ذكر الله تعالى حقيقته وأثره
ذكرك لله تعالى يعنى إقبالك على ما يُرضيه وبُعدك عن معاصيه ذكرك لله تعالى يعنى أن تكون نظيف القلب لا تحمل فى قلبك حسداً ولا حقداً ولا غشاً لواحد من المسلمين ..
أيها الإخوة الكرام :
إن فى الدنيا لو تعلمون آلام تضيق بها النفوس..
كم في الدنيا من عين باكية، كم في الدنيا من قلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعدومين قلوبهم تشتعل ودموعهم تسيل فهذا يشكو علة وسقماً، وذاك يشكو حاجة وفقراً، وآخر يشكو هماً وقلقاً!! وهكذا هي الدنيا طبعت على كدر قال الله تعالي { لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد}
ومن هنا كان حديثنا اليوم أيها المؤمنون عن الدواء الشافى لسائر العلل، دواء تطمئن به القلوب الحائرة وتسكن به النفوس المحزونة إنه ذكر الله عز وجل (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله)
{(الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )}
دواء ناجع تذهب به الوساوس وتمحى به الهواجس قال الله تعالى {(وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ )}
ذكر الله تعالى أيها المؤمنون :
وُصف على مرّ الزمان لكلِّ شاكٍ من متاعب القلب ولكلِّ شاكٍ من متاعب البدن على أنه أعظم دواء تُشفى به عللُ الأبدانِ وأمراضُ النفوسِ والقلوب وفيه فوق كل هذا رضا علام الغيوب سبحانه وبحمده
ذكر الله تعالى أيها المؤمنون :
هو رسول السعادة فى الدنيا والآخرة وهو الحبل الذي بينك وبين الله تعالى متى وصلته اتصل ومتى غفلت عنه انقطع وفي الحديث القدسي (وأنا معه حين يذكرني)
ذكر الله تعالى خير معين لك على أمر دينك ودنياك ..
رجل من الأعراب أسلم بفضل الله تعالى أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل الخيرات وترك المنكرات لم يترك حاجة ولا داجة فى سبيل الله إلا أتاها صلى وصام وتصدق وقام حتى شقت كثرة العبادة عليه فما كان منه إلا أن هداه الله تعالى إلى أن يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأل عن دواء علته فقال:
يا رسول الله إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَىَّ فَأَنْبِئْنِى مِنْهَا بِشَىْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ. فقَالَ صلى الله عليه وسلم « « لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ».
أما أصحاب المهن الشاقة أما من تُقصم ظهورهم فى السعى ليل نهار على أرزاقهم أما من يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله ويرجع الواحد منهم آخر النهار خشن اليد خائر القوى كالاً من عمل يده فليعلم كل هؤلاء أن فى ذكر الله تعالى تخفيف عليهم ألا فليعلم كل هؤلاء أن فى كثرة ذكر الله تعالى عونٌ لهم على أعبائهم ومشاقهم..
وفاطمة بنت رسول الله وريحانته وأكرم أهله عليه خير شاهد على ذلك :
فاطمة رضى الله عنها تزوجت بعلىٍّ وكان علياً رقيق الحال لم يستطع أن يوفر لفاطمة خادماً يخدمها فكانت فاطمة بنفسها تجر الرحى وتطحن الحب حتى أثَّر الجر في يدها، واستقت بالقربة حتى أثَّر الحبل في نحرِها وكنست وقَمَّت البيت وأوقدت النار حتى تغيرت هيئتها، وأصابها من ذلك ضرٌ أيَّما ضر تفعل كل هذا وهى صابرة محتسبة تبنغى أجرها من ربها سبحانه وبحمده..
وفى يوم من الأيام سمعت فاطمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بسبيٍ فجائت إليه تسأله أن يعطيها من المماليك مملوكة تخدمها طلبٌ ليس فيه طمعٍ ولا جشع
فانطلقت رضي الله عنها إلى أبيها صلى الله عليه وسلم فى بيته فلم تجده، فأخبرت عائشة رضي الله عنها أنها تريد مملوكة من السبى تكفيها أعمال بيتها ثم رجعت الى بيتها قالت فاطمة فلما جاء النبي وأخبرته عائشة بمجيئي وبطلبى قال لا والذي نفسي بيده لا أعطيها خادماً ما دام في المسجد فقير يحتاج إلى لقمة أو إلى كسرة . أو كما قال صلى الله عليه وسلم ..
قالت فاطمة فلما جاء رسول الله وأخبرته عائشة وقال ما قال جائنا وقد أخذنا مضاجعنا أنا وعلىٍّ ، فلما رأيناه ذهبنا لنقوم عن فراشنا فقال صلى الله عليه وسلم على مكانكما!
قالت فاطمة فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، ثم قال أيا فاطمة بنت رسول الله جئت تسألينى خادما ألا أدلكما على خيرٍ مما سألتماني؟
قلنا بلى يا رسول الله! فدلهما رسول الله على كثرة ذكر الله فقال صلى الله عليه وسلم « إذا أويتما إلى فراشكما فَسَبِّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبِّرا أربعاً وثلاثين؛ فذلكما خير لكما من خادم »
ببركة ذكر الله تُهَوّنُ عليك المتاعب والصعاب وتعان على قضاء حوائج الدنيا والآخرة وتعان علي شياطين الإنس والجن فلا يقربوك ..
الخطبة الثانية
أما بعد فيقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}
بقى لنا فى ختام الحديث عن بركة ذكر الله تعالى أن نقول:
إن ذكر الله تعالى يكون بالقلب ويكون باللسان لكن علىّ وعليك أخى أن نعلم أن لذكر الله بالقلب أو باللسان أمارات ودلالات إن كانت فيك فالحمد لله وإن لم تكن فيك فراجع نفسك واحذر أن يكون تسبيحك وتهليلك تسبيح وتهليل الكذابين الذين يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم ..
ذكرك لله تعالى يعنى إقبالك على ما يُرضيه وبُعدك عن معاصيه ذكرك لله تعالى يعنى أن تكون نظيف القلب لا تحمل فى قلبك حسداً ولا حقداً ولا غشاً لواحد من المسلمين ..
ذكرك لله تعالى يعنى أن تكون نظيف اللسان لست سباباً ولا لعاناً ولا فاحشاً ولا متفحشاً قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ » »
ذكرك لله تعالى يعنى أن تكون خميص البطن نظيف اليد من أموال الناس ومن دمائهم ومن أعراضهم كما يتحرك لسانك بلا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله أنت بحاجة لأن يتحرك لسانك بهذه الكلمات «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ »
ذكرك لله تعالى يعنى أن تكون حسن الخلق مع زوجك وولدك وجارك وذوى أرحامك ومع الناس أجمعين قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ »
- التصنيف: