المسيح نبي الله
نعود الآن لنرى المسيح نبي الله كما تتحدَّث عنه الأناجيلُ، فنجد في أناجيلِ (متى 13: 54 - 58) وكذلك (مرقس ولوقا): "ولما جاء إلى وطنه كان يعلِّمهم في مَجمعهم حتى بُهتوا، وقالوا: من أين لهذا هذه الحكمة والقوات؟! أليس ابن النجار؟! أليست أمُّه تُدعى مريم، وإخوته يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا؟! أوَليست أخَواته جميعُهن عندنا؟! فمن أين لهذا هذه كلُّها؟! فكانوا يعثرون به.
وأما يسوع، فقال لهم: ليس نبيٌّ بلا كرامة إلا في وطنه وفي بيته، ولم يصنع هناك قوات كثيرة لعدم إيمانهم"، وكذلك يقول إنجيل (مرقس 6: هـ.) في هذا المقام: "ولم يقدر أن يصنع هناك ولا قوة واحدة"! لقد عجز المسيح هنا عن صنع المعجزات.
فلو كان المسيح إلهًا أو ابنَ الله، لكان قادرًا على صُنع المعجزات بصرف النَّظر عن سوء استقبالهم له، وتأثُّره نفسيًّا بذلك.
ويقول متى في إنجيله (إصحاح 21 عددي 10، 11): "ولما دخل أورشليم ارتجَّت المدينة كلها قائلةً: مَن هذا؟ فقالت الجموع: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل"، فهذه هي شهادة الشهود الذين عايَنوه ورأَوا معجزاته، ولم يقُل واحد منهم: إنه إلهٌ أو ابن الله.
ونجد في إنجيل (لوقا 7: 11 - 16): "وفي اليوم التالي ذهب إلى مدينة تُدعى نابين، وذهب معه كثيرون من تلاميذه وجمعٌ كثير، فلما اقترب إلى باب المدينة إذا ميت محمول، ابنٌ وحيد لأمه، وهي أرملة، ومعها جمع كثير من المدينة.
فلما رآها الرب تحنَّن عليها وقال لها: لا تبكي، ثم تقدَّم ولمس النعش، فوقف الحاملون.
فقال: أيها الشاب، لك أقول: قم، فجلس الميت وابتدأ يتكلم، فدفعه إلى أمه، فأخذ الجميعَ خوفٌ ومجَّدوا الله قائلين: قد قام فينا نبيٌّ عظيم، وافتقد الله شعبه".
لقد أقام المسيح ميتًا بعد أن صلى إلى الله سبحانه وتعالى ليمنَحه القوة والتأييد، وبعد أن صنَع هذه المعجزة العظيمة بإحياء ذلك الميت نجد شهودَ هذه الحادثة الكبيرة لم يفقدوا صوابهم ويَقولون عنه: إنه إله، أو ابن الله، وإنما قالوا: "قد قام فينا نبيٌّ عظيم، وافتقد الله شعبه". (لوقا 7: 16).
المسيح رسول الله:
وننتقل الآن للحديث عن المسيح رسول الله؛ فنجد في إنجيل (يوحنا 13: 16): "الحق الحق أقول لكم: إنه ليس عبدٌ أعظم من سيِّده، ولا رسولٌ أعظم من مرسِله".
وكذلك في إنجيل (يوحنا 8: 37 - 40): "أنا عالم أنكم ذريَّة إبراهيم، لكنكم تطلبون أن تقتلوني؛ لأن كلامي لا موضعَ له فيكم، أجابوا وقالوا له: أبونا هو إبراهيم، فقال لهم يسوع: لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تَعملون أعمال إبراهيم، ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني، وأنا إنسان قد كلَّمكم بالحقِّ الذي سمعه من الله".
وكذلك نجد في إنجيل (يوحنا 8: 44 - 45) يدمَغُ المسيحُ اليهودَ بالأبالسة قائلاً: "أنتم من أبٍ هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا! ذاك كان قتالاً للناس من البدء، ولم يثبت في الحق؛ لأنه كذَّاب وأبو الكذاب".
إحياء الموتى:
لم تكن هذه أوَّلَ مرة يرى فيها اليهود نبيًّا يُحيي ميتًا؛ فقد سبق أن أقام كلٌّ من إيليا واليشع ميتًا، بل إنَّ عظام اليشع في قبره قد أحيت ميتًا بعد أن مسَّ جسده عظام اليشع، وكذلك أقام حزقيال جيشًا من الموتى كما هو ثابتٌ في أسفار العهد القديم؛ ففي (سفر الملوك الأول 17:17 - 24) الذي يقول: "وبعد هذه الأمور مرض ابن المرأة صاحبة البيت، واشتد مرضه جدًّا، حتى لم تبق فيه نسمة، فقالت لإيليا: ما لي ولك يا رجل الله؟! هل جئت إليَّ لتذكير إثمي وإماتة ابني؟! فقال لها: أعطيني ابنك، وأخذه من حضنها وصعد به على العلية التي كان مقيمًا بها، وأضجعه على سريره، وصرخ إلى الرب وقال: أيها الربُّ إلهي، أأيضًا إلى الأرملة التي أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك ابنها! فتمدد على الولد ثلاث مرات وصرَخ إلى الرب وقال: يا رب، إلهي، لترجع نفسُ هذا الولد إلى جوفه، فسمع الرب لصوت إيليا، فرجعت نفس الولد إلى جوفه، فعاش، فأخذ إيليا الولد، ونزل به من العلية إلى البيت، ودفعه لأمه، وقال إيليا: انظري؛ ابنُك حي! فقالت المرأة لإيليا: هذا الوقت علمت أنك رجل الله، وأن كلام الرب في فمك حقٌّ".
وكذلك في (سفر الملوك الثاني 4: 32 - 37): "ودخل اليشع البيت، وإذا بالصبيِّ ميت مضطجع على سريره، فدخل وأغلق الباب على نفسيهما كليهما، وصلى إلى الرب، ثم صعد، واضطجع فوق الصبي، ووضع فمَه على فمه، وعينيه على عينيه، ويديه على يديه، وتمدَّد عليه، فسخن جسد الولد، ثم عاد وتمشى في البيت، تارة إلى هناك، وصعد وتمدد عليه، فعطس الصبي سبع مرات، ثم فتح الصبي عينيه، فدعا جيحزي، وقال: ادع هذه الشونمية، فدعاها، ولما دخلت إليه قال: احملي ابنك، فأتت وسقطت على رجليه، وسجدت إلى الأرض، ثم حملت ابنها وخرجَت".
وأكثر من هذا ما فعلَته عظام اليشع بعد موته؛ إذ يقول (سفر الملوك الثاني 13: 20 - 21): "مات اليشع فدفنوه، وكان غُزاةُ مُوآبَ تدخل على الأرض عند دخول السَّنة، وفيما كانوا يدفنون رجلاً إذا بهم قد رأوا الغُزاة، فطرحوا الرجل في قبر اليشع، فلما نزل الرجل ومس عظام اليشع عاش وقام على رجليه"!
ونَذكر كذلك معجزةَ حزقيال كما هو مكتوبٌ في سفره (إصحاح 37 عدد 1 - 10): "كانت على يد الربِّ، فأخرجني بروح الرب، وأنزلني في وسط البقعة وهي ملآنة عظامًا، وأمرني عليها من حولها، وإذا هي كثيرة جدًّا على وجه البقعة، وإذا هي يابسة جدًّا، فقال لي: يا ابن آدم، أتحيا هذه العظام؟ فقلت: يا سيد الرب، أنت تعلم، فقال لي: تنبَّأ على هذه العظام، وقل لها: أيتها العظام اليابسة، اسمعي كلمةَ الرب، هكذا قال السيد الرب لهذه العظام، وقل لها: هأنذا أُدخل فيكم روحًا فتحيَون، وأضع عليكم عصبًا، وأكسيكم لحمًا وأبسط عليكم جلدًا، وأجعل فيكم روحًا، فتحيَون وتعلمون أني أنا الرب، فتنبَّأتُ كما أُمرت، وبينما أنا أتنبأ كان صوتٌ وإذا رعش فتقاربت العظام، فدخل فيهم الروح فحيوا، وقاموا على أقدامهم جيش عظيم جدًّا جدًّا".
بعد ذلك نجد أنَّ مُعاصري المسيح الذين آمنوا به كانوا يؤمنون أنَّه نبي الله، ولا شيء أكثر من هذا؛ فها هو إنجيلُ (لوقا 24: 19): "فقال لهما: وما هي؟ فقالا: المختصة بيسوع الناصري الذي كان إنسانًا نبيًّا مقتدرًا في الفعل أمام الله وجميع الشعب"، وكذلك يقول إنجيل (يوحنا 6: 14): "فلما رأى الناس الآية التي صنعَها يسوع قالوا: إنَّ هذا لحقيقة النبي الآتي إلى العالم".
- التصنيف:
- المصدر: