قضية التعدد مقاربة واقعية
في خطوة لفرض الفكر العلماني بالقوة تم وضع الخطوط النهائية لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، حيث يتحقق فيه كل أهداف الفكر العلماني والنسوي التي لم تتحقق بالقوة الناعمة من وسائل الإعلام والثقافة
في خطوة لفرض الفكر العلماني بالقوة تم وضع الخطوط النهائية لمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، حيث يتحقق فيه كل أهداف الفكر العلماني والنسوي التي لم تتحقق بالقوة الناعمة من وسائل الإعلام والثقافة، وعلى رأس هذه التعديلات تأتي المادة التي تضع القيود على الزواج الثاني، ووجوب الحصول على إذن من القاضي لإتمامه، والطلاق الفوري للزوجة الأولى إن أرادت ذلك.
وما إلى ذلك من مواد مشبوهة تهدف في المقام الأول لتحويل مجتمعنا إلى نسخة كربونية مشوهة للمجتمع الغربي العلماني، حيث استحالة أن يكون ثمَّة زواج ثانٍ في النور.
هذا في حالة أن يكون هناك زواج أول من الأساس في ظل حالة السيولة والميوعة التي تتسم بها العلاقات بين الجنسين في هذه المجتمعات؛ وهي النتيجة المنطقية التي يُراد لها أن تتحقق في مجتمعاتنا بشكل كامل، بعد أن بدأت بعض ثمارها المرة في النضج.
والسعي لتقييد التعدد واشتراط موافقة القاضي عليه بدأت إرهاصاته مع كتابات قاسم أمين في نهاية القرن التاسع عشر، وهي الكتابات التي لاقت هجومًا عنيفًا على كافة المستويات؛ النخبوية والجماهيرية، ولكنها ظلت الوقود الذي تعيش عليه النسويات باختلاف توجهاتهن باعتباره التراث المقدس لحركات تحرير المرأة!
وهذا السعي لمنع التعدد هو من صور الوصاية التي احتكرتها النسويات - كعضوات المجلس القومي للمرأة، والجمعيات النسائية الممولة من الخارج - وهن الآن يقدن محاكم التفتيش الجديدة لخرق ستر الأسر في دهاليز المحاكم المكتظة بآلاف القضايا؛ لتكون المشاعر الإنسانية وخلجات القلوب موضوعات التقاضي الجديدة.
وبعيدًا عن القراءة الشرعية أو القانونية لقضية التعدد، ماذا لو نظرنا نظرة منصفة للواقع بعيدًا عن الأحكام سابقة التجهيز؟
استثمار الغيرة:
لا توجد امرأة على وجه الأرض تحب أن يتزوج رجلها مرة أخرى حتى أمهات المؤمنين ـ وهن رمز التقوى والاستعلاء الإيماني ـ كانت تساورهن هذه المشاعر؛ فهي مشاعر طبيعية، ومن هذا المنطلق أو فلنقل من هذه الثغرة تدغدغ النسويات مشاعر النساء، ويمنحونهن مشاعر مزيفة بالأمن والطمأنينة من تملك الرجل وتقييده بسلاسل القوانين الحديدية، ولكن هل حقًّا سيمنع القانونُ الرجلَ من التفكير في غير زوجته؟!
هل يستطيع القانون وضع أسواره الحديدية على عقل الرجل الذي يفكر في امرأة أخرى؟! وهل يستطيع القانون أن يغلق عينيه بالقوة؟! ثم هل ثمَّة نص قانوني يعاقب الرجل إذا مارس علاقة غير شرعية في غير بيت الزوجية؟! هل ثمَّة نص قانوني يمنع الرجل أن تكون له عشيقة، ويجاهر بذلك أمام الناس؟!
إن منع الرجل من التفكير في أخرى لاشك أنه قضية خاسرة، كل ما يستطيعون فعله هو غلق باب مباح حلال مع ترك جميع أبواب الحرام مفتوحة على مصراعيها، وهذا ما يجب أن تفهمه الزوجة والمرأة المسلمة، لتعرف حقيقة أعدائها، وأنهم لن يحققوا لها حلم الأمن مطلقًا.
ابتلاء ولكن:
حياة الإنسان وما فيها من خير أو شر هي لون من الابتلاء، وحظ المرأة من الزواج هو من الابتلاء كذلك؛ فقد تبقى الفتاة الجميلة الخلوقة دون زواج، وقد يُصاب الزوج بمرض يُفقد الحياة الزوجية معناها، وقد تكون هناك حاجة للزواج الثاني، وقد تكون الحياة مثالية ولكن بلا أبناء و ....
لذلك المرأة المؤمنة تستشعر دائمًا الرضا عن القدر، وتمتثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» ( رواه مسلم)، (7692)].
المرأة المسلمة تجتهد لتحيا حياة جميلة رائقة، وتأخذ بالأسباب في ذلك، فإن اعترضتها عقبات تحاول بكافة الوسائل تجاوزها، فإن كانت فوق طاقتها فهي قدر من الله لابد لها من السكون تجاهه والرضا به، ومحاولة التعايش والتكيف معه.
في مرآة الواقع:
خلق الله تعالى للكون نواميس يسير عليها بدقة، وكذلك النفس البشرية؛ فالإنسان يأكل عندما يجوع، وقد يأكل البعض لأنه يشعر بالتوتر، هناك دائمًا سبب ظاهر أو خفي وراء ما نسلكه، مقنع للبعض أو غير ذلك، ولكن هناك دائمًا دافع لكل سلوك.
قد يستطيع البعض إعلان ذلك الدافع وقد يستحي آخرون، وقد يرفض البعض وضع بيان وإعلانه على الملأ يذكر فيه دوافعه؛ فهو شأن شخصي وليس من حق أحد اقتحام كوامنه الداخلية، أما ما يريده القانون الجديد فهو انتهاك كل خصوصية، وتقديم دوافع مقولبة تقنع القضاة بحاجة الرجل للزواج الثاني، ولن تكون هذه الدوافع إلا تجريح وإهانة للزوجة الأولى بالطبع؛ حتى يحصل الرجل على الرخصة القضائية.
لكن ماذا لونظرنا لمرآة الواقع الحقيقي وليس الواقع المشاهد في المسلسلات الدرامية، ما هي الدوافع الواقعية للزواج الثاني؟
1- شاب في العام الجامعي الأخير: في إحدى كليات القمة، يعاني بصورة حادة من رغبته في الزواج، ولأنه شاب متدين سعى للزواج بإمكانيات بسيطة جدًّا، في حجرة بمنزل والديه، من فتاة ملتزمة متفهمة لظروفه، وهي فتاة على درجة واضحة من الجمال، وعلى الرغم من ذلك اختارت الإنسان المتدين الفقير على الثري الذي لا يحمل همَّ هذا الدين.
ولكن بعد أعوام قليلة جدًّا من الزواج تفاقمت المشكلات بينهما بدرجة خطيرة دون سبب واضح، وكاد الأمر يصل للطلاق، ثم أفصحت الزوجة الشابة عن السبب الحقيقي، عندما أخبرت أهلها أنها تريد لزوجها أن يتزوج مرة أخرى؛ لأنها لا تريد الطلاق، فالشاب الذي لم يستطع تحمل الانتظار حتى يتم دراسته الجامعية كانت رغبته الجنسية تفوق قدرات عروسه بمراحل، ولم يستطيعا التوافق، خاصة بعد أن رُزقا بطفلهما الأول وازدادت المهام الملقاة على عاتق هذه الشابة العاقلة، التي طرحت الحل الأكثر واقعية بالنسبة لظروفهما، خاصة وأن الزوج قد تخرج وعمل وتيسرت ظروفه؛ لذلك قالت له: تزوج واعدل بيننا.
2- حالة إنسانية: "هذا الرجل المريض يريد الزواج"؟! هكذا تهكم البعض عليه كلون من ألوان المجاملة لزوجته، فزوجها المريض بالفشل الكلوي والذي يتردد على المستشفى من أجل عملية الغسيل، يريد الزواج بمريضة مثله، وهي سيدة أرملة فقيرة لديها أيتام أشفق عليها جدًّا، فالمريض يشعر بمن هو مثله، واستشعر أنها لن تقبل صدقته رغم معاناتها الصعبة؛ فقرر أن يتزوجها، وقال لزوجته أنها لو كانت تحبه فعلًا فلا تقاوم هذا الزواج.
وهو ما كان بالفعل، تقول زوجته العاقلة: إنه مريض جدًّا، ولا إرب له في النساء، ولكنها الرغبة في العطاء، ولن أتحمل أن أكون سببًا في إرهاقه نفسيًّا فوق ما يعانيه جسديًّا.
ولكن، ليس هذا شأن جميع النساء، فعلى الرغم من أن (م) متزوج منذ أكثر من عشرة أعوام ولم ينجب، رغم إنفاقه الكثير من الأموال لعلاج زوجته بلا طائل، وعلى الرغم من أن علاقته بزوجته تتخللها الكثير من المشكلات والمنغصات، فإن زوجته أصرت على الطلاق عندما علمت بزواجه من أرملة أخيه، خاصة وأن لأخيه أطفالًا أيتامًا صغارًا بحاجة لرعاية، ولكنها كانت متأثرة بأعمال الدراما وشعارها "طلقني ... طلقني"، وهو ما سيدخل في نص القانون الجديد الذي يحرض الزوجة على الطلاق الفوري.
وبمناسبة الحديث عن الدراما؛ فهناك نغمة تسري بين الزوجات اللاتي تزوج رجلها بأخرى، وهي نغمة "نعيش كأخوة فقط من أجل الأبناء"، كتلك السيدة التي تقوم لنقابها فترتديه إن حضر زوجها بعد أن تزوج بأخرى!
حتى بعض الفتيات اللاتي لم يتزوجن بعد، نجح الإعلام العلماني في استقطابهن؛ فتجد إحداهن تقول: "أراه ميتًا أفضل من أن أراه متزوجًا"، وهي عبارة تقطر حقدًا؛ نتيجة الإعلام الذي أوقد الغيرة التي لم تجد ضابطًا من العقل أو الشرع ليلجمها.
3- دوافع خفية: غير أنه هناك العديد والعديد من الدوافع التي يصعب تحليلها، وربما تعرفها الزوجة وحدها، فـ(ن) سيدة دائمة السخرية من زوجها، وأنها كانت ساذجة للقبول به زوجًا، وأنه لا توجد امرأة أخرى قد تقبل به، وربما اشتركت معها أمها في هذا الاستهزاء بالرجل، حتى وإن كان في سياق المرح.
ومع تزايد إهمال (ن) نتيجة لاستصغار شأن زوجها، فوجئت بزوجها وقد خطب فتاة أخرى وهو في طريقه للزواج منها؛ وهنا عادت (ن) لرشدها، بعد أن هدأت وأعلنت احترامها لقراره فهو لا يخالف شرع الله، وتوقفت عن السخرية منه، وبدأت أكثر حنانًا ولطفًا، وما هي إلا فترة وجيزة استشعر فيها الزوج بصدق زوجته في مشاعرها وأشفق عليها عندما شعر أنها متألمة في صمت، واستشعر ثقة بنفسه كان يفتقدها؛ فإذا به يتراجع عن مشروع الخطبة.
فماذا يستطيع القانون أن يفعل بكل هذه الدوافع والرغبات، والغرائز والعواطف؟! وهل ستكون الخطوة القادمة رفع الزوج لمستشفى الأمراض النفسية؟!
____________________________________________
الكاتب: فاطمة عبدالرؤوف
- التصنيف: