أيام الله المعظمة: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق
أيام التشريق، وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة، وقد ورد في فضلها آيات وأحاديث
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين.
أما بعد:
فالحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه على جزيل نعمه وما سخره من مواسم الخيرات والبركات ومضاعفة الأجور والحسنات.
يوم عرفة:
وها نحن نستقبل يوماً أغرَّ من أيام هذه العشر المباركات وهو رأسها أعني يوم عرفة الشريف.
وهو اليوم الذي يكون عتقاء الله فيه من النار كثرة كاثرة. فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء» رواه مسلم.
وفضل يوم عرفة الذي يستقبله المسلمون، ليس خاصًّا بأهل الموقف في عرفة، بل إن فضله يشمل عباد الله في أرجاء الدنيا، والله ذو الفضل العظيم.
وقد ثبت عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» رواه مسلم.
قال العلامة النووي رحمه الله في شرحه: معناه: يكفر ذنوب صائمِه في السنتين، قالوا: والمراد بها الصغائر، فإن لم تكن صغائر يرجى التخفيف من الكبائر، فإن لم يكن رفعت درجات. انتهى.
ومن أسباب المغفرة في يوم عرفة: الإكثار من ذكر الله، وبخاصة شهادة التوحيد؛ فإنها من أعظم ما يُتقرب إلى الله في ذلك اليوم به؛ جاء في المسند عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر دعائه يوم عرفة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير وهو على كل شيء قدير».
وروى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير». والحديث حسنه الألباني.
قال العلامة النووي في "المجموع":
"وينبغي أن يأتي بهذه الأذكار كلها فتارة يهلل وتارة يكبر وتارة يسبح وتارة يقرأ القرآن وتارة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وتارة يدعو وتارة يستغفر ويدعو مفرداً، وفي جماعة وليدع لنفسه ولوالديه ومشايخه وأقاربه وأصحابه وأصدقائه وأحبائه وسائر من أحسن إليه وسائر المسلمين، وليحذر كل الحذر من التقصير في شيء من هذا، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه بخلاف غيره. وينبغي أن يكرر الاستغفار والتلفظ بالتوبة من جميع المخالفات مع الندم بالقلب، وأن يكثر البكاء مع الذكر والدعاء، فهناك تسكب العبرات وتستقال العثرات وترتجى الطلبات". انتهى.
يوم النحر:
ثم نستقبل بعدها يوم النحر الذي هو أفضل أيام الدنيا.
وقد سُئِل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أيما أفضل: يوم عرفة، أو الجمعة، أو الفطر، أو النحر؟
فأجاب: الحمد لله، أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة باتفاق العلماء.
وأفضل أيام العام هو يوم النحر، وقد قال بعضهم: يوم عرفة، والأول هو الصحيح؛ لأن في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل الأيام عند اللّه يوم النحر ثم يوم القَرِّ».
لأنه - أي يوم النحر - يوم الحج الأكبر في مذهب مالك والشافعي وأحمد، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يوم النحر هو يوم الحج الأكبر".
وفيه من الأعمال مالا يُعمل في غيره، كالوقوف بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة وحدها، والنحر، والحلق، وطواف الإفاضة.
فإنَّ فِعْل هذه فيه أفضل بالسنة واتفاق العلماء. واللّه أعلم. ينظر: "مجموع الفتاوى" ( 13 / 155 ) ط العبيكان.
ويوم القَرّ هو يوم الغد من يوم النحر أي 11 ذي الحجة لأن الناس يقرون فيه بمنى، أي يسكنون ويقيمون. "النهاية" 4/ 37 . وليس لأحد أن يَنفِر أو ينصرف من الحج في هذا اليوم.
أيام التشريق:
ثم نستقبل بعدها أيام التشريق، وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة، وقد ورد في فضلها آيات وأحاديث منها:
1- قول الله عز وجل: «وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ» [البقرة: 203]، الأيام المعدودات: هي أيام التشريق، قاله ابن عمر رضي الله عنه واختاره أكثر العلماء.
2- قول النبي صلى الله عليه وسلم عن أيام التشريق: «إنها أيام أكلٍ وشرب وذكرٍ لله عز وجل».
وذِكر الله عز وجل المأمور به في أيام التشريق أنواع متعددة:
منها: ذكر الله عزَّ وجل عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها، وهو مشروعٌ إلى آخر أيام التشريق عند جمهور العلماء.
ومنها: ذِكره بالتكبير عند رمي الجمار أيام التشريق، وهذا يختصُّ به الحجاج.
ومنها: ذكر الله تعالى المطلق، فإنه يُستحب الإكثار منه في أيام التشريق، وقد كان عُمر رضي الله عنه يُكبر بمنىً في قبته، فيسمعه الناس فيُكبرون فترتج منىً تكبيراً، وقد قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 200، 201].
وقد استحب كثيرٌ من السلف كثرة الدعاء بهذا في أيام التشريق.
ومنها: ذُكره بالتسمية والتكبير عند ذبح النُسك، فإنَّ وقت ذبح الهدايا والأضاحي يمتدُّ إلى آخر أيَّام التشريق.
ومنها: ذكر الله عزَّ وجل على الأكل والشرب، فإن المشروع في الأكل والشرب أن يُسمي الله في أوله، ويحمده في آخره، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله عزَّ وجل يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشَّربة فيحمده عليها» رواه مسلم.
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنها أيام أكل وشرب وذكر لله عزَّ وجل " إشارةٌ إلى أنَّ الأكل في أيام الأعياد والشُّرب إنما يستعان به على ذكر الله تعالى وطاعته وذلك من تمام شكر النعمة أن يُستعان بها على الطاعات.
وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له، فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله وبدَّلها كُفراً، وهو جدير أن يُسلبها، كما قيل:
إذا كنت في نعمةٍ فارعها
فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشُكر الإله
فشُكر الإله يُزيل النِّقم
3- نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامها «لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل» رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
اللهم وفقنا لفعل الصالحات، وأعنَّا على ذِكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ثبتنا عند الممات، وارحمنا برحمتك يا جزيل العطايا والهبات. والحمد لله رب العالمين.
- التصنيف: