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( {ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاقُّ لوالديه، والدَّيُّوثُ، ورَجُلَةُ النساء} )) وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدًا: الدَّيُّوثُ، والرَّجُلة من النساء، ومُدمِنُ الخَمْر» ))، قال أهل العلم: لا يدخلون الجنة؛ أي: مع السابقين الأوَّلين، أو مِن غير سَبْقِ عذابٍ.
ومنها: عدم نظر الله جلَّ جلالُه إليها يوم القيامة نظرَ رحمةٍ، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «ثلاثة لا ينظُر الله إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، والمرأةُ المترجِّلةُ المتشبِّه بالرِّجال، والدَّيُّوثُ» )).
ومنها تبرُّؤ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «ليس مِنَّا مَن تشبَّه بالرِّجال من النساء، ولا مَنْ تشبَّه بالنِّساء من الرِّجال» ))، قال أهل العلم: قوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا)) يدلُّ على البراءة ممَّن فعل هذا، وأنَّه من الكبائر.
بُنيَّتي، اللباس من أكثر الأشياء التي تتشبَّه فيها المرأة بالرجل، فعن ابن أبي مُليكة رضي الله عنه، قال: قيل لعائشة رضي الله عنها: إن امرأةً تلبَس النَّعْل، فقالت: " «لعَن رسول الله عليه الصلاة والسلام الرَّجُلة من النساء» ".
قال أهل العلم: الرَّجُلة: بمعنى المترجِّلة، وهي المرأة التي تتشبَّه بالرِّجال في زيِّهم وهيْآتِهم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «لعَن الله الرجلَ يلبَس لِبْسةَ المرأة، والمرأةَ تلبَسُ لِبْسةَ الرجل» )).
فاحذري أن تتشبَّهي بالرجال في لباسهم، والبنطال من أكثر الأشياء التي تتشبَّه فيها النساء بالرجال، وهو مُحرَّمٌ كما ذكر أهل العلم؛ لأنه يُجسِّد مفاتن المرأة، ولأن فيه تشبُّه بلِباس الرجال.
بُنيَّتي، إن محاولةَ بعض النساءِ التشبُّهَ بالرجال في بعض الصفات والحركات، وما أشبه ذلك - محاولةٌ فاشلةٌ، وستجعلها مَسْخًا؛ لا هي أنثى ولا هي ذكر؛ ولذا سُمِّيَت من تتشبَّه بالرجال بـ"الجنس الثالث"؛ لأنها قضَتْ على حيائها اللائق بشَرَفِها ومُروءتها وإنسانيَّتها، ومن ثَمَّ فقدت أنوثتَها فلم تَعُدْ امرأةً، فعافَها الرجال، وانصرفوا عنها، فصارت جنْسًا ثالثًا، جنسًا ليس فيه صفات الذكورة الحقَّة، ولا الأنوثة الحقَّة، جنسًا عارًا على مجتمعه وعبئًا ثقيلًا، لا يجلب أي نَفْعٍ، بل لا نَفْعَ فيه ولا فائدة، وهُنَّ لا يَشْعُرْنَ بسعادةٍ؛ لأنهن خالفْنَ فطرة الله عز وجل، وقد أُصِيبَ الكثيرُ مُنهُنَّ بحالة من الكآبة.
بُنيَّتي، تشبُّه المرأة بالرجل البوابة الأولى التي يُزيِّنُها الشيطان لبعض النساء، ليَصِلَ من خلالها إلى طَلَبِهنَّ المساواة مع الرجل في كل شيء، وهذه الدعوة تأبَاها الشريعة
والحِكْمة، فالمرأةُ ليسَتْ كالرَّجُل، لا في الطبيعة، ولا في الأخلاق، ولا في المعاملة، ولا في الأحكام في بعض الأحيان.
بُنيَّتي، شريعة الإسلام التي تنتسبين إليها، لم يأتِ في نصوصِها من آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، ما يأمُر بالمساواة أبدًا، بل جاءت النصوص بنفي المساواة؛ يقول الله جلَّ جلاله: { هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50]، وإنما جاءت النصوص بالعَدْل؛ يقول الله عز وجل: ﴿ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} ﴾ [النحل: 90]، وقال عليه الصلاة والسلام: (( «اتَّقُوا الله واعدِلُوا بين أولادكم» ))، فالشريعة تأمُر بالعَدْل وليس المساواة، والعَدْل إعطاء كلِّ ذي حَقٍّ ما يستَحِقُّه، وتنزيل كلِّ ذي منزلةٍ منزلتَه، هذا هو الموافق للمعقول والمنقول.
بُنيَّتي، المساواة لا تكون بين الأمور المختلفة، فهذا خلاف المعقُول والمنقُول؛ يقول الله جل جلاله: ﴿ { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} ﴾ [آل عمران: 36]، فالذكَر ليس كالأنثى، قال أهل العلم: إذا انتفَتْ مساواةُ الذكر للأنثى انتفَتْ مساواةُ الأنثى للذكر؛ لأن التساوي يكون بين شيئَينِ، فإذا انتفت المساواة في أحدهما لزِمَ أن تكون منتفيةً في الآخر، فلا مساواة بين الذكر والأنثى، بل لكل واحدٍ منهما ميزاتُه وخصائصُه، وعلى هذا يا بُنيَّة، فإن مطالبة بعض النساء بالمساواة مع الرجل، مطالبةٌ مخالِفةٌ للفِطْرة والشريعة، فلا يمكن أن نسوِّي بين صِنْفَينِ فرَّقَ الله بينهما خَلْقًا وشَرْعًا، فالخَلْقُ الأمر فيه واضحٌ، فالرجل يختلف اختلافًا كثيرًا عن المرأة في القوة البدنيَّة والعقلية والفكرية، وأما شرْعًا، فهناك أحكام يُطالَب بها الرجلُ ولا تُطالَبُ بها
المرأةُ، وأحكام تُطالَب بها المرأةُ، ولا يُطالَب بها الرجل، وقد ذكر بعض أهل العلم أن الفروق بينهما في الأحكام الشرعية تزيد على المائتين، وهذا الاختلاف يدلُّ على أن طَلَبَ المساواة شيء تأبَاه الفِطْرة والخِلْقة والحِكْمة والعقل، فهي فكرة لا تقبلها العقول السليمة ولا الفِطَر السويَّة.
بُنيَّتي، إن فكرة المساواة دعوةٌ قد يكون في ظاهرِها الرحمة في اعتقاد بعض النساء اللائي لم يعرفْنَ خفاياها، لكن الحقيقة أن في باطنها العذاب، فأنتِ إذا تأمَّلْتِ هذه الدعوة وجدْتِ أنها دعوة لا يمكن أن تستقيم بها الحياة الزوجية؛ فالزوج يريد أن تكون له القِوامة على زوجته؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } ﴾ [النساء: 34]، والزوج يريد أن يسكن إلى زوجته؛ قال جل جلاله: ﴿ { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا } ﴾ [الروم: 21]، وهذا لن يتمَّ إذا كانت العلاقة قائمةً بينهما على المساواة والنِّدِّية، والتضادِّ والتصادُم، وبالتالي فلن يكون هناك المودَّة والرحمة اللتان هما أساس الحياة الزوجية، فالمودَّة والرحمة تكون مع التكامُل والتعاوُن، وقيام كل طرف بما يجب عليه من مهامَّ حسب الصفات والمميِّزات التي خصَّها الله سبحانه وتعالى به، تقول زعيمة "حركة كل نساء العالم": هناك بعض النساء حطَّمْنَ حياتهن الزوجية عن طريق إصرارِهِنَّ على المساواة بالرجل.
يجب على المرأة أن تعيش في بيت الزوجية، وأن تنسى كل أفكارها حول المساواة، ثم تتحدث عن نفسها، فتذكُر أنها كثيرًا ما تسبَّبَتْ في إزعاج زوجِها بسعيها المتواصِل من أجل المساواة، ولكنَّها اكتشفَتْ بعد ذلك أن هذا السَّعْي كان السبب الرئيس وراء كل خلافاتِها مع زوجها.
بُنيَّتي، إن مساواة المرأة بالرجل في الحقيقة إفسادٌ للأسرة، فالأبُ له دورٌ في الأسرة، والأُمُّ لها كذلك دورها، فإذا تساوَيَا فمَنْ يقوم بمهامِّ الآخَر؟! وأهمُّ شيءٍ في تلك المهامِّ الحنان والشفقة والعَطْف الذي تتميَّز به الأُمُّ عن الأب، فمن سيمنَح الأطفال الصِّغار العَطْفَ والحنان؟! فضَرَرُ المساواة يتعدَّى إلى الأولاد من ذكور وإناث.
بُنيَّتي، قد تسألين وتقولين: من أين جاءت هذه الدعوة الغريبة؟ فالجواب أنها جاءت من أقوام كانت المرأة تُعاني عندهم من إهمالٍ لها وتَميُّزٍ في المعاملة، وعدم إعطاءٍ لحقوقها، من أجل ذلك قامت المرأة تُطالِب بمساواتها مع الرجل، فاستغلَّ ذئابُ البَشَر وشياطينُ الإنْس مُطالبةَ المرأة بذلك، فكانت الاتِّفاقيَّات والمؤتمرات التي نصَّت على المساواة التامَّة بين الرجل والمرأة في جميع ميادين ومجالات الحياة المختلفة فظاهر الأمر أن المرأة كسبتْ ولكنها في الواقع هي الخاسرة؛ لأنهم لَمَّا جعلوها مساويةً للرجل في كل شيء ولم يُراعوا فِطْرتَها وطبيعتها وتكوينها كلَّفُوها ما لا تطيق من باب تكريمها وإعطائها حقوقها، هكذا زعموا, والنتيجة أنْ ذاقَتِ المرأة وَيْلات هذه المساواة فهذه المساواة جعلتْها تستغْني عن الرجل، فأدَّى هذا إلى تعدِّي الرجال عليها لأنها خسِرت الرجل الذي كان يَحميها زوجًا كان أو أخًا أو أبًا
وهذه المساواة جعلتها تترك بيتها وعشَّها الآمِن؛ لتبحث عن عملٍ، فالرجل الذي طلَبت المساواة معه لم يعد يُنفِق عليها، فخرَجت لتعمَل؛ ممَّا أدَّى إلى استغلالها؛ إذ صارت تَقْبَل أن تعمَلَ أيَّ عَمَلٍ تجدُه مهما كان ضئيلَ المردود، ومهما كان مُجْهِدًا مُنْهِكًا لجَسَدِها، وأهمُّ من هذا كلِّه ما يُصاحبُه من تنازُلات في شَرَفِها وعِرْضِها، فهذه المساواة بُنيَّتي جعلَت المرأة تخسَر الأمانَ والعطفَ والراحةَ والاستقرارَ، بل فقدت السعادة كلَّها.
هذه النتائج السيئة لما يُسمَّى "مساواة المرأة بالرجل"، جعلت العاقِلات من نسائهم يَرجِعْنَ عن هذه الدعوة، ويُعْلِنَّ أن الرجل خَدَعَ المرأةَ بهذه الدعوة، فامتصَّها زهرةً وتخلَّى عنها بعد أن ذَبَلَتْ، وأصبَحْنَ يُنادين بأنَّ المرأة تختلف عن الرجل، وأنَّ لها صفاتٍ وخصائصَ تميِّزُها عن الرجل، فالحمد لله يا بُنيَّة على نِعْمة الإسلام، وعلى تكريم الإسلام للمرأة، فتمسَّكِي بتعاليمه تسْعَدِي.
- التصنيف: