الثقة بالنفس أم ماذا؟

وصف يتناقله الناس لتحديد رؤية المرء لذاته وهو الثقة بالنفس والذي لاقى انتقادًا من البعض ،لأنه يجب أن يُستبدل به الثقة بالله ،والحقيقة أن الثقة بالله هو معنى مختلف عن المعنى المراد ،فالثقة بالله شئ واجب لأنه يعنى حسن الظن بالله وتوقع الخير منه دائمًا واليقين بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ،والثقة بالله وحسن الظن به ينشأ عن العلم بأنه رحمن رحيم لطيف رؤوف وفي نفس الوقت قادر قوي عظيم وغيرها من الصفات التي تثبت عظمته وعلوه ومطلق التنزيه له عن كل نقيصة وأنه المستحق لمطلق الثناء الجميل.

أما تداول كلمة الثقة بالنفس فمدلولها هو تقدير الذات ،وتقدير الذات أمر محبوب شرعًا لأنه الحافز على قيام الإنسان بواجباته على اختلاف أنواعها نحو ربه ونحو نفسه ونحو مجتمعه المسلم بل نحو البشرية كلها ،وتقدير الذات يكون بدءًا من رضاه عن خلقه الذي هو من صنع الله ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم عند النظر في المرآة : «اللَّهمَّ كما أحسنتَ خَلْقِي ، فأَحْسِنْ خُلُقِي» صحيح الترغيب . ثم مرورًا بمواهبه التي منحها الله إياها ثم انتهاءً بما قسم الله له من الرزق أيًا كان نوع هذا الرزق فكما هو معروف أن ليس كل الرزق مال وكما قالوا العافية رزق والأمان رزق وغيرها من الأرزاق أما رزق الأرزاق فهو الإيمان و الرضا .وجوهر الأمر أن المقصود بالثقة بالنفس هو تقدير الذات وقبولها ،وهو شئ إيجابي كما ذكرنا ،وننوه هنا إلى هذا الجانب من قصة يوسف عليه السلام عندما أعرب عن قدرته على إدارة اقتصاد مصر وهي مقبلة على أزمة محققة قال تعالى على لسان يوسف : " {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴿٥٥﴾} "[يوسف : 55]

كما أن هذا الشعور الذي حظى به معظم الصحابة رضوان الله عليهم هو الذي حقق لهم التفوق كلٍ في مجاله ،وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعم ويؤصل هذا الشعور بالتفوق والتميز في مجال ما، لدى كلٍ شخص على حدة حتى أنه على سبيل المثال كان يطلق على خالد ابن الوليد الوصف الشهير بأنه سيف من سيوف الله - وليس سيف الله المسلول كما هو شائع -وغيره  حتى بادت الغالبية العظمى منهم أعضاء فعالين ومؤثرين في الدولة المسلمة التي ظلت تقوى وتقوى بالسير على هذا النهج ولم تتراجع إلا في القرون التالية بعد أن تنافس القادة والرعية على الدنيا وأبُدلت بتلك الأنظمة التي تعتمد على الكفاءات الأنظمة التي لا تضع الشخص المناسب في المكان المناسب حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن والله المستعان.