حكم زكاة الزرع في الأرض التي بيعت أو استؤجرت

منذ 2020-09-16

الراجح أنَّ من زرع زرعًا في أرض اكتراها، فزكاة ما أخرجت الأرض على الزارع وليس على رب الأرض من زكاة، وهو مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية.

حكم زكاة الزرع في الأرض التي بيعت أو استؤجرت

حكم زكاة الزرع في الأرض التي بيعت أو استُؤْجِرت

 

صورة المسألة:

رجل امتلك أرضًا فأجَّرها لمن يزرعها، وبعد أنْ بدا الزرع صلاحه أراد صاحبه بيعه، فهل زكاته على صاحب الأرض أم على صاحب الزرع؟

 

أولًا: تحرير محل النزاع:

أجمع الفقهاء على أن لا عشر على المسلمين في شيء من أموالهم، إلا في بعض ما أخرجت أرضهم [1]، ولكنهم اختلفوا فيمن أجر أرضه لمن يزرعها، فهل الزكاة الزرع على صاحب الأرض أم على صاحب الزرع؟ على قولين.

 

 

ثانيًا: مذاهب الفقهاء:

المذهب الأول: ذهبوا إلى أنَّ زكاة الخارج من الأرض المستأجرة على صاحب الأرض، وليس على صاحب الزرع، وهو مذهب الحنفية [2].

 

المذهب الثاني: ذهبوا إلى أنَّ من زرع زرعًا في أرض اكتراها، فزكاة ما أخرجت الأرض على الزارع وليس على رب الأرض من زكاة، وهو مذهب الجمهور من المالكية [3]، والشافعية [4]، والحنابلة [5]، والظاهرية [6].

 

ثالثًا: سبب الخلاف:

ويرجع السبب في اختلافهم إلى: هل العشر حق الأرض أو حق الزرع أو حق مجموعهما؟ إلا أنه لم يقل أحد أنه حق لمجموعهما، وهو في الحقيقة حق مجموعهما، فلما كان عندهم أنه حق لأحد الأمرين اختلفوا في أيهما هو أَولى أن ينسب إلى الموضع الذي فيه الاتفاق، وهو كون الزرع والأرض لمالك واحد، فذهب الجمهور إلى أنه للشيء الذي تجب فيه الزكاة وهو الحب، وذهب أبو حنيفة إلى أنه للشيء الذي هو أصل الوجوب وهو الأرض [7].

 

رابعًا: أدلة المذاهب:

أدلة المذهب الأول القائلون بأنَّ زكاة الخارج من الأرض المستأجرة على صاحب الأرض وليس على صاحب الزرع، واستدلوا بالقرآن والأثر.

أ- القرآن:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267].

 

وجه الدلالة: دل قوله تعالى: {أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}، دلالة واضحة على أنَّ الزكاة من الأصل الذي يخرج لكم من الأرض، فكانت الزكاة على صاحب الأرض، وليس على صاحب الزرع [8].

 

ب- الأثر:

عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: «فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ زَكَاةٌ، وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ سَيْحًا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ نِصْفُ الْعُشْرِ»[9].

 

وجه الدلالة: دل الأثر على وجوب الزكاة مما أخرجته الأرض، فكان وجوب الزكاة على صاحب الأرض، بالقيمة التي ذكرت في الحديث [10].

 

أدلة المذهب الثاني القائلون بأنَّ من زرع زرعًا في أرض اكتراها، فزكاة ما أخرجت الأرض على الزارع، وليس على رب الأرض من زكاة، واستدلوا بالقرآن والسُّنة والمعقول.

 

أ- القرآن:

قال الله جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267].

 

وجه الدلالة: دل قوله عز وجل: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} دلالة واضحة على وجوب الإنفاق مما يخرج لنا من الأرض، فتصدق ونزكي من النخل والكرم والحنطة والشعير، وما أوجبت فيه الصدقة من نبات الأرض، الخطاب هنا لصاحب الزرع سواء كانت الأرض ملكًا له أو كان مستأجرًا لها، فيجب عليه أن يؤدي حقوق زرعه يوم حصاده [11].

 

ب- السُّنة:

عن سالم بن عبدالله عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ»[12].

 

وجه الدلالة: دلَّ الحديث بعبارته الصريحة على وجوب العُشر فيما يُسقى من السماء، ونصفه فيما سُقي بالنضح والسانية، فهو عام فنحمله على عمومه، وهو وجوب الزكاة على صاحب الزرع[13].

 

ت- المعقول:

لأنَّ مالك الأرض لم يخرج له شيءٌ من الأرض، وإنما هو للمستأجر، ولأنَّه زكاة مالٍ، فوجبت على مالك المال كسائر الأموال[14].

 

وأخيرًا:

بعد عرض المذاهب الفقهية وما استدلوا به وتوجيهها، تبيَّن من خلال ذلك أن الراجح أنَّ من زرع زرعًا في أرض اكتراها، فزكاة ما أخرجت الأرض على الزارع وليس على رب الأرض من زكاة، وهو مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية.

 


[1] الإجماع لابن المنذر (ص: 49).

[2] انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني (2/ 56)، النتف في الفتاوى للسغدي (1/ 187)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (2/ 333).

[3] انظر: المدونة، مالك (1/ 381)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد (2/ 8)، الكافي في فقه أهل المدينة، ابن عبدالبر (1/ 309).

[4] انظر: الحاوي الكبير، الماوردي (3/ 238)، المهذب في فقة الإمام الشافعي للشيرازي (1/ 290)، البيان في مذهب الإمام الشافعي، العمراني (3/ 262).

[5] انظر: الهداية على مذهب الإمام أحمد، الكلوذاني (ص: 136)، المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ابن تيمية (1/ 221)، كشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي (2/ 218).

[6] انظر: المحلى بالآثار، ابن حزم (4 /47).

[7] بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد (2/ 8).

[8] انظر: تفسير الماتريدي (2/ 259).

[9] الآثار لأبي يوسف، باب الزكاة (ص: 90)، برقم (443)، الأموال لابن زنجويه، كتاب الصدقة، تفسير ما يكون فيه العشر (3/ 1060)، برقم (1969).

[10] انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني (2/ 56).

[11] انظر: تفسير الطبري (5/ 557).

[12]صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب العشر فيما يسقي من ماء السماء (2/ 126(، برقم (1483).

[13] انظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 349)، المنتقى للباجي (2 /163).

[14] انظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي، العمراني (3/ 262).

  • 2
  • 0
  • 1,564

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً