الأولويات في الآراء الفقهية
ترتيب الأولويات في الآراء الفقهية يكون بمعرفة الآراء التي لا تحتمل الخلاف قط ولا يقبل فيها رأي آخر ولا مجال فيها لتسامح، والآراء التي تقبل نسبة - ولو ضئيلة - من التسامح، والآراء التي تتسع للكثير من الخلاف والتسامح.
ترتيب الأولويات في الآراء الفقهية يكون بمعرفة الآراء التي لا تحتمل الخلاف قط ولا يقبل فيها رأي آخر ولا مجال فيها لتسامح، والآراء التي تقبل نسبة - ولو ضئيلة - من التسامح، والآراء التي تتسع للكثير من الخلاف والتسامح.
وكذلك بالتفريق بين القطعي والظني من النصوص، فمن النصوص ما هو ظني الثبوت وظني الدلالة معًا، ومنها ما هو ظني الثبوت قطعي الدلالة، ومنها ما هو قطعي الثبوت ظني الدلالة، ومنها ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة معًا، وظنية الدلالة تشمل السنَّة والقرآن جميعًا، فمعظم النصوص فيها تحتمل تعدد الأفهام والتفسيرات، لأن ألفاظ اللغة بطبيعتها فيها الحقيقة وفيها المجاز والكناية، والخاص والعام، والمطلق والمقيد...، وكثيرًا ما تخضع الأفهام لعقول الناس وظروفهم واتجاهاتهم النفسية والعقلية.
والقرآن كله قطعيُّ الثبوت من غير شك، ولكن بعض آياته - في جزئياتها - ظنية الدلالة، ولذا اختلف الفقهاء في الاستنباط منها، ولكن القضايا الكبرى مثل الألوهية والنبوة والجزاء وأصول العبادات وأمهات الأخلاق «فضائل ورذائل» والأحكام الأساسية للأسرة والميراث والحدود والقصاص، ونحو ذلك قد بينتها آيات محكمات تقطع النزاع، وتجمع الكُلَّ على كلمة سواء، وجاءت السنة النبوية قولًا وعملًا وفعلًا وتقريرًا بتأكيد هذه الأحكام، كما أكدها الإجماع اليقينيُّ من علماء الأمة، واقترن بها التطبيق العملي من الأمة.
ومن هنا لا يجوز الخلط - جهلًا أو قصدًا - بين النصوص بعضها وبعض.
والمرفوض تمامًا هو ردُّ النصوص القطعية الثبوت والدلالة جميعًا، فهذه - وإن كانت قليلة - تعتبر في غاية الأهمية في الدِّين، لأنها هي التي تجسد الوحدة العقدية والفكرية والشعورية والعملية للأمة المسلمة، وهي التي يحتكم إليها عند النزاع.
ولذلك لا بد أن نحذِّر من تلك المؤامرة الفكرية التي تعمل على تحويل القطعيات إلى ظنِّيات، والمحكمات إلى متشابهات:
• مثل الذين يجادلون في آية تحريم الخمر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90]، ويشككون في دلالة كلمة {فَاجْتَنِبُوهُ} على التحريم!.
• والذين يجادلون في تحريم الربا، قال سبحانه وتعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].
• والذين يجادلون في تحريم لحم الخنزير، قال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173].
• والذين يجادلون في ميراث المرأة ولماذا كان على النِّصف من ميراث الرجل؟ قال سبحانه وتعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11].
• أو في قوامة الرجل على الأسرة، قال سبحانه وتعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
• أو في لباس المرأة المسلمة المحتشم، قال سبحانه وتعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
وقال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59].
• فالقطعيَّات هي التي يجب أن تكون أساس التفقه والتعلم، وأساس الدعوة والإعلام، وأساس التربية والتعليم، وأساس الوجود الإسلامي كله.
_________________________
د. أشرف عبدالرحمن
- التصنيف:
- المصدر: