رمضان شهر البركات
إذا ما انقضى اليوم التاسع والعشرون من شهر شعبان، تلهفت القلوب، وشنَّفت الآذان؛ فكل مؤمن يحب اللهَ ورسوله حريص على الأجر والخير، يترقَّب إعلان ثبوت الشهر الفضيل، شهر البركة والمغفرة، والإنابة والتوبة، والعتق والرحمة، شهر رمضان الخير.
إذا ما انقضى اليوم التاسع والعشرون من شهر شعبان، تلهفت القلوب، وشنَّفت الآذان؛ فكل مؤمن يحب اللهَ ورسوله حريص على الأجر والخير، يترقَّب إعلان ثبوت الشهر الفضيل، شهر البركة والمغفرة، والإنابة والتوبة، والعتق والرحمة، شهر رمضان الخير.
كم يتشوف الصالحون للُقْياه، وهو الذي يحجُبُهم عن الملذات والشهوات، يُجيعهم ويُظمئهم، ويُسهِرهم ويُتعِبهم، لكنهم يستعذبون تعب الصيام، ويَستحْلُون سهر القيام، وما ذلك إلا من أثر حلاوة الإيمان، والطمع بجزيل الثواب من الله الديان.
فاللهم أهِلَّه علينا باليُمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وأعِنَّا فيه على الصيام والقيام، وسائر أعمال البر والإحسان.
في تسعة وعشرين يومًا أو ثلاثين يتسابق المؤمنون، ويتبارى المسلمون، لا من أجل عرَضٍ زائل، أو دنيا فانية، بل في سبيل الله والدار الباقية؛ {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين: 26].
فما أجملَها من أيام وليالٍ، تزكو فيها النفوس، وتصفو القلوب، وترتقي الهمم، وتسمو الغايات، وتعرُج الأرواح إلى ربها مُخبِتة منيبة، وتسجد الجباهُ لخالقها معظِّمةً طائعة، وتلهج الألسنة بالحمد لبارئها شاكرة مثنية، وتمتد الأيادي بالعطاء مُعِينة مواسية، تجتمع فيه القلوب كاجتماع الدرر في السِّمط؛ لتتجلى معاني الأخوة الإسلامية في أبهى صورها ومظاهرها.
فقل لي بربك: أشهدت تكافلاً وتعاونًا وبذلاً وعطاءً يماثل أو يقارب ما نشهده في رمضان؟
أرأيت حرصًا على الخير، وإقبالاً على الطاعة والعبادة كما يكون في رمضان؟
فسُبحانَ من اصطفى من الأيام أيامَه، ومن الليالي لياليَه، فخصها بما خصها من اجتماع الخيرات والبركات، والمؤنسات والمسرَّات.
بل أكثر من ذلك أأكَلْتَ طعامًا ألذَّ وأطيبَ من طعام رمضان؛ فطورِه وسحورِه؟
في سائر أيام السنة تأكل استجابة لغريزة ركزها الله فيك، أما في رمضان فإن في أكلك معنى جديدًا زائدًا، هو الاستجابة لسيدِك، والطاعة لمولاك؛ فلذلك يجد الصائمُ فرحةً عند فطره.
قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «للصائم فرحتانِ يفرحهما؛ إذا أفطر فرح بفِطره، وإذا لقي ربَّه فرِح بصومه».
وفرح الدنيا بالطاعة لا يساوي شيئًا من فرح الآخرة بالثواب عليها، وعبادة الصوم ما حدَّد الربُّ أجرها؛ تعظيمًا لشأنها؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: «ما من حسنة عملها ابنُ آدم إلا كتب له عشر حسنات إلى سبعمائة ضِعف؛ قال الله - عز وجل -: إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدَع شهوته وطعامه من أجلي».
وحريٌّ بالمسلم أن يدقق ويتدبر في قوله: ((من أجلي))؛ ليصلح النية ويعالجها؛ فالأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، والله لا يقبَلُ من العمل إلا ما كان خالصًا وابتُغي به وجهُه، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والنَّصَب، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السَّهَر والتَّعب.
أما أهل الإخلاص، فقد وعدهم الكريم بخير موعود؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه».
وقال أيضًا: «مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه».
والتَّعِس مَن تمرُّ أيامه ولياليه وهو سادِرٌ في غيِّه وغفلته، يتقلب في حرمانه وشِقْوته، قد أصابته دعوةُ سيِّدِ الملائكة المقرَّبين، التي أمَّن عليها سيدُ الأنبياءِ والمرسلين «رغِم أنفُه مَن أدرك رمضان ولم يُغفَرْ له»، وكيف ينجو من أرغم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنفه؟
إن شهرًا جعله الله ظرفًا لاتصال أسباب السماء بأسباب الأرض، ووقتًا لبدء الوحي، وإنزال القرآن ليحيا الناس على بصيرة من بعدِ العمى، ويسيروا بالهدى من بعد الضلال - لهو خيرُ زمن يُشكَر الله فيه على عظيم فضله، ووافرِ نعمته الدينية والدنيوية، وشكرُ الله يكونُ بطاعته وعبادته، فمن ذلك اجتمعت في رمضان أنواعٌ من الطاعات والعبادات، فاللهم اجعَلْنا من الشاكرين في شهر أكرمتنا فيه بهذا الدين القويم.
قال -تعالى-: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» [البقرة: 185]، إنه شهرُ القرآن، فيه بدأ نزوله في ليلةٍ خيرٍ من ألف شهر؛ قيامُها إيمانًا واحتسابًا يغفِرُ ما تقدم من الذنب؛ كما أخبر الصادقُ المصدوق - عليه السلام.
«إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» [القدر: 1 - 5].
وفيه كان جبريلُ يدارس النبيَّ - عليه الصلاة والسلام - سُوَرَه وآياتِه؛ فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيُدارِسُه القرآن؛ فلرسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجودُ بالخير من الريح المرسلة".
فهو أولى الأزمان ليعمُرَه المسلم بتلاوة القرآن، وتدبُّره والتأمل في معانيه، والتفكر في أخباره وقصصه، والاتِّعاظ بترهيبه وترغيبه، والحرص على فهمِ أمره ونهيه، ويا حسرةً على هاجر القرآن! وألف حسرة وحسرة على هاجره في رمضان!
فيا معشر المسلمين، شمِّروا؛ فقد جاءكم الشهرُ بخيره، واعلموا أن مناديًا ينادي في كل ليلة: يا باغيَ الخيرِ، أقبل، ويا باغيَ الشَّرِّ، أقصِرْ!
فاللهم إنا نسألك إقبالاً لا إدبارَ بعده، ونعوذُ بك من الحَوْرِ بعد الكَوْرِ؛ أنت القريبُ المجيب.
__________________
الكاتب: رامي بن أحمد ذوالغنى
- التصنيف: