الحجاب

منذ 2022-01-01

إنَّ مِن أعظم مقاصد هذا الدِّين إقامة مجتمعٍ طاهرٍ، الخُلُق سياجُه، والعفَّة طابعه، والحشمة شعاره، والوقار دثاره، مجتمعٌ لا تستفزه الشهوات، ولا تُثار فيه عوامل الفتْنة، تضيق فيه فُرَص الغواية، وتقطع فيه أسباب التهييج والإثارة، فلذا شرع الحجاب ليحفظ المؤمنات عفيفات متسترات

فأوصيكم - إخوة الإسلام - ونفسي بتقوى الله سبحانه، فمَن اتَّقى الله أكرمه وأعانه، وثبت على الحق فؤاده وجنانه، ويسَّر له دُخُول جناته؛ يقول سبحانه: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم: 63].

 

عباد الله:

في إحدى الغزوات جاءت امرأةٌ منَ الأنصار تُدعى أم خلادٍ، جاءتْ تبحث عن ولدها بين جُثث الشهداء، وكانت هذه المرأة محجبةً منتقبةً، لا تظهر منها إلا عينٌ واحدةٌ، فتَعَجَّبَ الصحابة - رضي الله عنهم - وقالوا: يا أم خلادٍ، كيف تبْحثين عنْ ولدك بين القتْلى وبكِ ما بك من الحزن وما زلت تنْتقبين؟! أما دفعك حر المصاب وألَم الفراق إلى أن تخْلعي عنك حجابك؟ فماذا كانتْ إجابة هذه المؤمنة الصادقة، والعفيفة الطاهرة، التي استقت الهدى من معين رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - قالت لهم: يا إخوتاه، إن أرزأ في ولدي وفلذة كبدي، فلن أرزأ في إيماني وحيائي!

 

وهكذا ينبغي أن تكون المؤمنات، سيرًا على نَهْج الصالحات الفُضْليات، ولسان حالهن يقول:

بِيَدِ العَفَافِ أَصُونُ عِزَّ حِجَابِــــــــي   ***   وَبِعِصْمَتِي أَعْلُو عَلَى أَتْرَابِــــي 

مَا ضَرَّنِي أَدَبِي وَحُسْنُ تَعَلُّمِـــــــــي   ***    إِلاَّ بِكَوْنِي زَهْرَةَ الأَلْبَــــــــــابِ 

مَا عَاقَنِي خَجَلِي عَنِ الْعَلْيَـــــــا وَلاَ   ***   سَدْلُ الْخِمَارِ بِلمَّتِي وَنِقَابِــــــي 

فَمَعِي النِّسَاءُ السَّائِرَاتُ عَلَى الْهُدَى   ***   وَمَعِي الْحَيَاءُ وَفِطْرَتِي وَكِتَابِي 

سَأَظَلُّ أَرْقَى لِلسَّمَوَاتِ الْعُلَـــــــــى   ***   وَأَظَلُّ أَحْيَا فِي هُدَى الْمِحْـرَابِ 

 

إخوة الإيمان:

إنَّ مِن أعظم مقاصد هذا الدِّين إقامة مجتمعٍ طاهرٍ، الخُلُق سياجُه، والعفَّة طابعه، والحشمة شعاره، والوقار دثاره، مجتمعٌ لا تستفزه الشهوات، ولا تُثار فيه عوامل الفتْنة، تضيق فيه فُرَص الغواية، وتقطع فيه أسباب التهييج والإثارة، فلذا شرع الحجاب ليحفظ المؤمنات عفيفات متسترات، وليصونهن من أن تخدشهن أبصار الذين في قلوبهم مرضٌ؛ يقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59]، تقول أم سلمة - رضي الله عنها -: "لما نزلت {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية"، والجلباب: كل ساترٍ من أعلى الرأس إلى أسفل القدم، من ملاءةٍ وعباءةٍ، وكل ما تلتحف به المرأة فوق درعها وخمارها، قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: "أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجةٍ أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب".

 

وجاء عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، شققن مروطهن - أي: الزيادة من أزرهن - فاختمرن به".

مَنَعَ السُّفُورَ كِتَابُنَا وَنَبِيُّنَا   ***   فَاسْتَنْطِقِ الآثَارَ وَالآيَاتِ 

إخوة الإسلام:

وفي سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - توجيهاتٌ سنيةٌ، تأمر بالحجاب والعفاف، والتستر والانكفاف، وتنهى عن التبَرُّج والسُّفور، وعن كل ما يوقع المرأة في الإثم والشُّرور؛ ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صنْفان من أهل النار لَم أرهما؛ قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مميلاتٌ مائلاتٌ، رؤُوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» ؛ (أخرجه مسلمٌ).

 

ومِن هذه التَّوْجيهات: ألا تختلط المرأة بالرجال، أو تزاحمهم في الطرقات، أو تخرج متَزَيِّنة متعطِّرة، إلا عند المحارم أو في مجامع النساء؛ فعن أبي أسيد الأنصاري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول - وهو خارجٌ من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للنساء -: «استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق»، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به؛ (أخرجه أبو داود) .

 

وعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا استعطرت المرأة فمرتْ على القوم ليجدوا ريحها، فهي كذا وكذا»، قال: قولًا شديدًا؛ أخرجه أبو داود، قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: "والشريعة طافِحةٌ بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورةٍ.... فإن مست الحاجة إلى الخروج فليكن على احتشامٍ وتستُّرٍ تام".

 

هذا، وقد ذكر أهلُ العلم ضوابط وشروطًا للحجاب المراد، وهي: أن يكون ساترًا لجميع البَدَن، وأن يكونَ كثيفًا غير رقيق ولا شفاف، وأن يكون واسعًا غير ضيقٍ، لا يُجَسِّم العورة، ولا يظهر مفاتِن المرأة، وألا يكون زينةً في نفسه أو ذا ألوانٍ جذابةٍ يلفت الأنظار، وألا يكون معطرًا، وألا يشبه لباس الرجال، أو لباس الكافرات والفاجرات.

 

أما بعدُ:

فاتَّقوا الله - معاشر المسلمين - وكونوا على نسائكم وبناتكم من المُحافظين، فإنَّهن أمانةٌ قد أُمِرْتُم بحفظها ووقايتها؛ يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

 

إخوة الإيمان:

وتبقى قضية الحجاب قضية مهمة تُثار حولها الشبهات، وأيًّا كان مثيرها - أعن جهلٍ بأحكام الشريعة، أو نية إفساد في المجتمع المسلم - فالواجب علينا هو التمَسُّك بما جاء في كتاب ربنا، وثبت في سُنَّة نبينا - عليه الصلاة والسلام - والتَّفَقُّه في دين الله وسؤال أهل العِلْم الراسخين؛ ليكونَ المسلم في منعة مما يلقى عليه منَ الشبُهات التي تنأى بمجتمعه عن الفضيلة إلى الرذيلة.

 

ثُمَّ صلوا - عباد الله - وسلموا على خاتم النبيين وخير المرسلين، كما أمر بذلكم رب العالمين، فقال عز من قائلٍ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

 

  • 4
  • 0
  • 2,298

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً