تشكلات النسوية في الواقع المعاصر

منذ 2020-09-19

النسوية ليست وليدة يوم وليلة، ولا ظاهرة كونية طبيعية، جاءت في اللحظة، إنما مسار تيار فكري استغرق الكثير من الوقت لإعداده في مصانع الغرب أولًا، وكانت التجارب الأولى من هناك، وامتدت في أثير الكون إلى هنا.

تشكلات النسوية في الواقع المعاصر

الذي لابد أن نفهمه بعقلية متبصرة؛ أن النسوية ليست وليدة يوم وليلة، ولا ظاهرة كونية طبيعية، جاءت في اللحظة، إنما مسار تيار فكري استغرق الكثير من الوقت لإعداده في مصانع الغرب أولًا، وكانت التجارب الأولى من هناك، وامتدت في أثير الكون إلى هنا.


النسوية إيديولوجية غير محددة التعريف، فهي متنوعة الدوافع بتنوع التشكلات الرسمية لهذا الكيان الغاضب، والممتعض من أتفه شيء.
وهذا الامتعاض المستمر صاغ المفهوم النسوي بالكراهية والرفض، الذي قد يحدث بشكل عشوائي أو منظم، لكنه لن ينتهي ما دامت النسوية قائمة وتسير بين الناس.


فمن طبيعة الأفكار أنها لا تدوم، ولم يثبت لتيار ما أن بقى في البشرية بقاء الدين، إنما هي زوابع تثور وتهدأ، تموج وتضطرب ثم تعود لسكونها أول مرة.
وهذا ينطبق على هذا الفكر، الذي أقصى آماله أن يبقى مدة أطول لا ينمحق قبل استغلال أعضائها تمام الاستغلال.


وتأتي كلمة استغلال (في النفس) مع مصطلح النسوية كلما ذُكر وهذا لأنه في الأساس قائم على استغلال للكثيرات ودون أن يشعرن بذلك، تحت سكرة المطالبات التي لا تنتهي، واستغلال لدول بعينها لتنفيذ مطالب نسوية، حتى لو كانت تتعارض مع تراثها وبنيتها.


من خلال قليل تفكر في واقعنا العالمي المعاصر، نجد أن النسوية ليست منعزلة عن باقي الظواهر الاجتماعية الحديثة، بل ما جعلها صالحة لهذا الوقت تحديدا، تمهيد النظام العالمي الحديث، أو الحداثة بالمفهوم الشمولي وأثره في نحت المجتمعات وتغيير الهيكلة الشكلية من الداخل والخارج.
فمن مفرزات الحداثة، وسبلها في تخدير الشعوب، وزرع مفاهيم وتشذيب أخرى، جاءت نظم حديثة غيرت من عقول الأفراد والمجتمعات.
الفردانية، واحدة من أهم السبل التي تغذت عليها النسوية، فمصلحة الفرد تأتي في المرتبة الأولى، مع غياب الأطر التي تحدد تلك المصلحة العائمة، والدفاع عن مصالح الفرد مسألة متجذرة وفوق اعتبارات الدولة والجماعات، مع دفع كل تدخل خارجي أو تحكم في مصلحة الفرد من قبل المجتمع أو المؤسسات.
تقوم الفردية؛ على فرضية "أن الفرد البشري هو العامل الأولي الأهم في النضال من أجل التحرير" وهي عينها الثورة النسوية والتقوقع حول الأنثى إلى درجة العبادة، فهي فردانية مؤدلجة، وبحث عن الذات في كل ما يصوغ تلك الذات حسب مفهومها المسبق عنه وكيف لابد أن يكون.


قناة د/ سلطان العميري, [⁧سبتمبر ⁨18⁩، ⁨2020⁩ في ⁨22:24⁩⁩]
أما ما يتعلق بتأثير السياسة على دور المرأة في الثورة، وتنميط الحياة العامة بأسس تم تفصيلها مسبقا، فهو بارز إلى درجة أن الجميع يلاحظ أن النسوية لن تقوم لها قائمة إن لم تكن مدعومة من الخلف، فهي من حيث هي لا شيء لولا دعم الحكومات، أو لجنة القضاء على أي تمييز ضد المرأة.
فتأثير الهيئات الدولية والضغط على الدول العربية تحديدا، ساهم في إحداث تغييرات حقيقية، كانت كالنواة لما سيأتي بعد، فكثير من التيارات لا يتم دعمها عبثًا إنما لأهداف سياسية محورية من صميمها إعادة تشكيل بعض المناطق بطريقة ناعمة وسلمية.
لا تسألني عن ضعف الذكورية إلى درجة التقلص أمام طوفان الفكر النسوي؟!
بل اسأل عن أيهما هو اللعبة -الحالية- في يد السياسة، وبقاءه يشكل أهمية في التغيير المستقبلي.
لذلك تذوب الذكورية في كل مرة، ويبقى علم "المرأة الحرة" يرفرف على قمة الإعلام والقرارات الإدارية والتسهيلات والمنظمات والندوات..


على وجه الخصوصية، والتحديد، من بين النسويات العربية، النسوية السعودية تصاعدت الفترة الأخيرة، بنماء فوق طبيعة النمو نفسه، فهي تتكاثر تكاثر سرطاني يشل الكثير من الأسر ويعطل استقرارها.


لم تحدث التغييرات بتدريج وبطء نفس ما حدث في بعض الدول الأخرى، إنما صعد سهم التوترات عاليا وتم استغلال وسائل التواصل الاجتماعي بعد الاستهداف الإعلامي وتوعيته -المزعومة- وتضليله كذلك بحقوق المرأة.
جاءت برامج التواصل خطوة لاحقة بعد مقدمات أخذت من الوقت أكثر بكثير من نتائج الإنفجار المرتقب، وها نحن نشهد شظايا الضحايا، والهدم والتخريب في كل ناحية.


لفهم النسوية السعودية، يجب دراستها بشكل مستقل أولًا ثم ربطها -بعد ذلك- بغيرها، لأن لها خصوصية المكان، والزمان، والتأثيرات، وتعجيل الأثر، ما لم يسبق له مثيل -في رأيي- إلا كما كانت سرعة بناء (داعش) المتطرف، وهجومه على كل ما يخالفه.
ومن التجرد أيضا أن لا نخلط الجميع في نفس الخلاط، فهنا لا زال تأثير الدين والأسرة حاضرا، ومع ضعف الدين وضعف لحمة البيت، إلا أن حنين المرأة لازال يصرخ في أعماقها لقرب العهد، وعدم الابتعاد بشكل كلي وإن ظهر فساد الفكر.

يقول المفكر الفرنسي أوليفيه : "لولا الإسلام لكان كل شمال أفريقيا جزءا لا يتجزأ من أرض فرنسا الجديدة، ولذهبت شعوب هذه المنطقة أدراج الرياح وأصابها ما أصاب الهنود الحمر".
أيضا توزعه على مستويات ومراحل وتقسيمات ينبغي مراعاتها.
فالنسوية السعودية ليست هي تماما النسوية العالمية، ولكنها فرع مختلف، بما هو منه وفيه.
وأخطر فئة من بين فئات النسوية الجديدة، ليست تلك القديمة المدبرة، فهي تعلم في قرارة نفسها أنها محملة بفكر خارج السياق العربي، ولكن تلك الصغيرة التي تبدلت منذ وقت مبكر، وتشاركت مع الصديقات نفس الميول، وتربت بلا حشمة، وتصلبت وهي طرية، وتغربت وهي قريبة، هذه بالذات الخطر القادم منها حتى لو ضعف التيار.
_________________
هناء عبدالله

  • 1
  • 0
  • 1,959

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً