بر الوالدين

منذ 2021-06-03

هنيئا لمن كان بارا محسنا لوالديه، طوبى لمن كان بالبر موصوفا... هنيئا لك أيها الابن البار رضي الله عنك والله لو لم يكن في بر الوالدين إلا رضى الله لكان حريا بنا ألا نفرط ولا نقصر في برهما.

بر الوالدين

من أعظم الفرائض بر الوالدين، فهو عبادة عظيمة وعمل صالح يلحق أثره في الدنيا والآخرة، بر الوالدين قرين الأمر بعبادة الله تعالى:{واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} لا يتحقق شكر الله إلا بشكر الوالدين {أن اشكر لي ولوالديك} بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله مقدم على الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها»، قلت ثم أي؟ قال:«بر الوالدين»، قلت ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله».

 

بر الوالدين به تنال الراحة ويتحقق الأنس واللذة القلبية، بر الوالدين جنة الدنيا، بر الوالدين جهاد ومجاهدة وتغلب على رغبات النفس، يا من يريد رضا الله ويا من يطع في رضا الله عليك بالبر قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي والحاكم وصححه، مرفوعا من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد».

 

الله أكبر... هنيئا لمن كان بارا محسنا لوالديه، طوبى لمن كان بالبر موصوفا... هنيئا لك أيها الابن البار رضي الله عنك والله لو لم يكن في بر الوالدين إلا رضى الله لكان حريا بنا ألا نفرط ولا نقصر في برهما.

 

أيها المؤمنون:

من البر بالوالدين إلانة القول لهما واختيار أحسن الكلمات عند مخاطبتهما واللين والتلطف معهما وخفض الجناح لهما وعدم رفع الصوت عليهما، هذا ابن عون أحد السلف رحمه الله، نادته أمه، فأجابها، فعلا صوته صوتها، فندم على ذلك وأعتق رقبتين توبة إلى الله تعالى وكفارة لما فعل.

 

يا عباد الله: نحتاج إلى أن نعيد النظر في طريقة مخاطبتنا لوالدينا، وإعادة النظر في الكلمات التي نخاطبهم بها.

 

هذا نبي الله إبراهيم عليه السلام يخاطب والده المشرك ويقول: (( يا أبت... يا أبت )) لنبتعد عن كلمات التضجر والترفع عليهما ألم يقل لنا ربنا {ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما} قال بعض السلف: (( لو كان هناك أقل من الأف لنهى الله عنه )) ما أحوج الوالدين إلى أن يسمعا كلمات الحب والثناء والعطف والحنان والرحمة.

 

من الأولاد من يقول: لم أتعود، لساني لم يتعود على قول كلمات الحب ولعطف لوالدي ووالدتي، فيقال: العلم بالتعلم، حاول مرة ومرتين في أن تقول لوالديك كلمات طيبات ملؤها التقدير والحنان ومن ثم سيعتاد لسانك قولها.

 

ومن الألفاظ التي لا يناسب قولها عن الوالدين عندما يصف أحدهم والده ويقول: الشايب، ويصف والدته ويقول: العجوز، فدائما على لسانه يقول: الشايب والعجوز، وحينما يسأل غيره عن والديه يقول كيف الشايب والعجوز، وأظن أن هذه من الكلمات التي ينبغي تجنبها وخير منها أمي وأبي، والدي ونحو ذلك.

 

من البر يا مؤمنون: أن يكون الأبناء أذكياء في معرفة ما يحب الوالدان من لباس وطعام وشراب وكلمات وتصرفات وأماكن فيسعى الأبناء في تحقيق رغبة الوالدين من غير ما يطلبانها.

 

ومن الذكاء في البر أن يعرف الأبناء ماذا يكره الوالدان من لباس وطعام وشراب وكلمات وتصرفات وأماكن فيسعى الابناء في تجنب ذلك وتركه والابتعاد عنه.

 

ومما يذكر هنا من ما انتشر من عادة سيئة وهي (الانشغال بالجوال عند زيارة الوالدين)، فيحضر الابن او البنت بجسده وأما عقله وذهنه فمشغول، وحينئذ لا معنى للزيارة فهي جسد بلا روح، لا قيمة لتلك الزيارة لأنها جامدة لا حياة فيها.

 

وكم من أم وأب يتضايق من تلك العادة ولكن مشاعر الأمومة والأبوة تجعلهما لا ينهيان أبناءهما عن الانشغال بالجوال أثناء الزيارة والا فهما يتضايقان، ويريدان أن يمنحهما الأبناء الاهتمام بدل الانشغال بالجوال ونحوه.

 

إننا أحوج ما نكون إلى أن نراجع تصرفاتنا وأن نبادر في الاعتذار وإصلاح أخطائنا تجاه والدينا ونلتمس رضاهما، جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئت أبا يعك على الهجرة وتركت أبويَ يبكيان، فقال: «ارجع عليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما» (رواه أحمد).

 

إخوة الاسلام: قد يحصل تقصير من الوالدين تجاه أولادهما ولكن هذا ليس مبرراً في التقصير في حقهما وليس مبرراً في عقوقهما فعلى أبيك ما حُمل، وعليك ما حملت من الواجبات، والله جل جلاله أمر ببر الوالدين وإن كانا كافرين {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}.

 

والواجب الصبر على الوالدين، عن أبي هريرة قال: مرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن أبي سلول وهو في ظل فقال: قد غبر علينا ابن أبي كبشة- يقصد رسول الله- فقال ابنه عبدالله: والذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب لئن شئت لأتيتك برأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا، ولكن بُر أباك وأحسن صحبته»  (رواه الطبراني).

 

أيها المؤمنون:

إذا تقدم العمر بالوالدين وبلغا مرحلة الضعف والشيبة وأرذل العمر هنا يحتاجان إلى بر يصحبه سعة صدر وصبر ومعاملة خاصة ورحمة وعطف وأن يروض الأبناء أنفسهم في طريقة التعامل مع كبير السن، ولذا خص النبي صلى الله عليه وسلم برهما في مرحلة الكبر بالذكر وأنه سبب لدخول الجنة روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رغم أنفُ ثم رغم أنفُ ثم رغم أنف» قيل من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة».

عباد الله: لا يمكن لأحد أن يكون كاملاً في بره بوالديه مهما كان عنده من حرص واهتمام ولو أمضى عمره كله في البر لأن حقهما عظيم جدًا. ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه»  (رواه مسلم).

 

نسأل الله أن يتجاوز عن تقصيرنا في برنا بوالدينا.

عباد الله: بر الوالدين كما هو في حال حياتهما فهو كذلك واجب بعد موتهما بل هما أشد حاجة للبر بعدما أصبحا رهينين في قبريهما فالوالدان يتشوقان إلى دعوة صالحة وإلى عمل صالح يصل ثوابه إليهما. عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله هل بقي من بر أبويَ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصلاة عليها، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما». (رواه أحمد وأبو داود).

 

بل إن الوالد يرفع في الجنة المنازل العالية فيتعجب من ذلك ويقول أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك). رواه أحمد.

 

يا مؤمنون:

كلنا يريد الجنة.. كلنا يطمع في دخول الجنة أليس كذلك. إذا عليكم يا عباد الله ببر آبائكم وأمهاتكم فذاك طريق موصول للجنة قال عليه الصلاة والسلام: «الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه» رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. ومعنى أوسط أبواب الجنة خيرها وأفضلها وأعلاها وأحسنها دخولا.

 

أتعرفون حارثة بن النعمان رضي الله عنه؟ وما هي ثمرة بره بأمه؟ استمعوا لعاقبة بره بأمه. روى النسائي وأحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دخلت الجنة فسمعت قراءة فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا حارثة بن النعمان فقال رسول الله: كذلك البر، كذلك البر، كذلك البر، وكان أبر الناس بأمه».

 

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا.. اللهم ارزقنا برهم أحياء وأمواتا.. اللهم تجاوز عن تقصيرنا في برهم.. اللهم ردنا إليك ردا جميلا.

 

اللهم اجعلنا من الأبناء البررة ولا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا اللهم إنا نعوذ بك من العقوق.. اللهم من كان حيا من آبائنا وأمهاتنا فمتعه بالصحة والعافية وزيادة الطاعة وفرج همه وغمه ومن كان ميتا فاغفر له وارحمه واجعل قبره روضة من رياض الجنة.

 

اللهم اجمعنا مع والدينا في جناتك جنات النعيم. وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.

_____________________________________
الكاتب: الشيخ سليمان السلامة

  • 14
  • 1
  • 17,061

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً