منهج الإمام الشاطبي في استعماله للرموز
جعل الإمام الشاطبي له منهجًا في الترتيب بين الكلمة القرآنية والرمز الحرفي (سواء دال على قارئ أو أكثر)
{بسم الله الرحمن الرحيم }
الأستاذة/ عزة عبد الرحيم سليمان
الحمد لله وحده، والصلاة على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه، وبعد:-
في هذا البحث محاولة لتقسيم الرموز التى ذكرها الإمام الشاطبي - رحمه الله - ومنهجه في استعماله لها؛ دفعني لكتابته أن الإمام الشاطبي ذكر منهجه في الترتيب بين الكلمة القرآنية والرمز الحرفي والرمز الكلمى مفرقًا في المقدمة، وليس مجتمعًا في أبيات متتالية؛ كما وجدت خلطًا في فهم الترتيب بين الرموز الفردية، والجماعية الحرفية والكلامية، عند كثيرٍ ممن أتعامل معهم إقراءً، والله أسأل توفيقًا وبركة إنه كريم منان.
ـــــ جعل الإمام الشاطبي حروف (أبا جاد) وهى حروف الهجاء دليلًا على كل قارئ من القراء السبعة ورواتهم أوَّل أولا، أي الأول من حروف أبي جاد للأول من القراء حيث قال:
جَعَلْتُ أَبَا جَــــــادٍ عَلَى كُلِّ قَارِئٍ *** دَلِيـــــــلًا عَـــلَى المَنْــــــــظُـومِ أَوَّلَ أَوَّلَا
ثم قسم هذه الرموز إلى رموز حرفية، ورموز كلامية، وقسم الرموز الحرفيه إلى: رموز تدل على قارئ واحد، ورموز تدل على أكثر من قارئ، أما الرموز الحرفيه التى تدل على قارئ واحد فهى كالآتي:
أبج: نافع وراوييه
أ : نافع
ب : قالون
ج : ورش
دهز: ابن كثير وراوييه
د : ابن كثير
ه : البزى
ز : قنبل
حطى:أبو عمرو وراوييه
ح : أبو عمرو
ط : الدورى
ي : السوسي
كلم:ابن عامر وراوييه
ك : ابن عامر
ل : هشام
م : ابن ذكوان
نصع:عاصم وراوييه
ن : عاصم
ص : شعبة
ع : حفص
فضق:حمزة وراوييه
ف : حمزة
ض : خلف
ق : خلاد
رست:الكسائى وراوييه
ر: للكسائى
س: أبو الحارث
ت: الدورى
الرموز الحرفيه التى تدل على أكثر من قارئ فهي كالآتي:
ث :
رمز للكوفيين (عاصم وحمزة والكسائي)
وَمِنْهُنَّ لِلْكُوفِيِّ ثَاءٌ مُثَلَّتٌ
خ :
رمز للقراء الستة ماعدا نافع
وَسِتَّتُهُمْ بِالْخَاءِ لَيْسَ بِأَغْفَلَا .. عَنَيْتُ الأُلَى أَثْبَتُّهُمْ بَعْدَ نَافِعٍ
ذ :
رمز للكوفيين وابن عامر
وَكُوفٍ وَشَامٍ ذَالُهُمْ لَيْسَ مُغْفَلَا
ظ :
رمز للكوفيين وابن كثير
وَكُوفٍ مَعَ المَكِّيِّ بِالظَّاءِ مُعْجَمًا
غ :
رمز للكوفيين وأبي عمرو
وَكُوفٍ وَبَصْرٍ غَيْنُهُمْ لَيْسَ مُهْمَلَا
ش :
رمز لحمزة والكسائي
وَذُو النَّقْطِ شِينٌ لِلْكِسَائِي وَحَمْزَةٍ
الرموز الكلامية وهي رموز جمع وهي:
صحبة :
رمز حمزة والكسائى وشعبة
وقُلْ فِيهِمَا مَعْ شُعْبَةٍ صُحْبَةٌ تَلَا
صحاب:
رمز حمزة والكسائى وحفص
صِحَابٌ هَمَا مَعْ حَفْصِهِمْ
عم :
رمز نافع وابن عامر
عَمَّ نَافِعٌ ... وَشَامٍ
سما :
رمز نافع وابن كثير وأبي عمرو
سَمَا فِي نَافِعٍ وَفَتَى الْعَلَا...وَمَكٍّ
حق :
رمز ابن كثير وأبي عمرو
وَحَقٌّ فِيهِ وَابْنِ الْعَلاَءِ قُلْ
نفر :
رمز ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر
وَقُلْ فِيهِمَا وَالْيَحْصَبِي نَفَرٌ حَلَا
حرمى :
رمز نافع وابن كثير
وَحِرْمِيٌّ الْمَكِّيُّ فِيهِ وَنَافِعٌ
حصن :
رمز الكوفيين ونافع
وَحِصْنٌ عَنِ الْكُوفِي وَنَافِعِهِمْ عَلَا
ـــــــ جعل الإمام الشاطبي له منهجًا في الترتيب بين الكلمة القرآنية والرمز الحرفي (سواء دال على قارئ أو أكثر) والرمز الكلمى وهو كالآتي:
أولًا:ـــــ أنه يذكر الحرف (الكلمة القرآنية المختلف في قراءتها)، ثم يذكر قراء هذه الكلمة برموزهم (الرموز الحرفيه) يأتى بها في أوائل كلمات، قال الإمام الشاطبي:ــــ
وَمِنْ بَعْدِ ذِكْرِي الْحَرْفَ أُسْمِي رِجَالَهُ *** مَتَى تَنْقَضِي آتِيــــكَ بِالْوَاوِ فَيْصَلَا
سِــــــوَى أَحْـــرُفٍ لَا رِيبَةٌ فِي اتِّصَـــالِهَا *** .............................
يعني أنه سوف يذكر الحرف (الكلمة القرآنية المختلف في قراءتها)، ثم يذكر قراء هذه الكلمة برموزهم يأتى بها في أوائل كلمات، فإذا انتهى أتى بكلمة أولها واو تؤذن بانقضاء تلك المسألة واستئناف أخرى، لأن الواو ليست رمزًا لقارئ، وربما يستغنى عن الإتيان بالواو الفاصلة إذا ارتفعت الريبة ودل الكلام بنفسه على انقضاء المسألة[1]كما في قوله:
وَرَا بَرِقَ افْتَحْ آمِنًا يَذَرُونَ مَعْ *** يُحِبُّونَ حَقٌّ كَفَّ ......
والمعنى أن نافعًا المرموز له بالهمز في قوله: (آمِنًا) فتح الراء من ﱣ بَرِقَﱢ في قوله تعالى: ﱣﭐ فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ ﱢ القيامة: ٧، فذكر الكلمة القرآنية الأولى وهي ﱣ ﲝ ﱢ وذكر رجالها، ثم ذكر بعدها كلمة فرشية أخرى (يَذَرُونَ) من قول الله ﱣﭐ وَتَذَرُونَ ٱلۡأٓخِرَةَ٢١ ﱢ القيامة: ٢١ دون أن يفصل بينها وبين ما قبلها بالواو لوضوح المعنى، وارتفاع الريبة.
وقد يكرر الإمام الشاطبي الرمز الحرفي لعارض ما كتميم قافية ونحوه، وهو في ذلك على نوعين [2]:
أحدهما: أن يكون الرمز لمفرد فيكرره بعينه كقوله (اعتاد أفصلا)، (حُلاً حَلا)، (عُلًا عَلَا)
والثاني: أن يكون الرمز لجماعة ثم يرمز لواحد من تلك الجماعة كقوله: (سما العلا)، فنافع من أهل سما، وقد رمز له مرة أخرى فقال: (سما العلا).
قال الإمام الشاطبي:ـــــ
وَرُبَّ مَكَانٍ كَرَّرَ الْحَرْفَ قَبْلَهَا *** لِمَا عَارِضٍ وَالأَمْرُ لَيْسَ مُهَوِّلَا
ثانيًا:ـــــ الرمز الكلمي ليس له مكان ثابت، فقد يتقدم على الرمز الحرفي، وقد يتأخر عنه، قال الإمام الشاطبي:ـــــ
وَمَهْماَ أَتَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ بَعْــدُ كِلْمَةٌ *** فَكُنْ عِنْدَ شَرْطِي وَاقْضِ بِالْوَاوِ فَيْصَلَا
(كِلْمَةٌ): الرمز الكلمى، (قبلُ أو بعدُ): قبل أو بعد الرمز الحرفى.
يعنى إذا اجتمع كلمة من الرموز الكلامية مع رمز حرفي لم يلتزم ترتيبًا بينهما، فتارة يتقدم الحرفى على الكلمى، وتارة يتقدم الكلمى على الحرفى، وتارة يتوسط الكلمى بين الحرفي.
مثل قوله: (وَصِيَّةً ارْفَعْ صَفْوُ حِرْمِيِّهِ رِضىً) يعني أن شعبة وابن كثير ونافعًا والكسائي المشار إليهم بقوله:(صَفْوُ حِرْمِيِّهِ رِضىً) قرؤوا كلمة (وَصِيَّةٗ) في قوله تعالى: ﱣﭐ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَيَذَرُونَ أَزۡوَٰجٗا وَصِيَّةٗ لِّأَزۡوَٰجِهِم ﱢ البقرة: ٢٤٠ بالرفع، فهنا الرمز الكلمى (حرمى) توسط بين رمزين حرفيين الصاد والراء رمزي شعبة والكسائي.
ومثل قوله:(وَيُثْبِتُ فِي تَخْفِيفِهِ حَقُّ نَاصِرٍ) يعني أن ابن كثير وأبا عمرو وعاصمًا المشار إليهم بقوله:(حَقُّ نَاصِرٍ) قرؤوا (وَيُثۡبِتُۖ)في قوله تعالى: ﱣﭐ يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِﱢ الرعد: ٣٩ بالتخفيف، وهنا تقدم الرمز الكلمى (حَقُّ) على الحرفي (النون) رمز عاصم.
وقوله:(فَكُنْ عِنْدَ شَرْطِي وَاقْضِ بِالْوَاوِ فَيْصَلَا) فكن عند ما اشرطته واصطلحت عليه من إبقاء كل واحد منهما (الرمز الحرفي، والكلمي) على ما وضع له وأريد منه، واقض بالواو فيصلًا عند انتهاء كل مسألة.
ثالثًا:ــــــ أنه(الرمز الكلمي) يمكن أن يتقدم على الكلمة القرآنية لعدم اللبس، بخلاف الرمز الحرفي قال الإمام الشاطبي:ـــــ
وَقبْلَ وبَعْدَ الحَـــــــــرْفِ آتِي بِكُلِّ مَا *** رَمَزْتُ بِهِ فِي الْجَمْعِ إِذْ لَيْسَ مُشْكِلَا
(الحرف): الكلمة القرآنية المختلف في قراءتها. (مَا رَمَزْتُ بِهِ فِي الْجَمْعِ): يعني الرمز الكلمي. والمعنى أنه لا يلتزم للرمز الكلمى مكانًا، فقد يأتي قبل الكلمة القرآنية، وقد يتأخر، لأنه لا إشكال فيه مثل قوله: (وَصُحْبَةُ يُصْرَفْ فَتْحُ ضَمٍّ وَرَاؤُهُ ... بِكَسْرٍ)، (وَتُبْدُونَهَا تُخْفُونَ مَعْ تَجْعَلُونَهُ ... عَلَى غَيْبِهِ حَقًّا)، فالرمز الكلمى (صُحْبَةُ) تقدم الكلمة القرآنية (يُصْرَفْ) في المثال الأول، والرمز الكلمى (حَقًّا) تأخر عن الكلمات القرآنية (تُبْدُونَهَا تُخْفُونَ تَجْعَلُونَهُ) في المثال الثانى، بخلاف الرمز الحرفي فلا يتقدم على الكلمة القرآنية، لأن الإمام الشاطبي اشترط ذلك على نفسه حيث قال: (ومن بعد ذكر الحرف أسمى رجاله)، ويستثنى من ذلك إذا اجتمع مع الرمز الكلمى فإنه يكون تابعًا للرمز الكلمى تقدمًا وتأخرًا مثل قوله:(وَعَمَّ عُلًا لَا يَعْقِلُونَ وَتَحْتَهاَ ... خِطَابًا) يعني أن المشار إليهم بقوله (عَمَّ عُلًا) وهم نافع وابن عامر وحفص قرؤوا (أَفَلا يَعْقِلُونَ) في سورة الأنعام وفي السورة التي تحتها وهي سورة الأعراف بتاء الخطاب، فالرمز الحرفي وهو العين في كلمة (عُلًا) تقدم على الكلمة القرآنية لأنه اجتمع مع الرمز الكلمى(عمَّ).
ــــــ وأحيانًا يسمي القارئ باسمه ولا يرمزه، قال الإمام الشاطبي:ــــ
وَسَوْفَ أُسَمِّي حَيْثُ يَسْمَحُ نَظْمُهُ *** بِهِ مُوضِحًا جِيدًا مُعَمًّا وَمُخْوَلَا
(الجيد): العنق، (المعم والمخول): الكريم الأعمام والأخوال.
يعني إنه أحيانًا يسمي القارئ باسمه ولا يرمزه، حيث يسمح نظمه به فتارة يذكره قبل حرف القرآن، وتارة بعده على حسب ما يسهل كقوله: (لحمزة فاضمُم كسْرَ هَا أهله امكثوا)، (وَمِنْ تَحْتِهَا المَكِّي يَجُرُّ وَزَادَ مِنْ).
وقوله:(مُوضِحًا جِيدًا مُعَمًّا وَمُخْوَلَا) يعنى أنه يذكر القارئ باسمه الصريح في بعض الأحيان ليوضح المسألة ويكشفها وضوح الجيد ذي الأعمام والأخوال، (وأصل جيد معم ومخول ، أنهم كانوا يعرفون الغلام ذا الأعمام والأخوال بجيده، لما فيه من الزينة لأن الفريقين من أعمامه وأخواله يكرمونه، ويقلدونه، ويزينونه، فعندما يراه الرائى يتضح له بذلك أنه ذو أعمام وأخوال)[3].
ــــــ إذا انفرد قارئ بباب لا يشاركه فيه غيره، ذكره باسمه الصريح لا برمزه. كقوله: (وَحَمْزَةُ عِنْدَ الْوَقْفِ سَهَّلَ هَمْزَهُ)، (وَدُونَكَ الاِدْغَامَ الْكَبِيرَ وَقُطْبُهُ أَبُو عَمْرٍ والْبَصْرِيُّ فِيهِ تَحَفَّلَا)
قال الإمام الشاطبي:ــــ
وَمَنْ كانَ ذَا بَابٍ لَهُ فِيهِ مَــذْهَبٌ *** فَلاَبُدَّ أَنْ يُسْـــمَى فَيُدْرَى وَيُعْقَلَا
[1] وقد ترك الواو سهوا في موضع واحد ملبس في سورة القصص في قوله:( وقل قال موسى واحذف الواو دخللا نما نفر بالضم). انظر عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المعروف بأبي شامة، إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع، تحقيق جمال الدين محمد شرف، (طنطا، دار الصحابة ط 2009م)،ج1، ص87.
[2] المرجع سابق ج1، ص90.
- التصنيف: