(الفوارق بين الرجل والمرأة)
لاشك أن المرأة كانت ولا زالت عنصرًا من أھم عناصر أي مجتمع إنساني، فھي الأم، والزوجة، والأخت، والابنة، ھي الرعاية، والعاطفة إذا بحث الرجل عنھما، وكذلك ھي الجد، والصبر، والتحمل إذا اقتضت الحاجة.
والحمد رب العالمین، والصلاة والسلام على النبي الأمین، المبعوث رحمة للعالمین، وبعد:
قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}
أكمل الله لنا ھذا الدین وبین لنا قواعده وأحكامه، وأتم علینا نعمه الظاھرة والباطنة، ورضي لنا الاسلام دینًا، فأمرنا بأن نقوم بما يقتضيه ونقف عند حدوده شكرًا له وتعبدًا.
فجاء ھذا الدین حاكمًا للبشریة في میادین الحیاة كافة، عقیدة ونظامًا، وكان من أبرز شرائعه التي جاء بھا ما یتعلق بالنظام الاجتماعي الذي تُعد فیه الأسرة نواة، وتُعد المرأة من أھم أركان ھذه الأسرة، فالإسلام لم ینظر إلى المرأة بعیدًا عن محیطھا الذي تعیش فيه، وبعیدًا عما أوجده الله فیھا من قدرات، ومیولات، واستعدادات فطریة خَلْقیة، وكانت أحكامه التي شُرِعَت لھا بمقتضى ما یناسبھا، ویلیق بقدراتھا، ویكفل حقوقھا.(1)
ولاشك أن المرأة كانت ولا زالت عنصرًا من أھم عناصر أي مجتمع إنساني، فھي الأم، والزوجة، والأخت، والابنة، ھي الرعاية، والعاطفة إذا بحث الرجل عنھما، وكذلك ھي الجد، والصبر، والتحمل إذا اقتضت الحاجة. ورغم أنھا الأضعف جسدًا بحكم تكوینھا الجسدي المناسب لوظائفھا الطبیعیة في الحیاة، إلا أنه لم یتھمھا أحد بنقصان قدراتھا العقلیة؛ إذا اعتنت بھا أو اعتنى بھا مُربیھا أو ولیھا، فنرى لھا سموًا، وتمیزًا في بعض المجالات الفكریة، والعلمیة مثلھا مثل الرجل تمامًا بتمام، أو زیادة. فإذا جئنا إلى الدین، فلرب مؤمنة واحدة یوزن إیمانھا بألف رجل أو یزید. والقرآن، والسنة تملأھما نصوص العدل والمساواة في الأجر، والعمل للمحسن من
الجنسین فیما أمره الله به، وذلك مثل قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} .(2)
ورغم أن مكانة المرأة في الإسلام كانت النقلة النوعیة الأبرز في تاریخ البشریة العملي في النظر إلیھا بعدل الله وتكریمه لھا، إلا أن البعض، في العصر الحدیث ومع تغییب العلم الدیني عن أبناء الأمة عمدًا، صار یستغل بعض النصوص الإسلامیة –بعد استقطاعھا من سیاقھا أو معناھا- لیحاول إیھام الناس باضطھاد المرأة في الإسلام، وعدم العدل معھا في مواطن العدل وعدم المساواة معھا في مواطن المساواة.(3).
نعم ھناك عدل، وھناك مساواة لكن ھناك أیضًا مراعاة لتلك الفوارق، والاختلافات التي أوجدھا الله بین الجنسین، وھذه القضیة نالت الكثیر من المنازعات، والمناظرات والمناقشات في جمیع العصور وفي الشرق والغرب، وتُبنى على أثرھا العدید من المسائل، وحلھا یعد حلاً لقضایا شتى، فسنتناول في ھذا المقال حقیقة وجود تلك الفوارق، وھل ھي موجودة فقط في الإسلام؟
وھل في إثباتھا –الفوارق- ظلم للمرأة؟
وما ھو السبب الرئیسي الذي أدى إلى نفي تلك الفوارق؟
وما ھي الآثار المترتبة على نفیھا؟
وماھي الآثار المترتبة على الإیمان بوجود تلك الفوارق؟
المسألة الاولى: ھل الفوارق بین الرجل والمرأة حقیقیة ؟
- ذكر الشیخ بكر أبو زید -رحمه الله- في كتابه (حراسة الفضیلة ) عدة أصول للفضیلة، واستفتح أول أصل بوجوب الإیمان بالفوارق بین الرجل والمراة، فقال: (...أن الله –سبحانه وتعالى- خلق الرجل والمرأة شطرین للنوع الإنساني ذكرًا وأنثى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ}، یشتركان في عِمارة الكون كلٌ فیما يخصه، ویشتركان في عمارته بالعبودیة لله تعالى، بلا فرق بین الرجال والنساء في عموم الدین: في التوحید، والاعتقاد، وحقائق الإیمان، وإسلام الوجه لله تعالى، وفي الثواب والعقاب، وفي عموم الترغیب والترھیب، والفضائل، وفي عموم التشریع).(4).
وذكر –رحمه الله- أن ثَمة فوارق بین الرجل والمرأة، جسدیة ومعنویة وشرعیة، ثابتة قدرًا وشرعًا، وحسًا وعقلاً.
- وجاء في كتاب (جنس الدماغ) ما یلي: (الرجال مختلفون عن النساء، وھم لا یتساوون إلا في عضویتھم المشتركة في الجنس البشري..، والادعاء بأنھم متماثلون في القدرات، والمھارات، والسلوك= یعني بأننا نقوم ببناء مجتمع یرتكز على كذبة بیولوجیة، وعلمیة، فالجنسان مختلفان؛ لأن أدمغتھم تختلف عن بعضھا، فالدماغ : ھو العضو الذي یضطلع بالمھام الإداریة، والعاطفیة في الحیاة، قد تم تركيبه بصورة مختلفة عند كل منھما، والذي ینتج عنه في النھایة اختلاف في المفاھیم والأولویات والسلوك.(5).
ومن المعلوم أن الفرق في التفكیر والسلوك بین الذكر والأنثى یظھر في جمیع مراحل الحیاة، وھذه الاختلافات بینھما ثبتت بأرقام علمیة قائمة على دراسات قام بھا أھل الاختصاص، ولذلك فإن دعاوى المساواة الظالمة بینھما ومحاولة توظیف أحكامھا في المیدان فیھا مخالفة لكل شيء؛ مخالفة للدین والعقل والعلم.(6).
المسالة الثانیة: ھل الفوارق بین الرجل والمرأة موجودة في الدین الإسلامي فقط؟
نقلتُ بعض أقوال غیر المسلمین،واللا دینیین أیضًا لا لصحة أقوالھم بل من أجل إثبات الفوارق لدیھم.
- یؤكد غالون في كتابه (عبقریة الوراثة): (أن مادام الرجال قادرین على التفوق بشكل واضح على النساء في كثیرٍ من العلوم، فلا بد أن متوسط القوة الذھنیة عند الرجل أكبر من متوسط القوة الذھنیة لدى النساء) (7).
- واستنتج عالم الأنثروبولوجیا ماكروجر آلان أن: (المرأة حافظت على النمط الطفولي ..جسدیًا وعقلیًا وأخلاقیًا، فالمرأة عبارة عن طفل كبیر.. ومن غیر المؤكد أن تكون النساء قد ساھمت بأي فكرة أصیلة مھمة لھا أدنى قیمة دائمة للعالم في مجال الفكر المجرد) (8).
- وآمن داروین بتفوق الذكور، واستنتج معظم التطوریون أن النساء مختلفات عن الرجال اختلافًا كبیرًا في الحالة العقلیة والذكاء كما ھي حال إناث وذكور أنواع الحیوانات الأخرى (9).
فالمسألة لیست دینیة إسلامیة بل قال بھا غیر المسلمون واللادینیون، وإنما الإسلام ضبط تلك الخصائص ورتب علیھا الأحكام.
كما قال محمد الغزالي: (وكل ما صنع الدین أنه وزع الاختصاصات العلمیة، توزیعًا یوافق طبائع الذكورة والأنوثة.(10)
وقال أیضًا: (الإسلام إذ یعترف بھذه الفوارق، یتمشى مع طبائع الأشیاء، ولا یستطیع تجاھل فطرة الله فیھا.(11)
فشریعة الله شریعة وسط، راعت واقع الناس وفطرتھم، وتعاملت مع الحقائق الثابتة بالعلم والعقل.
المسألة الثالثة: ھل في إثبات الفوارق بین الرجل والمرأة یُعد ظلمًا للمرأة؟
لماذا یُتصور دائمًا أن ثمّة صراع ثنائي ینقسم فيه الجنسین إلى ظالم ومظلوم أو قوي وضعیف؟ فالمسألة لیست كذلك، المسالة ھي أن كل من الجنسین له وظائفه المنوطة به، وخصائصه التي یمتاز بھا عن الآخر، فلیس الھدف من التفریق بینھما أن یبتغي أحدھم ما عند الآخر من خصائص وممیزات، بل الھدف أن یعیش الإنسان في انسجام تام مع طبيعته التي جُبل وفُطر علیھا، وأن یؤدي ما عليه من واجبات، و یتحمل ما عليه من مسؤولیات، فالعلاقة بین الرجل والمرأة مبنیة على التكامل والتوافق لا على التقابل والتنافر.
المسألة الرابعة: ماھو السبب الرئیسي الذي أدى إلى نفي تلك الفوارق؟
ھناك عدة أسباب أدت بشكل مباشر أو غیر مباشر إلى نفي الفوارق بین الرجل والمرأة لكن جمیعھا یتفرع تحت معیار واحد وھو( المساواة المطلقة)، فلیس في المساواة عدل في جمیع الأحیان، بل قد تؤدي المساواة أحیانًا إلى الظلم والجور؛ لأن كل من الجنسین یحمل من القدرات والمیول مالا يحمله ولا يتحمله الآخر، فعندما تكون المرجعیة التي یُرجع إلیھا من أجل الفصل في موضوع الفوارق ھي مرجعیة مادیة بحتة ھنا یكمن الخلل.
ذكر عبدالوھاب المسیري في كتابه (قضیة المراة بین التحریر والتمركز حول الانثى): أن ثمّة مرجعیة مادیة تتغلغل في الحضارة تاركة خلفھا أمرأة ترى بأن وظیفتھا كربّة منزل أو عنصر من عناصر الأسرة لیس له أي أھمیة؛ وذلك لأنه لیس له مردود مادي أو ثمن، فتسعى خلف حیاة تتمركز ھي فیھا ویبدأ الصراع الأبدي بین الذكور والإناث ومحاولة كل منھم الھیمنة على الآخر.
المسألة الخامسة: ما الآثار المترتبة على نفي تلك الفوارق؟
ذكر الاستاذ الدكتور محمود الدوسري في كتابه (التمایز العادل بین الرجل والمرأة في الإسلام) :أن فكرة المساواة بین الرجل والمرأة فكرة علمانیة، تدعو إلى تحلل المرأة من الضوابط الشرعیة، واتُّخذت ذریعة للقضاء على التكالیف الشرعیة؛ حیث إن الدعوة إلى المساواة التماثلیة بین الرجل والمرأة إبطال لھذه التكالیف، ویترتب على ذلك عدّة آثار:
1-تغریب المجتمع ومسخه: لیصبح مجرد صورة من المجتمعات الغربیة فیفقد هويته وأصالته.
2-إقصاء الدین عن الحیاة: والاستعاضة عنه بالقوانین الوضعیة تخالف الشریعة وتھدم ثوابتھا وقیمھا.
3-ضیاع حقوق الأولاد والرجال.
4-جواز ولایة المرأة في الولایات العامة.
المسألة السادسة: ماھي الآثار المترتبة على الإیمان بتلك الفوارق؟
أولاً: عندما یكون ھناك إیمان وتسلیم بالفوارق بین الرجال والنساء ورضا بكل ما كتب الله لھم ومیّز به بعضھم على بعض ستنتظم حیاة المجتمع الإنساني، وھذا عین العدل.12
ثانیًا: لا یجوز لمسلم ولا مسلمة أن یتمنى ما خص الله به الآخر من الفوارق، لما في ذلك من السخط على قدر الله، وعدم الرضا على حكمه وشرعه، ولیسأل العبد ربّه من فضله، كما قال تعالى: "وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" ،
فإذا كان ھذا النھي عن مجرد التمني، فكیف بمن ینكر الفوارق الشرعیة بین الرجل والمرأة، وینادي بإلغائھا، ویطالب بالمساواة ویدعو إلیھا؟.13
وأقول في الختام إنه (یمكن أن تعرف في أي مجتمع أكثر الأشیاء قیمة لديه وقداسة عنده من خلال قوة ما یُشرع ویُطبق فيه من قوانین وأنظمة تحمي ذلك الشيء وتصونه من الفساد والضیاع.)14
فلا تَعتبِر المرأة ما شُرع لھا في ھذا الدین من حجاب وأمور أخرى أنه احتكارًا لھا وتضییقًا لحریتھا كما یصّور لھا البعض، بل لأن ھذا الدین یعتبرھا شيء ذات قیمة وقداسة.
(والإسلام سبق كل الحضارات القدیمة والحدیثة، بحضارته الفذة التي استطاعت أن ترسم ملامح التوازن بین متطلبات الجسد والروح والعقل والعاطفة، بحیث وضعت المرأة في مكانتھا المناسبة التي تحقق لھا سعادة الدنیا والآخرة، ولن یكون ثمة حل لما تعانيه المرأة في أي مكان إلا بشریعة رب العالمین).15
وصل ِّ اللھم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعین،،
_________________________________________
الكاتب: نجلاء سعد الدوسري
-----------------------------------------------
• مراجع:
(1) المرأة واتفاقیة القضاء على جمیع أشكال التمییز ضدھا سیداو( د.محمد محمود الطرایرة )ص47
(3،2) المرأة بین الداروینیة والإلحاد د.جیري بیریغمان.ص11- ص12
(4) مخنصر حراسة الفضیلة لأبو بكر زید.ص15
(6،5) المرأة واتفاقیة القضاء على جمیع أشكال التمییز ضدھا سیداو( د.محمد محمود الطرایرة )ص49
(9،8،7) المرأة بین الداروینیة والإلحاد د.جیري بیریغمان.(ص52-ص51-ص46)
(10،11) حقوق الإنسان للغزالي (ص99-97)
(13،12) مخنصر حراسة الفضیلة لأبو بكر زید.(ص18)
(14) مقولة للاستاذ الدكتور عایض سعد الدوسري في إحدى حساباته.
(15) عمل المرأة وموقف الإسلام منه .آل نواب، ص236
- التصنيف:
- المصدر: