حاور قبل أن تجادل

منذ 2022-01-23

لنجاح الحوار في الأسرة ينبغي على الوالدين توفير بيئة جيدة وهادئة للحوار، واختيار مكان هادئ خال من الضوضاء، فمن المهم أن يكون هدف الأسرة من الحوار هو تقوية العلاقات التي تجمعهم وأن يكونوا مستعدين نفسيا للحوار ...

كنا جالسين كعادتنا في كل سبت من أيام الأسبوع، تضج زوايا البيت بأصواتنا، إذ قطع أبي المناوشات المعتادة بيننا ملفتاً أنظارنا إليه بصوته الحاد الجدي قائلاً: أود أن أبلغكم بخبر هام جدا بالنسبة إلينا جميعاً كما أنني أسعد بالاستماع إلى اقتراحاتكم حول هذا الموضوع ثم استرسل قائلاً: كما تعلمون إننا على مشارف نهاية السنة الدراسية وسنستقبل الإجازة الصيفية بكل شغف وحماس، لكن هذه السنة لن نستطيع السفر إلى أي بلاد كما اعتدنا في السابق نظرا لارتباطي بمسؤوليات عدة تتعلق بالعمل. 


ملأت ملامح الدهشة والذهول وجوهنا بعد تلك الكلمات التي سمعناها من أبي، لقد انهارت وتلاشت كل الأفكار المعدة مسبقا لسفرنا هذا، كل آمالنا خابت، وعلامات استفهام كثيرة تُقرأ بأعيننا، خيم الصمت لدقائق بيننا..

ثم قطع صوت أخي ذلك الصمت قائلاً: وماذا سنفعل اذاً في تلك الاجازة الطويلة؟ أجابه والدي: هذا ما أردت مناقشتكم به لنتبادل الأفكار ونستقر على رأي رشيد، تفوهت أختي الصغيرة بكلمات تكاد لا تسمع تعبر فيها عن استيائها الشديد بما أخبرنا به أبي، في تلك الأثناء اجتاز صوت أخي الحيرة المرسومة على وجوهنا قائلاً: أنا أقترح أن نذهب جميعنا إلى المنتجع الجديد الذي افتتح مؤخراً ونقضي به أيام الإجازة، رد عليه أخي الأصغر قائلاً: وانا أقترح أن يقضي كل واحد منا إجازته بالشكل الذي يحلو له ويستمتع به دون فرض أي آراء علينا.

استاء أخي محمد من طريقة حديث أخي الصغير وانفعل جداً من كلامه وهنا بدأت المشادات بينهما متناسين تماماً وجود أبي بينهما وضرورة احترام وجوده، علت أصواتنا وبدأ كل واحد منا يتنازع مع الآخر مدافعاً عن فكرته ومتمسكاً برأيه، ولما احتد الكلام بيننا قرر أبي الخروج عن صمته وقال وهو حنق: لقد أردت أن تكون هذه الجلسة مثمرة بالآراء الحكيمة وليس ساحة للعراك، وخرج من بيننا غضبان أسفاً وتركنا وسط سكون وندم.


لقد كان هذا نموذجا لحوار أسري معتاد تحول إلى جدال واسع، يجعلنا نتساءل كيف لنا معرفة الحوار من الجدال ؟ وما أهمية الحوار في حديثنا؟ وماهي الأسباب الفعلية لانعدامه ؟ وماهي صفة الحوار الفعال وكيفية نجاحه؟

الفرق بين الحوار والجدال:
يمكننا القول إن الحوار والجدال لهما نفس المعنى وهو تبادل الآراء حول موضوع معين ولكن الحوار يكون بطريقة مهذبة ويوجد فيه استماع للطرف الآخر وفيه تبادل للثقافات فكل واحد منهم يضيء للآخر نقطة لا يراها، أما الجدال المذموم فهو أشبه بالمخاصمة لأنه يكون بمعنى الحوار ولكن فيه مشادة كلامية وكل من الطرفين يحاول إقناع الآخر حتى لو قام باستخدام أدلة غير صحيحة ليثبت كلامه، إذا الحوار هو الجدال ولكن كيف نعرف أنه حوار وليس جدالا، نجد أن المحاور يهمه من الأمر أن يكون فيه تبادل وجهات نظر وليس كيف يقنع الطرف الآخر بفكرته، كما يملك المتحاوران ميزتين أساسيتين هما: العلم بالهدف من الحوار والقضايا التي يتحاوران فيها، بالإضافة إلى الخلق الحسن والتهذيب، وبذلك يصبح الحوار ممتعا وراقياً.

 

الحوار وأهميته:
يقول تعالى: (
{وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون} ) [الشورى: 38]، الشورى هي أسلوب حياة وعلى الكبير سماع الصغير والعكس حتى يصلا إلى رأي مشترك بينهما وهذا هو الصحيح، وعلى الوالدين أن ينسيا أنهما أصحاب سلطة عند الحوار مع أبنائهما، ويجب أن يعرف الآباء أن للحوار أهمية كبيرة للأسرة منها: 


1- أن الحوار ينشئ التفاعل بين الأبناء والوالدين مما يسهل على الطفل البوح بمشاعره لوالديه وما يواجهه من مشاكل في المدرسة وبذلك يستطيع الوالدان تدارك الموقف قبل أن يزداد سوءاً على عكس الجدال الذي يخلق حاجزاً بين الأب وابنه لأنه يخاف أن يخبره بما حدث معه فيوبخه.


2- الحوار يهدف إلى بناء شخصية الطفل لأنه يشعره بالأمان والثقة التي تقيه من المشكلات في المستقبل عند استمرار الحوار بينه وبين والديه.


3- يستفيد الآباء من خلال الحوار مع أبنائهم أن يشكلوا صورة عن طموحاتهم ومشكلاتهم لأن الأطفال لا يجيدون التعبير، والفائدة الأخرى فهم الصورة التي رسمت في أذهانهم عنهم وقد تكون هذه الصورة خاطئة وبالحوار المستمر تتضح الصورة فإن كانت صحيحة قاموا بتغيير سلوكهم وإن كانت خاطئة قاموا بتصحيحها.


4- الغزو الثقافي الغربي عبر وسائل الإعلام وما تسببه من تغيير في الأخلاق والطموحات، قد سمعنا الكثير من القصص عن المراهقات اللاتي تورطن بعلاقات عبر الإنترنت مع الشباب، ومن الفتيات والفتيان من اتجه لأصدقاء السوء، لذا يجب أن يكون هناك حوارا مستمرا في المنزل لتفادي تلك المشاكل.

 

أسباب انعدام الحوار:
1- بعض الآباء والأمهات لديهم معتقدات خاطئة في التربية منها أن الأبوين يصدران الأوامر وعلى الأبناء التنفيذ فينعدم بذلك الحوار.
2- قلة مكوث الأب والأم في المنزل وقضاء ساعات طويلة في العمل يؤدي إلى قلة فرص الحوار مع الأبناء.
3- وأخيرا التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت متوفرة في كل بيت فنجد كل طفل ينعزل عن أسرته ويتواصل مع العالم الخارجي مما يضعف الروابط الأسرية ويقلل الحوار الأسري



حتى يكون الحوار ناجحا:
لنجاح الحوار في الأسرة ينبغي على الوالدين توفير بيئة جيدة وهادئة للحوار، واختيار مكان هادئ خال من الضوضاء، فمن المهم أن يكون هدف الأسرة من الحوار هو تقوية العلاقات التي تجمعهم وأن يكونوا مستعدين نفسيا للحوار وفي وقت نشاطهم وخال من الواجبات، ولأن الحوار سوف يكون بين كبار وصغار، وعلى الوالدين أن يقوموا بتخفيف التوتر الذي سيحصل خلال الجلسة.

وفي الختام، يوجد الكثير من الآباء من يقوم بتربية أبنائه كتربية آبائنا وأجدادنا ظنا منهم أنها هي الطريقة المثالية وأنها أساليب تربوية كاملة وتصلح لكل العصور، ولكن هذا خطأ، لذا يجب عليهم أن يتثقفوا أكثر في طرق التربية الحديثة خصوصا مع التطور الحاصل ويجب الاستمرار في الحوار مع الأبناء حتى لا يقعوا في أخطاء يمكن تفاديها قبل حدوثها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:كتاب  التواصل الأسري كيف نحمي أسرنا من التفكك( دكتور عبد الكريم بكار)  

  • 4
  • 0
  • 1,649

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً