ستر عورات المسلمين

منذ 2021-07-25

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخطأ أحد من الصحابة أو وقعت منه زلة لا يفضحه أمام الناس، ولكنه يجمع الناس ليحذرهم الوقوع في نفس الخطأ، فيقول «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا» دون أن يصرح بأسمائهم.

الحمد لله الذي خَلَقَ كل شيء فقدره تقديرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي بعثه الله هاديًا ومبشرًا نذيرًا، وداعيًا إلى الله تعالى بإذنه وسراجًا منيرا، أما بعد:

فإن من الصفات الحميدة والتي ضَيَّعها الكثيرُ من المسلمين، إلا من رحم الله، ستَرَ عَوْرَات الناس والأخذ بأيدي هؤلاء الذين يعملون السيئات إلى الله تعالى، ليتوبوا من قريب بدلًا من هتك عَوْراتهم وكشف عيوبهم وإعانة الشيطان عليهم، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

الستر في اللغة:

سَتَرَ الشيءَ يَسْتُرُه ويَسْتِرُه سَتْرًا وسَتَرًا أَخفاه. والستَر: التغطية. يُقَالُ: سَتَرْتُ الشيء أَسْتُرُه إِذا غَطَّيْته. (لسان العرب لابن منظور جـ 3صـ 1935).

 

الستر في الشرع:

تغطية عيوب المسلم، وإخفاء زلاته. (نضرة النعيم جـ 6صـ 2236)

 

معنى العَوْرات:

العَوْرَةُ: الخَلَلُ والعيبُ في الشيء، وكل بيت أو موضع فيه خلل يُخشى دخول العدو منه. وفي التنزيل العزيز: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب: 13]

 

وكل ما يستره الإنسان استنكافًا أو حياءً. (المعجم الوسيط صـ 636

 

واجب العاصي نحو نفسه:

يجب على كل مسلم أن يتقي الله في نفسه وفي أهل بيته، وفي أمواله وفي الناس جميعًا، وأن يتجنب معصيته، فإذا تغلب عليه شيطانه وأوقعه في معصية وجب عليه أن يستر نفسه بستر الله ولا يفضح نفسه بين الناس، وأن يتوب إلى الله من قريب.

 

روى الشيخانِ عن أَبَي هُرَيْرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ»  (البخاري ـ حديث 6069 / مسلم ـ حديث 2990)

 

قال الإمام الغزالي - رحمه الله -: على المسلم أن يستر عورة نفسه فحق إسلامه واجب عليه كحق إسلام غيره. (إحياء علوم الدين للغزالي جـ 2 صـ 200)

 

روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ قَالَ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا دَعَاهُ وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ: {أَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً قَالَ بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً. (البخاري حديث 4687 / مسلم حديث 2763)

 

ويجب على العاصي أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة.

 

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَار} [التحريم: 8]، وقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}  [الشورى: 25]، وقال سبحانه: {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 39].

 

شروط التوبة الصادقة:

قال النووي - رحمه الله - التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى فلها ثلاثة شروط وهي:

1- الإقلاع عن المعصية.

2- أن يندم على فعلها.

3- أن يعزم ألَّا يعود إليها أبدًا.

فإن فُقد أحد هذه الثلاثة لم تصح توبته.

 

وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فلها أربعة شروط: هذه الثلاثة السابقة بالإضافة إلى الشرط الرابع وهو "أن يبرأ من حق صاحبها "، فإن كانت مالًا أو نحوَه ردَّه إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها. ويجب أن يتوب من جميع الذنوب، فإن تاب من بعضها صحت توبته، عند أهل الحق من ذلك الذنب، وبقي عليه الباقي، وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة. (رياض الصالحين للنووي صـ24: 25)

 

علامات قبول التوبة النصوح:

اعلم، أخي المسلم الكريم، أن التوبة المقبولة عند الله تعالى لها علامات نوجزها فيما يلي:

(1) أن يكون العبدُ بعد التوبة خيرًا مما كان قبلها.

(2) أن يبقى الخوف مصاحبًا للتائب ولا يأمنُ مَكْرَ الله طرفة عين.

(3) انخلاع قلب التائب وتقطعه ندمًا على ما فرَّط في حق الله تعالى. وهذا على قدرِ عِظَمِ الجِنَاية وصِغرها.

(4) الإكثار من الاستغفار والدعاء في الأوقات الفاضلة إلى الممات. (مدارك السالكين لابن القيم جـ1، صـ206: 208).

 

خطورة الجهر بالمعاصي: قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين وفيه ضرب من العناد لهم وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف، لأن المعاصي تذل أهلها ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد ومن التعزير إن لم يوجب حدا وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين ورحمته سبقت غضبه فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة والذي يجاهر يفوته جميع ذلك.

(فتح الباري لابن حجر جـ 10صـ 503)

 

ستر الله لعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة:

قال الله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان:20].

 

قال الضحاك بن مزاحم: أما الظاهرة فالإسلام والقرآن، وأما الباطنة فما ستر من العيوب. (الدر المنثور للسيوطي جـ 6صـ 526).

 

الستير من صفات الله تعالى:

روى أبو داودَ عن عَنْ يَعْلَى بن أمية، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلَا إِزَارٍ فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ.(حديث صحيح) (صحيح أبي داود ـ للألباني ـ حديث 3387)

 

قال ابن الأثير: سَتِير: فَعِيل بمعنى فَاعِل: أي من شَأنه وإرادتَهِ حُبُّ السَّتر والصَّون. (النهاية ابن الأثيرجـ 2صـ 341)

 

روى الشيخانِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ (ستره وعفوه)وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الْأَشْهَادُ {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (البخاري حديث 2441 / مسلم حديث 2768)

 

نبينا صلى الله عليه وسلم يحثنا على ستر العصاة:

قال اللهُ تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21]

 

وقال سبحانه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة128]


(1) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

(مسلم حديث 2590)

 

(2) روى الشيخانِ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

(البخاري حديث 2442 / مسلم حديث 2580)

 

(3) روى أبو داود عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ».

(حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 4083)

 

(4) روى أبو داودَ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَبنِ أبي سفيان قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ» فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا.

(حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 4088)

 

(5) روى الشيخانِ عن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ(جماعة) مِنْ أَصْحَابِهِ «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك».

(البخاري حديث 18 / مسلم حديث 1709)

 

روى أحمدُ عَنْ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بنِ هَزَّالٍ عَنْ أَبِيهِ (هَزَّال بن يزيدا لأسلمي) قَالَ:كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِي فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنْ الْحَيِّ فَقَالَ لَهُ أَبِي ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْتَ لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ لَكَ وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَخْرَجٌ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللَّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللَّهِ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللَّهِ ثُمَّ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَيَّ كِتَابَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّكَ قَدْ قُلْتَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَبِمَنْ» قَالَ بِفُلَانَةَ قَالَ «هَلْ ضَاجَعْتَهَا» ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «هَلْ بَاشَرْتَهَا» ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «هَلْ جَامَعْتَهَا» ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ قَالَ فَأُخْرِجَ بِهِ إِلَى الْحَرَّةِ فَلَمَّا رُجِمَ فَوَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ جَزَعَ فَخَرَجَ يَشْتَدُّ فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَقَدْ أَعْجَزَ أَصْحَابَهُ فَنَزَعَ لَهُ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ فَرَمَاهُ بِهِ فَقَتَلَهُ قَالَ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ».

 

قَالَ هِشَامٌ فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمِ بْنِ هَزَّالٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي حِينَ رَآهُ: «وَاللَّهِ يَا هَزَّالُ لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا مِمَّا صَنَعْتَ بِهِ».(حديث صحيح لغيره) (مسند أحمد جـ 36صـ 215:214حديث:21890)

 

حرص سلفنا الصالح على ستر العصاة:

كان سلفنا الصالح يحرصون على ستر العصاة، وقد ظهر ذلك في أقوالهم، وأفعالهم، وسوف نذكر بعضًا منها:
(1) قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لو لم أجد للسارق والزاني وشارب الخمر إلا ثوبي لأحببت أن أستره. (مصنف عبد الرزاق جـ 10صـ 227)

 

وقال أبو بكر الصديق أيضًا: لو رأيت أحدًا على حد من حدود الله تعالى ما أخذته ولا دعوت له أحدًا حتى يكون معي غيري.

(إحياء علوم الدين للغزالي جـ 2 صـ 200)

 

(2) عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

روى وكيع بن الجراح عن شُرحبيل بن السِّمْطِ أنه كان على جيش فقال: إنكم نزلتم أرضًا فيها نساءٌ وشراب، فمن أصاب منكم حدًا فليأتنا حتى نطهره، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب، فكتب إليه «لا أم لك تأمر قومًا ستر الله عليهم أن يهتكوا ستر الله عليهم»

(الزهد لوكيع جـ 2صـ 774رقم 455)

 

(3) عائشة رضي الله عنها:

روى الخرائطي عن مريم ابنة طارق أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها يا أم المؤمنين إن كريا أخذ بساقي وأنا محرمة فقالت رحمة الله عليها: حِجرا حِجرا حِجرا (سترا) وأعرضت بوجهها وقالت بكفها، وقالت: يانساء المؤمنين إذا أذنبت إحداكن ذنبا فلا تخبرن به الناس ولتستغفر الله تبارك وتعالى ولتتب إليه فإن العباد يعيرون ولا يغيرون والله يغير ولا يعير. (مكارم الأخلاق للخرائطي صـ 503)


(4) عبد الله بن مسعود:

أشرف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على داره بالكوفة، فإذا هي قد غصت بالناس، فقال من جاء يستفتينا فليجلس نفتيه إن شاء الله، ومن جاء يخاصم فليقعد حتى نقضي بينه وبين خصمه إن شاء الله، ومن جاء يريد أن يطلعنا على عورة قد سترها الله عليه، فليستتر بستر الله وليقبل عافيته وليُسرر توبته إلى الذي يملك مغفرتها فإنا لا نملك مغفرتها ولكن نقيم عليه حدها ونمسك عليه بعارها.

(مصنف عبد الرزاق جـ 10صـ 230)

 

(5) عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يلقى سارقًا فيزوده ويرسله. (مصنف عبد الرزاق جـ 10صـ 226)


(6) أنس بن مالك:

روى عبد الرزاق عن حبيب بن أبي فضالة أن صالح بن كريز حدثه أنه جاء بجارية زنت إلى الحكم بن أيوب قال فبينا أنا جالس إذ جاء أنس بن مالك فجلس فقال يا صالح ما هذه الجارية معك قال قلت جارية لي بغت فأردت أن أدفعها إلى الإمام ليقيم عليها الحد فقال لا تفعل رد جاريتك واتق الله واستر عليها قال ما أنا بفاعل حتى ادفعها قال له أنس لا تفعل وأطعني قال صالح فلم يزل يراجعني حتى قلت له أردها على أنه ما كان عليَّ فيها من ذنب فأنت ضامن قال فقال أنس نعم. قال فردها.

(مصنف عبد الرزاق جـ 7صـ 398)

 

(7) جرير بن عبد الله:

روى ابن سعد عن الشعبي أن عمر بن الخطاب كان في بيت ومعه جرير بن عبد الله، فوجد عمر ريحا، فقال: عزمت على صاحب هذه الريح لما قام فتوضأ، فقال جرير: يا أمير المؤمنين أو يتوضأ القوم جميعا؛ فقال عمر: رحمك الله، نعم السيد كنت في الجاهلية، نعم السيد أنت في الإسلام. (كنز العمال جـ3 صـ 734:733)

 

(8) عمار بن ياسر:

روى عبد الرزاق عن أيوب عن عكرمة أن عمار بن ياسر أخذ سارقا ثم قال استره لعل الله يسترني. (مصنف عبد الرزاق جـ 10صـ 226)

 

(9) قال أبو هريرة رضي الله عنه: " من أطفأ على مؤمن سيئة فكأنما أحيا موؤدة ".

(مكارم الأخلاق للخرائطي صـ 480)

 

(10) قال الحسن البصري: من كان بينه وبين أخيه ستر فلا يكشفه.

(مكارم الأخلاق للخرائطي صـ 495)

 

(11) قال العلاء بن بدر: لا يعذب الله جل وعز قوما يسترون الذنوب.

(مكارم الأخلاق للخرائطي صـ 502)

 

(12) قال عثمان بن أبي سَوْدة: لا ينبغي لأحد أن يهتك ستر الله تبارك وتعالى. قيل وكيف يهتك ستر الله ؟ قال: يعمل الرجل الذنب فيستره الله عليه وسلم فيذيعه في الناس.

(مكارم الأخلاق للخرائطي صـ 495)

 

(13) قال مِسْعَرُ بن كدام: رَحِمَ اللهُ مَن أهدى إليَّ عيوبي في ستر بيني وبينه، فإن النصيحة في الملأ تقريع.

(بهجة المجالس لابن عبد البرجـ 1صـ 47)

 

(14) قال عوف الأحمسي كان يُقال من سمع بفاحشة فأفشاها كان فيها كالذي بدأها.

(الزهد لوكيع جـ 2صـ 768رقم 450)

 

(15) قال الوزير الصالح لأحد الوزراء الصالحين لبعض من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر اجتهد أن تستر العصاة، فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام وأولى الأمور ستر العيوب.

(جامع العلوم والحكم جـ 3صـ 1012)

 

(16) قال بعض السلف أدركت أقوامًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوب الناس، فذكر الناس عيوبًا لهم، وأدركت أقوامًا كانت لهم عيوب فكفوا عن عيوب الناس ونُسيت عُيُوبُهم.

(جامع العلوم والحكم جـ 3صـ 1011)

 

عاقبة كشف عورات المسلمين:

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

 

قال محمد الطاهر بن عاشور: مِن أدبِ هذه الآية أن شأن المؤمن ألا يحب لإخوانه المؤمنين إلا ما يحب لنفسه، فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء كذلك عليه أن لا يحب إشاعة السوء عن إخوانه المؤمنين. ولشيوع أخبار الفواحش بين المؤمنين بالصدق أو الكذب مفسدة أخلاقية، فإن مما يزع الناس عن المفاسد تهيبهم وقوعها وتجهمهم وكراهتهم سوء سمعتها وذلك مما يصرف تفكيرهم عن تذكرها، فضلًا عن الإقدام عليها رويدًا رويدًا، حتى تُنسى وتنمحي صورها من النفوس، فإذا انتشر بين الأمة الحديث بوقوع شيء من الفواحش تذكرتها الخواطر وخف وقع خبرها على الأسماع فدب بذلك إلى النفوس التهاون بوقوعها وخفة وقعها على الأسماع فلا تلبث النفوس الخبيثة أن تقدم على اقترافها وبمقدار تكرر وقوعها وتكرر الحديث عنها تصير متداولة. هذا إلى ما في إشاعة الفاحشة من لحاق الأذى والضر بالناس ضرا متفاوت المقدار على تفاوت الأخبار في الصدق والكذب. ولهذا ذيل هذا الأدب الجليل بقوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]؛ أي: يعلم ما في ذلك من المفاسد فيعظكم لتجتنبوا وأنتم لا تعلمون فتحسبون التحدث بذلك لا يترتب عليه ضر، وهذا كقوله: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15].

(التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور جـ 18 صـ 185)

 

قال ابن القيم: للعبد ستر بينه وبين الله وستر بينه وبين الناس فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس.

(الفوائد لابن القيم صـ 64)

 

أقسام الناس في المعاصي:

إن الناس في ارتكاب المعاصي على قسمين: مَنْ كان مستورًا، لا يُعرف بشيء من المعاصي. من كان مشتهرًا بالمعاصي، معلنًا بها. وسوف نتحدث عن كلا القسمين بإيجاز:

القسم الأول: مَنْ كان مستورًا، لا يُعرف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه فهوة أو ذلة فإنه لا يجوز كشفها ولا هتكها ولا التحدث بها لأن ذلك غيبة محرمة وهذا هو الذي وردت فيه النصوص وفي ذلك قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور: 19].

 

ومثل هذا الصنف من الناس لو جاء نادمًا تائبًا وأقر بحدٍ ولم يفسره، لم يُستفسر، بل يؤمن بأن يرجع ويستر نفسه كما لم يستفسر النبي الصحابي الذي قال له أصبت حدًا فأقمه عليَّ، ومثل هذا لو أُخذ بجريمته ولم يُبلغ الإمام.

(جامع العلوم والحكم جـ 3صـ 1012:1011)

 

قال الإمام النووي: الستر المندوب إليه هو الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد.

(مسلم بشرح النووي جـ 16صـ 135)

 

أحمد بن حنبل:

قَالَ الْمَرُّوذِيُّ قُلْت: لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أحمد بن حنبل، اطَّلَعْنَا مِنْ رَجُلٍ عَلَى فُجُورٍ، وَهُوَ يَتَقَدَّمُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ أَخْرُجُ مِنْ خَلْفِهِ قَالَ: اُخْرُجْ مِنْ خَلْفِهِ خُرُوجًا لَا تَفْحُشْ عَلَيْهِ.

 

وَقَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أحمد بن حنبل: إذَا عُلِمَ مِنْ الرَّجُلِ الْفُجُورُ أَنُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: لَا بَلْ يُسْتَرُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَاعِيَةً.

(الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي جـ 1صـ 233)

 

القسم الثاني: من كان مشتهرًا بالمعاصي، معلنًا بها ولا يبالي بما ارتكب منها ولا بما قيل له، فهذا هو الفاجر المعلن، ليس له غيبة كما نص على ذلك الحسن البصري. ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره لتقام عليه الحدود، ومثل هذا لا يُشفع له إذا أُخذ ولم يَبْلغ السلطان، بل يُترك حتى يقام عليه الحد لينكشف شره ويرتدع به أمثاله.

 

قال الإمام مالك بن أنس من لم يُعِرفُ منه أذى للناس وإنما كانت منه زلة، فلا بأس أن يشفع له ما لم يَبْلغُ الإمام، وأما من عُرف بشر أو فساد فلا أحبُ أن يشفع له أحد ولكن يُترك حتى يُقام عليه الحد.

(جامع العلوم والحكم جـ 3صـ 1013:1012)

 

قال ابن حجر العسقلاني: ذكر النووي أن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به.

(فتح الباري لابن حجر جـ 10صـ 502)

 

قال الإمام النووي: المعروف بالأذى والفساد يستحب ألا يستر عليه بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله. هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت. أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك ولا يحل تأخيرها فان عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم تترتب على ذلك مفسدة وأما جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب جرحهم عند الحاجة ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم وليس هذا من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة وهذا مجمع عليه قال العلماء.

(مسلم بشرح النووي جـ 16صـ 135)

 

هدي نبينا صلى الله عليه وسلم في ستر العصاة:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخطأ أحد من الصحابة أو وقعت منه زلة لا يفضحه أمام الناس، ولكنه يجمع الناس ليحذرهم الوقوع في نفس الخطأ، فيقول «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا» دون أن يصرح بأسمائهم.


(1) روى البخاريُّ عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ».

(البخاري حديث 750)

 

(2) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ:اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي أُهْدِيَ لِي قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ «مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ مَرَّتَيْنِ».

(البخاري حديث 7174 / مسلم حديث 1832)

 

هكذا ينبغي على الرؤساء في العمل الستر على الموظفين الذين يجتهدون في عملهم، ولكن يصدر منهم بعض الزلات.

 

ستر عيوب العلماء وولاة الأمور:

إذا كان الواجب عليه ستر عيوب عامة الناس الذين لا يجاهرون بالمعاصي، فإن العلماء وولاة الأمور أولى الناس بستر العيوب ؛ لأن كشف عوراتهم يزيل هيبتهم من صدور الناس فيحدث في الناس والبلاد من الفساد ما لا تحمد عقباه، فالناس لا يقبلون من أهل العلم فتوى، ولا نصيحة.

 

روى أبو داودَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ».

(حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 3679)


قال صاحبُ كتابِ عَوْنِ المعبود: اعفوا عن أصحاب المروءات والخصال الحميدة، وذوي الوجوه من الناس، الذين لا يجاهرون بالمعاصي، ولكن تقع منهم بعض الزلات.

(عون المعبود جـ 12صـ 26:25)

 

نصيحة العلماء وولاة الأمور سرًّا:

روى أحمدٌ عَنْعِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ».

(حديث حسن لغيره) (مسند أحمد جـ 3 صـ 404)

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

________________________________________________
الكاتب: الشيخ صلاح نجيب الدق

  • 5
  • 1
  • 4,816

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً