هل اتهم البدوي بترك صلاة الجمعة ؟
فلما فرغ الخطيب من خطبة الجمعة وأقيمت الصلاة وقمنا لأداء الصّلاة ، وضع الشيخ أحمد البدوي رأسه في طوقه ، بعدما قام قائمًا وكشف عن عورته بحضرة النَّاس وبال على ثيابه وعلى حصر
قد تستشنع تلك التهمة الخطيرة ، وتعتبرها من افتراءات خصوم الصوفية المعاصرين ، وكارهي الأولياء ، ومنكري الكرامات ، ....الخ ، وأنها لم تذكر إلا في كتاب مكذوب على صاحبه وهو طبقات الشعراني .
لكن الحقيقة أن تلك التهمة تعود لزمن متقدم جدا ، وليست من اختراع المعاصرين ، ولعل أقدم من حكاها هو المؤرخ المعروف المقريزي ، وقد ولد عام 766 هجرية ، أي بعد وفاة البدوي بأقل من مائة عام ، وبين المقريزي وبين من حضر الواقعة رجل واحد من شيوخه ، وهو يحكيها بالسند المتصل وصيغة " أخبرنا " مما يصعب معه التشكيك في صحتها ، بل يلزم من ذلك اتهام أحد رواتها الثلاثة بالكذب !!
قال المقريزي " أخبرنا شيخنا المقرئ النحوي شمس الدين محمد بن محمد الغماري رحمه الله ، قال: أخبرنا شيحنا العلامة أثير الدين أبو حيان النفري رحمه الله ، قال: ألزمني الأمير ناصر الدّين محمد بن جنكل ابن البابا بالمسير معه بالزيارة للشيخ المعتقد أحمد البدوي بناحية طنتدى فوافيناه يوم الجمعة .
فإذا به رجل طوال عليه ثوب جوخ عال وعمامة صوف رفيع ، والنّاس تأتيه أفواجا ، فمنهم من يقول: يا سيدي خاطرك مع غنمي : ومنهم من يقول: خاطرك مع بقري ومنهم من يقول: زرعي إلى أن حان وقت صلاة الجمعة ، فنزلنا معه إلى الجامع بطنتدى ، وجلسنا في انتظار الصّلاة.
فلما فرغ الخطيب من خطبة الجمعة وأقيمت الصلاة وقمنا لأداء الصّلاة ، وضع الشيخ أحمد البدوي رأسه في طوقه ، بعدما قام قائمًا وكشف عن عورته بحضرة النَّاس وبال على ثيابه وعلى حصر
المسجد واستمر ورأسه في طوق ثوبه ، وهو جالس حتى انقضت الصلاة ولم يُصل! " درر العقيدة الفريدة للمقريزي 3 / 77 ، ونفس القصة نقلها السخاوي في كتابه الضوء اللامع 9 / 150 .
طبعا القصة مؤلمة في تفاصيلها ، وما فيها من غلو مقيت من العوام في البدوي ، وليس القصد ابتداء الانشغال بالرجل نفسه فقد أفضى إلى ربه ، وحتى لو كان من الأولياء الصالحين حقا فلن يغير ذلك من المقصود الأساسي من هذا الكلام، وهو محاربة الخرافة ، والغلو في البشر ، وتعطيل العقول ، وتعلق القلوب تعلقا غيبيا بأحد سوى الله سبحانه ، ودعاء غيره ، وطلب جلب النفع أو دفع الضر من أحد سواه.
- التصنيف: