لماذا أنا...!؟
كان عنوانًا لموضوع شغَل بالي لسنوات، ثم لَخَّصْتُه في نص أدبي، يتحدث عن معاناتي مع الإعاقة، ومعاناة أبي وأمي في البحث عن علاج لها عند من يبيعون الوهم للناس، عن طريق الكي أو البخ والتمتمات بكلمات غير مفهومة.
كان عنوانًا لموضوع شغَل بالي لسنوات، ثم لَخَّصْتُه في نص أدبي، يتحدث عن معاناتي مع الإعاقة، ومعاناة أبي وأمي في البحث عن علاج لها عند من يبيعون الوهم للناس، عن طريق الكي أو البخ والتمتمات بكلمات غير مفهومة.
(لماذا أنا؟) هو سؤال كل إنسان يعاني من شيء يمنعه أن يتمتع بملذات الحياة، ويحد من انطلاقه في دروب شهواتها التي لا تنتهي، ويشعر أنه مبتلى.
ولو تأمل الإنسان جيدًا، لو وجد أنه مبتلى أيضًا بالمعافاة حين يجد نفسه سليمًا من كل شيء يمنعه أن يغرق بروحه وجسده وكِيانه كله في ملذاته.
لا يصرخ حينها، لماذا أنا؟
ولا يدري المسكين أنه حقًّا مبتلى، وعليه أن يتحرر ويحرر الجزء السماوي من ملذاته، ويجعله يتصل بخالقه، كأجمل ما يكون الاتصال.
إنها رُوحه..!
لذلك الله يبتلينا، وقليل ما تجد من لا يعاني من شيء يجعل روحه تئن، وتقول يا رب!
إن الله يعلم ضَعفنا، ويعلم أنه لو بسط علينا الرزق كما نحب، لنسينا حظ أرواحنا من الاتصال به، ولكانت صلتنا بالله تأدية واجب ليس إلا، نقوم به على عجل لنتفرغ لمحبوباتنا، وهنا أجد قوله جل جلاله ماثلًا أمامي: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].
حتى المعافى مطالب بالبحث عن جواب للسؤال الوجودي: لماذا أنا؟
لماذا أنا معافى، وكل شيء سهل ميسر لي؟
وغيري يجد صعوبات كثيرة في حياته؟
وسيجد الجواب من خالقه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
أنا وأنت خُلقنا للعبادة، وهي المساحة الجميلة في أرواحنا "إنها الاتصال بالله"، لن تكون دائمة متصلة إلا بالتحرر من قيود العافية والبلاء.
المعافاة أن تُدرك أنك عبدٌ لله، عليك أن تحافظ في كل حالاتك - سواء معافى أو مبتلى - على الجزء السماوي الجميل منك، متصلًا بالله، محركًا ومسيطرًا على جوارحك، أن تكون عبدًا لله لا لسواه.
نحن مثل النبات، لا غنى للجزء السفلي ولا العلوي عن الله.
فالأول للري والتربة، وما فيها من مواد تغذية، والثاني للنور؛ ليربيه ولينمو ويترعرع، ويعلو ويسمو متجهًا لله.
وحقيقة الابتلاء تتجسد في قوله سبحانه: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر: 15، 16].
ويرد جل جلاله على تساؤلاتنا بكلمة واحدة: (كَلَّا)، إن الأمر ليس كذلك! إن المنع ابتلاء، وإن العطاء ابتلاء، وليست العافية إلا وجهًا آخر للاختبار، لذلك علمنا الرسول عليه الصلاة والسلام أن نردد في كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
أعني يا ألله في حالة البلاء والعافية على أن أبقى متصلًا بك، لا يشغلني ابتلائي بالبلاء أو العافية عن القرب منك، لا أنشغل عنك في صحتي وعافيتي بملذاتي، ولا أنشغل بطلب رفع البلاء عن التعرف عليك، والتقرب منك، فأنا لله وأنا إليه راجع.
متصلًا كِياني كله بك، يستمد منك الحياة، محافظًا على النور الذي سكبته في هذا الجسد الفاني، مستعينًا بك على أن أفي بوعدي وعهدي لك، أن يبقى متصلًا بك حتى اللقاء.
- التصنيف: