القلم الطيب والقلم الخبيث

منذ 2020-11-23

الكلمة المنطوقة والمكتوبة إما أن تكون مما ينفع الناس في معاشهم أو معادهم، وتلك هي الكلمة الطيبة، وإما أن تكون مما يضر الناس وهي الكلمة الخبيثة.

الحمد لله {عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}  [الرحمن: 2 - 4] أحمده حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تفرد بالخلق والملك والشرع، فلا يقع شيء إلا بأمره، ولا شرع يوصل إلى رضاه إلا شرعه {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54] وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله؛ أرسله الله تعالى على حين فترة من الرسل، ففتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، من أطاعه نجي من النار، وأدخل الجنة برحمة الله تعالى له، ومن عصاه فإنه يضر نفسه ولا يضر الله تعالى شيئا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فأوصيكم- أيها الناس- ونفسي بتقوى الله تعالى؛ فإنكم في زمن كثرت فيه فتن السراء والضراء، وغرق في لججها من غرق، وعصم الله تعالى من عصم، ولا نجاة إلا بلزوم التقوى {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر: 61].

 

أيها الناس: كانت البعثة النبوية ميلادا جديدا لأمة جديدة أراد الله تعالى لها الخيرية على كل الأمم التي قبلها، واختصها بأحسن كتبه، وامتن عليها بخاتم رسله {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164] نعم والله كانوا قبل بعثته صلى الله عليه وسلم في ضلال الشرك والجهل الذي أورثهم الذل والضعف والتفرق، وسوغ لهم أنواعا من الإثم والظلم والفساد.

 

إنها أمة أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة ولا الحساب إلا نُزَّاع منهم كانوا يقرأون لهم ويكتبون ويحسبون، قال النبي عليه لصلاة والسلام: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» (متفق عليه).

 

وأول ما نزل على رسولها صلى الله عليه وسلم الأمر بالقراءة، و جاء ذكر القلم في أول الآيات المنزلة؛ مما يشي بأهمية القلم وشرفه ومكانته {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5] إن الله تعالى قادر على أن يعلم البشر دون الحاجة إلى القلم، ولكنه سبحانه أراد أن يكون القلم وسيلة التعليم {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: 4] وزاد من شرفه وعلوه إقسام الله تعالى به على الوحي المكتوب {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}  [القلم: 1، 2]

 

والقلم أول مخلوق ليكتب به القدر؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال رب وماذا أكتب قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة» (رواه أبو داود).

 

وكما بين النبي صلى الله عليه وسلم أن القلم خلق أولا لكتابة المقادير فقد بين عليه الصلاة والسلام تاريخ القلم في البشر، وذكر أول من كتب به من الناس فقال عليه الصلاة والسلام عن إدريس عليه السلام (وهو أول من خط بالقلم).

 

وبالقلم تكتب مقادير العام في ليلة القدر {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4]

وبالقلم يكتب مصير الأجنة في بطون أمهاتهم؛ كما روى مسلم من حديث حذيفة بن أسيد رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول: يا رب أشقي أو سعيد؟ فَيُكْتبان، فيقول: أي رب أذكر أو أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص».

 

وبالقلم يكتب الملائكة أقوال المكلفين وأفعالهم {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] أي بكتابة ما يصدر عنه كما في قوله سبحانه: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: 10، 11].

 

وبالقلم يكتب الناس ما يحتاجون إلى كتابته مما تنتظم به مصالح دينهم ودنياهم، وأعلى ذلك وأشرفه كلام الله تعالى، وقد اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم كتابا يكتبون الوحي، وقصرهم على ذلك في أول الإسلام فقال عليه الصلاة والسلام «لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه»  (رواه مسلم).

 

ثم رخص لهم في كتابة كل ما يصدر عنه من قول أو فعل، كما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال: (كنت أكتب كل شيء اسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش عن ذلك، وقالوا: تكتب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الغضب والرضا؟ فأمسكت حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق»  (رواه أحمد).

 

وربما قدم عليه وفد من الوفود فعلمهم سنة من السنن، وبلغهم شيئا من العلم فيطلب بعضهم أن يكتب له ذلك فيقول عليه الصلاة والسلام ( اكتبوا لأبي فلان).

 

وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن مما يجري أجره للمسلم بعد موته علما ينتفع به، وأعظم وسيلة لحفظ هذا العلم المنتفع به: كتابته، وانظروا إلى كثرة ما خطته أقلام أسلافكم من أنواع العلوم والمعارف حتى وصل إليكم تدركوا قيمة القلم والكتابة.

 

وبالقلم تكتب تواريخ الأمم وأيامهم، وتدون أقوال العلماء والحكماء وأخبارهم، وتحفظ تجاربهم وأعمالهم، وما وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه في هذا العصر من تنوع العلوم والمعارف، وتقدم العمران والصناعات إلا بما دون من تجارب السابقين وأبحاثهم وخبراتهم، ولا يمكن أن يتخيل حال البشر في هذا العصر بلا قلم وعلم وكتابة إلا كحال الحيوان الذي لا يعقل شيئا.

 

وبالقلم تكتب عقود الناس وشروطهم في السلم والحرب، وفي التجارة والبيع، وفي القرض والرهن والدين وغير ذلك: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282]

 

وفي صلح الحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه:( اكتب الشرط بيننا ) (هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشا)، ودعا عليه الصلاة والسلام ملوك العالم إلى الإسلام بكتب كتبها وأرسلها إليهم.

 

وبلغ من عنايته صلى الله عليه وسلم بالقلم أنه جعل فداء من لم يستطع فداء نفسه بالمال من أسرى المشركين في بدر أن يعلم الواحد منهم عشرة من غلمان المدينة الكتابة، فكثرت الكتابة في المدينة بعد ذلك. وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه:(علمت ناسا من أهل الصفة الكتابة والقرآن) رواه أبو داود.

 

ورخص عليه الصلاة والسلام للنساء في تعلم الكتابة؛ كما في حديث الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها قالت:( دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال لي: «ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة»  (رواه أحمد).

 

والكلمة المنطوقة والمكتوبة إما أن تكون مما ينفع الناس في معاشهم أو معادهم، وتلك هي الكلمة الطيبة، وإما أن تكون مما يضر الناس وهي الكلمة الخبيثة.

 

والكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، كما أن الكلمة الخبيثة كالشجرة الخبيثة، وهذا التقسيم ضربه الله تعالى مثلا في القرآن؛ ليسارع الناس إلى طيب الكلم، ويجانبوا خبيثه {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}  [إبراهيم: 24، 26]

 

وإنما يعرف الكلام الطيب من الخبيث منطوقا كان أم مكتوبا بعرضه على الكتاب والسنة دون اعتبار لقائله ومصدره، فما كان موافقا للكتاب والسنة فهو الكلام الطيب الذي يرفع إلى الله تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] وما كان معارضا لهما فهو الكلام الخبيث، ولا يصدر الكلام الطيب إلا من طيب وطيبة، كما أن مصدر الكلام الخبيث كل خبيث وخبيثة {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26] قال جمهور السلف: الكلمات الخبيثة للخبيثين، ومن كلام بعضهم: الأقوال والأفعال الخبيثة للخبيثين.

 

والكذب من أخبث الكلام؛ لما فيه من تزوير الحقائق، وترويج الباطل، وغش الناس، فإذا كان هذا الكذب يبلغ الآفاق عبر صحيفة مكتوبة، أو قناة معروضة، أو إذاعة مسموعة ازداد خبثا إلى خبثه، ولما كان كثير من القائمين على وسائل الإعلام في هذا العصر من أصناف الخبيثين والخبيثات فإنهم يروجون لكل فكر ومنهج وسلوك خبيث، ويمتهنون الكذب المفضوح في ذلك، ولا يحترمون عقول المتلقين عنهم، ولا يخجلون من كذبهم، وقد دأب عوام الناس على وصف ما يشككون في صحته بأنه كلام جرائد، أو كلام إعلام.

 

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من خطورة هذا المسلك الخبيث، وبين «أن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزلّ بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب» (متفق عليه).

 

ورأى عليه الصلاة والسلام من أصناف المعذبين كذابا يبلغ كذبه الآفاق فسأل جبريل عنه فقال عليه السلام:( أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به إلى يوم القيامة ) رواه البخاري.

 

والمسلم كما هو مأمور بمجانبة كل خبيث وخبيثة من الناس، فهو كذلك مأمور بمجانبة الخبيث من الكلام سماعا من قناة أو إذاعة، أو قراءة من صحيفة أو مجلة أو رواية أو كتاب أو غير ذلك؛ لأن الكلام الخبيث يفسد قلبه، ويصرفه عن طيب الكلام.

 

وإذا كان المسلم مأمورا باجتناب اللغو منطوقا كان أم مكتوبا وهو في الشر والإفساد أخف من الخبيث، فكيف إذا بخبيث المنطوق والمكتوب.ومن صفات عباد الرحمن {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]  {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55] والإعراض عن اللغو يكون بالإعراض عن مصادره ووسائله التي ابتلي الناس بها في هذا الزمان أشد ابتلاء.

 

وجاء النهي عن حضور المجالس التي يخاض فيها بدين الله تعالى جهلا أو استكبارا، وجعل الله تعالى أهلها ظالمين: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]

 

بل جاء أن من جالس المستهزئين بآيات الله تعالى فهو منهم ولو لم يكتب أو يقل شيئا: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140].

 

فكم من المسلمين من يقتني من وسائل الإعلام من صحف ومجلات وفضائيات قد كرست مهمتها للاستهزاء بدين الله تعالى، والتلاعب بشريعته، وإخضاعها لإراء البشر وتخبطاتهم، ولا يحرك ذلك ساكنا عند من يقتنيها، بل يضحك ملء فيه، وينام ملء جفنه، وكأن دين الله تعالى لا يعنيه، ولسان حاله أن للبيت ربا يحميه، وقد أسلم نفسه وأهله وولده لما يكتب وينطق من خبيث الكلام ورديئه،وهو يعلم أنه سيحاسب عن ذلك كله، فنعوذ بالله تعالى من استحكام الغفلة، وتمكن الهوى، وذهاب الغيرة على حرمات الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يخفف عنا وعن المسلمين.

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله؛ أنار الطريق للسائرين، وجعل من عباده هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين، أحمده حمد الشاكرين، وأستغفره استغفار المذنبين، وأشهد ألا إله ألا الله وحده لا شريك له، رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إمام المرسلين، وخاتم النبيين، وسيد ولد آدم أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واحذروا الذنوب فإنها رافعة النعم، جالبة النقم: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

 

أيها الناس: الكتابة نعمة من الله تعالى يمن بها على من يشاء من عباده، ولا خير في قلم لا ينفع صاحبه عند الله تعالى، فإذا كان قلمه مصدر ضرر عليه في دينه فبئس القلم وبئس صاحبه، وكسره خير من بقائه.

 

إن الكتابة أضحت حرفة في هذا الزمن، وكل صاحب فكر ومبدأ ينافح عن فكره ومبدئه بقلمه.ومن الكتاب من يتأكل بكتابته فينتقل من أقصى الشمال إلى أقصى اليمين، ويثني اليوم على ما كان يشتم بالأمس؛ لأنه يكتب لمن يدفع أكثر، أو يدور مع القوي حيث كان، وكثير من كتاب الصحف والمجلات كانوا أيام الماركسية من أشد أعداء الليبرالية الإمبريالية، وبعد أفول الشيوعية انتقلوا بكل صفاقة ووضاعة إلى الليبرالية يتسولون على أبوابها، ويخطبون ودَّ أصحابها، حتى صاروا أشد إمبريالية من أهلها.

 

ومن أصحاب الأقلام من يتأكل بالشهوات والغرائز، فيتقيأ انحرافاته وشذوذاته الجنسية على أوراقه؛ ليشكل منها رواية تغوي القارئين والقارئات، وتستهوي المراهقين والمراهقات، وإذا ما أراد شهرة واسعة، ورواجا لروايته، وحماية له ولها في الدوائر الصهيونية والصليبية والعلمانية فما عليه إلا أن يضمن روايته سخرية بالله تعالى وبملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر؛ وعلى قدر سخريته بمقدسات المسلمين ينال نصيبه من الحماية والرعاية، ويحصد الجوائز والهبات والأوسمة، ولربما بلغ بذلك جائزة نوبل للأدب، كما حازها الكاتب الهالك نجيب محفوظ على روايته التي سخر فيها بكل مقدسات المسلمين، وأعلن في نهايتها موت الإله لصالح المادية، في رمزية جبانة، وإلحاد صارخ، وزندقة ظاهرة، تعالى الله عن إلحاده علوا ظاهرا.

 

إن هذا الكاتب الهالك الذي امتلأت الصحف بالكتابة عنه، وأفردت لسيرته وغوايته صفحات كاملة لا تفرد لموت العلماء بل ولا للزعماء ما هو في واقع الأمر إلا خبيث يحمل قلما خبيثا، سطر به فكره الخبيث. فهو حامل همِّ إحياء الفكر الفرعوني، وهو الداعي إلى الفكر الاشتراكي، ويكفيه سبقا في الإلحاد والزندقة أنه التلميذ الوفي للنصراني القبطي سلامة موسى الحاقد على كل شعيرة من شعائر المسلمين، الذي كان يتطلع إلى نقل مصر من إسلامها إلى الفرعونية.

 

إن هذا الروائي الهالك لم يخرج في جل رواياته عن أصلين عاش حياته من أجلهما، وسخر قلمه في خدمتهما: وهما الدعوة إلى الإلحاد باسم العلم في مقابل الدين، ونشر الإباحية والشذوذ في أوساط المسلمين، قابله أحد المعجبين به فقال له ( من الواضح أنك أصبحت تميل إلى الفكر الماركسي، فالماركسيون في رواياتك هم الأبطال الشهداء، وحاملوا الزهور الحمراء، وهم الذين يضيئون الحياة بنور الأمل في الظلمات. فرد عليه الروائي الهالك: لقد شخصتني فأجدت التشخيص ) وقام أحد مريديه والمعجبين به وبرواياته بقرأتها وسبر موادها، فعرف القاسم المشترك بينها، وأعلن نتيجة ذلك فقال: حفلت رواياته بحشد هائل من البغايا والراقصات والقوادين والديوثيين واللصوص والنشالين والفتوات وصانعي العاهات والمرتشين والملحدين.

 

وفي مقام آخر يزعم أن الغربيين حلوا المشكلة الجنسية بنشر الإباحية، وأن هذا الحل في نظره ناجع في بلاد المسلمين، فيقول: أما عن حل المشكلة الجنسية في مجتمعنا فأنا لا أستطيع أن أقوله، ولا أنت تكتبه ! ولكنني أستطيع أن أقول:( أوروبا تمكنت من حل المشكلة الجنسية بطريقتها الخاصة، تجد أن البنت عمرها خمسة عشر عاما تلتقي في حرية تامة مع أي شاب، لا مشكلة جنسية، ولا مشكلة عفاف ولا بكارة، وحتى إذا أثمرت العلاقة طفلاً، فالطفل يذهب إلى الدولة كي تربيه إذا كانت أمه لا تريد ) هكذا يريد لبنات المسلمين أن يكن بغايا وفاسقات كما كان نساء الغرب.

 

لقد مضى هذا الهالك إلى رب عدل سيحاسبه على ما خط بقلمه ولا يظلمه شيئا، ولكن الجريمة كل الجريمة، والتزوير كل التزوير ما يمارسه كثير من الإعلاميين والصحفيين من تضليل العقول، وممارسة الكذب على المكشوف بالإشادة بهذا الهالك مع إخفاء حقيقة فكره وانحرافه عن الناس، بل والاستماتة في الدفاع عنه، والنيل ممن يفضحونه، وسيلتهم في ذلك:الكذب والتزوير.فأين احترام العقول؟! بل أين احترام زبائنهم من قراء صحفهم؟! أفلا كان عندهم من الشجاعة أن يظهروا حقيقة فكره لقرائهم، ثم يختار القراء بين دينهم وبين روائيهم الهالك؟!

 

لقد كذبوا ثم كذبوا، ودافعوا عن إلحاده وزندقته، ووصفوه بالراحل الكبير، وبالقامة الشامخة في بلاد المسلمين، ونقلوا كما كبيرا من أقوال زملائه وتلامذته ومريديه، ولم ينقلوا شيئا من أقوال من أبانوا حقيقة فكره، بل هاجموهم ووصفوهم بأبشع الأوصاف، فأين هي الموضوعية التي يتشدقون بها، وأين هي دعوتهم إلى قبول الآخر واحترام الآراء الأخرى؟ وإن تعجب فعجب من وصف بعض الصحف لروائيهم بأنه متدين، فيا لضحالة عقولهم، ويا لسخافة أقلامهم، ولو خرج صاحبهم من قبره لوبخهم أشد التوبيخ؛ لأنه كان يفاخر بحربه للدين، فكيف يصفونه بالمتدين، نعوذ بالله من الهوى والردى، ونسأله الهدى والتقى اللهم يا حي يا قيوم إن هذا الروائي قد تطاول على ربوبيتك وعلى ملائكتك وكتبك ورسلك، وسخر بشعائر دينك، اللهم فعامله بما يستحق فأنت الحكم العدل، اللهم من أثنى عليه وهو يعلم حاله فاحشره معه، ومن أثنى عليه وهو لا يعلم حاله فتب عليه من زلته، وأنر بصيرته، وخذ بيده للبر والتقوى.اللهم واهد ضال المسلمين، وأصلح أحوالهم، وأمنهم في أوطانهم، واكفهم شر الأشرار وكيد الفجار، والحمد لله رب العالمين.

 

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.

  • 7
  • 1
  • 2,144

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً