المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي - آداب العزلة

منذ 2022-01-13

وقال أكثر التابعين باستحباب المخالطة, واستكثار المعارف الإخوان, والتألف والتحبب إلى المؤمنين, والاستعانة بهم في الدين تعاوناً على البر والتقوى

للناس اختلاف كثير في العزلة والخلطة, وتفضيل إحداهما على الأخرى, ومع أن كل واحدة منهما لا تنفك عن غوائل تنفر عنها, وفوائد تدعو إليها, ومال أكثر العباد والزهاد إلى اختيار العزلة وتفصيلها على المخالطة, وقال أكثر التابعين باستحباب المخالطة, واستكثار المعارف الإخوان, والتألف والتحبب إلى المؤمنين, والاستعانة بهم في الدين تعاوناً على البر والتقوى, ومال إلى هذا: سعيد بن المسيب, والشعبي, وشريح, وابن المبارك, والشافعي, وأحمد بن حنبل, وجماعة.

فوائد العزلة:

الفائدة الأولى: التفرغ للعبادة.

الفائدة الثانية: التخلص بالعزلة عن المعاصي التي يتعرض الإنسان لها غالباً بالمخالطة, ويسلم منها في الخلوة, وهي: الغيبة والنميمة, والرياء, والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ومسارقة الطبع من الأخلاق الرديئة والأعمال الخبيثة التي يوجبها الحرص على الدنيا.

الفائدة الثالثة: الخلاص من الفتن والخصومات, وصيانة الدين والنفس عن الخوض فيها, والتعرض لأخطارها, وقلما تخلو البلاد عن تعصبات وفتن وخصومات, فالمعتزل عنهم في سلامة منها.

الفائدة الرابعة: الخلاص من شر الناس, فإنهم يؤذونك مرة بالغيبة, ومرة بسوء الظن, وتارة بالنميمة أو الكذب, فإذا اعتزلتهم استغنيت من التحفظ عن جميع ذلك.

الفائدة الخامسة: أن ينقطع الناس عنك, وينقطع طمعك عن الناس.

الفائدة السادسة: الخلاص من مشاهدة الثقلاء والحمقى ومقاساة حمقهم وأخلاقهم.

فوائد المخالطة:

الفائدة الأولى: التعليم والتعلم وهما أعظم العبادات في الدنيا, ولا يتصور ذلك إلا بالمخالطة.

الفائدة الثانية: النفع والانتفاع, أما الانتفاع بالناس فبالكسب والمعاملة, وذلك لا يتأتى إلا بالمخالطة, وأما النفع فهو أن ينفع الناس إما بماله, أو ببدنه فيقوم بحاجتهم على سبيل الحسبة. ففي النهوض بحوائج المسلمين ثواب وذلك لا ينال إلا بالمخالطة

الفائدة الثالثة: التأديب والتأدب, ونعنى به الارتياض بمقاساة الناس, والمجاهدة في تحمل أذاهم كسراً للنفس, وقهراً للشهوات, وهي من الفوائد التي تستفاد بالمخالطة, وهي أفضل من العزلة في حق من لم تتهذب أخلاقه, ولم تذعن لحدود الشرع شهواته.

الفائدة الرابعة: الاستئناس والإيناس, وهو غرض من يحضر الولائم والدعوات ومواضع العشرة والإنس. وقد يكون ذلك على وجه حرام...أو على وجه مباح

ويستحب ذلك إذا كان الغرض منه ترويح القلب لتهيج دواعي النشاط في العبادة.

الفائدة الخامسة: في نيل الثواب وإنالته, أما النيل فبحضور الجنائز وعيادة المريض وحضور العيدين, وأما إنالته فهو أن يفتح الباب لتعوده الناس, أو ليعزوه في المصائب, أو يهنوه على النعم, فإنهم ينالون بذلك ثواباً.

الفائدة السادسة: التواضع, من أفضل المقامات, ولا يقدر عليه في الوحدة, وقد يكون الكبر سبباً في اختيار العزلة.

الفائدة السابعة: التجارب, فإنها تستفاد من المخالطة للخلق ومجارى أحوالهم, والعقل الغريزي ليس كافياً في تفهم مصالح الدين والدنيا, وإنما تفيدها التجربة والممارسة, ولا خير في عزلة من لم تحنكه التجارب.

         كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 1
  • 1
  • 1,838
المقال السابق
الأخوة والصحبة (3)
المقال التالي
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً