أجمل أيام الدنيا
عِظَم هذه الأيام؟! فهي أعظَم حتى من الجهاد، ومن فضائلها أيضًا الذكر؛ روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيَّامٍ أعظم عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهن مِن هذه الأيام العشر؛ فأكْثِرُوا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد».
انتهى موسمُ الطاعات والبركات، رحل رمضانُ عنَّا، مِنَّا من اجتهد وفاز، وثبَتَ بعده، ومِنَّا من تكاسَلَ، وغفَل فيه عن عِظَمِ الأجر والثواب فخسِر!!
ولكن لم ينتهِ عطاءُ الله لعباده؛ فمن رحمة الله بنا تذكيرُ عباده كُلَّما تغافلوا أو انتكسوا وتكاسلوا.
فها هي أيام التذكير لمن كان بعيدًا وغافلًا فينتبه، ولمن ثَبَتَ فيزداد قُرْبًا وعُلُوًّا في ملء ميزان حسناته، ها هي عشر أقبلَتْ تحمِل معها أعْظَمَ الأجر والثواب لمن اغتنمها.
فما من أيام أحبُّ إلى الله تعالى منها، إنها أيام الله، أفضل أيام الدنيا، عليكم إخوتي في الله بالاستعداد التامِّ لها.
ماذا ستفعل لتفوز؟ هل ستترك هذه الغنيمة، وتظل هكذا؟!
أدِرْ بوصلة قلبِكَ، وأقْبِلْ، وجاهد النفس؛ فلا تتركها تتغلَّب عليكَ، إنها عشر أيامٍ فيها تحدٍّ للنَّفْس المتتبِّعة لشهوات الدنيا؛ لكي تقهر الشيطان، نعم أنت ستكون في معركة مع الشيطان ونفسك، ففي رمضان صُفِّدَت لك الشياطين، وكنت تُجاهِد نفسَكَ فتغلَّبْتَ عليها، ولكن معركتك الآن قويَّةٌ بوجود الشياطين مُطلقةً، هذا ما ستكون عليه؛ إما أن تكون جنديًّا من جنود الله في الأرض، وإما أن تكون جنديًّا من جنود الشيطان.
إن هذه الأيام عظيمة؛ فلقد ميَّزَ الله الأسبوع بيوم الجُمُعة، وميَّز أشهر السنة بشهر رمضان، وميَّزَ رمضان بليلة القَدْر، ولكنْ هناك أيام أحبُّ إلى الله منها، وهي: العشر الأوائل من ذي الحجة، فأقسم بها عز وجل في القرآن: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 22]، وما يقسم الله إلَّا بعظيم؛ فبالرغم من عِظَم الأجر والثواب في العشر الأواخر من رمضان، فإن العشر الأوائل من ذي الحجة أحبُّ إلى الله وأعظم في الأجر.
ومن فضائلها أنها أفضل أيام الدنيا؛ فهي موسم للرِّبْح والأعمال الصالحة، وهي طريق النجاة؛ فدقائقها وساعاتها غنائم، وأيامُها أحبُّ إلى الله فاستبقوا الخيرات فيها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيَّامٍ العملُ الصالحُ فيها أحَبُّ إلى الله تعالى من هذه الأيام»، قالوا: يارسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلَّا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء».
أرأيت عِظَم هذه الأيام؟! فهي أعظَم حتى من الجهاد، ومن فضائلها أيضًا الذكر؛ روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيَّامٍ أعظم عند الله، ولا أحب إليه من العمل فيهن مِن هذه الأيام العشر؛ فأكْثِرُوا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد».
فيُفَضَّل أن تُكثِر في هذه الأيام من قراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتحميد؛ ففيها نجاتُكَ في الدنيا والآخرة، وكثرة الذِّكْر تُثقِل ميزانَكَ وترفَع أعمالَكَ لأعلى الدرجات، وعليك أيضًا بالاستغفار وكثرة الدعاء.
ومن فضائلها يوم عرفة، وهو يوم عظيمٌ لِما فيه من كثرة الأجر ومغفرة الذنوب؛ ففيه يكون العبد ملحًّا على ربِّه بكثرة الدعاء؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيرُ الدُّعاء يوم عرفة»، فلتَغتنم دقائقَه وساعاته؛ فصيامُه يُكفِّر سنة ماضية وسنة مقبلة، ففيها التكبير والتهليل ومضاعفة الأعمال؛ لذا عليك أن تُبادِرَ لتغتنمها.
يكفينا إخوتي في الله الفُتُور والهزال في علاقتنا مع الله، يكفينا انشغالًا بالدنيا وترك أجور عظيمة.
إذا أردتَ الفوز بهذه الأيام القليلة في العَدَد، العظيمة في الأجْر والثواب، فلا تكن عاديًّا في عباداتِكَ أو متغافلًا عنها، اجعل تنفُّسَكَ القرآن، ولسانك مُردِّدًا للأذكار، وقلبك متعلِّقًا بالله، فأقبِلْ عليه بهمَّةٍ وعزيمةٍ قويَّةٍ أكثر ممَّا كنت في رمضان.
ومن هنا عليك التحدُّث مع نفسك ووضْع خطة تشدُّ بها من أزْرِكَ، عليك بالإكثار من الأعمال الصالحة التي تجعلك شديد التقرُّب إلى الله، فكم ختمةً ستختم في العشر؟ وكم صَدَقةً ستخرج؟ وكم صلةَ رَحَمٍ ستكون واصلًا لها؟ وكم ذكرًا ستردِّد؟ وكم معصيةً ستُغلِق بابها وتتوب عنها؟ وكم من السُّنَن في الصلاة ستكون ثابتًا عليها؟ وكم ركعةً من الليل ستقوم بها؟
عليك بتجديد النية واستشعار عظمة هذه الأيام، ولتكن فيها صائمًا ذاكرًا خاتمًا للقرآن، متصدِّقًا مسبِّحًا مُهلِّلًا مكبِّرًا، اجعَل من هذه الأيام زلزالًا يهتزُّ له قلبُكَ ويرتعد منه شيطانُكَ، هناك من رَحَلوا عنَّا، منهم من اجتهد في هذا الوقت، ومنهم من غَفَل، وكلاهما لو أنطقهم الله لصرخُوا بِكَ قائلين: لا تكن متغافلًا، اغتنِم الفرصة لعلَّها ستكون الأخيرة في حياتِكَ، لعلَّ هذه آخر عشر تقضيها وترحَل، فلترحَلْ بسلامٍ وبميزان مُثقلٍ ونَفْسٍ طائعة راغبة في لقاء الله، فمن مِنَّا يعرِف متى موعد رحيله، بالطبع لا أحدَ؟!
فلتكن مستعدًّا متزوِّدًا من كل مواسم الطاعات، فإذا فاتَكَ قطارُ جَمْع الحَسَنات في رمضان، فلا تجعل قطار حياتِكَ يمرُّ على هذه الأيام بسرعة البَرْق، فتمضي ذات يوم وتتحسَّر على ما فاتَكَ من عظيم الثواب والعطاء من ربِّ العباد.
إنه موسم التجارة الرابحة؛ فتخيَّل نفسَكَ تسير في الأيام العشر وأنت تكسِب حسنات من هذه العبادة وحسنات من تلك؛ فتخرج منها بميزان مثقل، والأهمُّ أن تخرُجَ منها وأنت رابح فيما بعد، تخرج بعبادات ثابتة تُنير لكَ الطريق، وتكون الزاد متى أُذِنَ لك بالرحيل، فلا تخرُج من رحلتك وأنت خالي الوفاض.
.
جاهِدْ نفسَك، وابتعِدْ عن الشُّبُهات والشهوات، واغتنم هذه الأيام؛ فهي أحبُّ أيام الله، فيا باغي الخير أقبِلْ، ويا باغي الشرِّ أقصـر.
_______________________________________________
الكاتب: فاطمة الأمير
- التصنيف:
- المصدر: