تخريج حديث: نهى عن افتراش جلود السباع

منذ 2022-01-30

رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن افتراش جلود السباع. رواه الترمذي، ورواه أبو داود. ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع.

رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن افتراش جلود السباع. رواه الترمذي، ورواه أبو داود. ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع. (1/ 93).

الصحيح فيه الإرسال.

 

أخرجه ابن أبي شيبة (36417)، وأحمد (20706) و (20712)، والدارمي (2026) و (2027)[1]، وأبو داود (4132)، والترمذي في «الجامع» (1770)، وفي «العلل» (534)، والنسائي في «المجتبى» (4253)، وفي «الكبرى» (4565)، وابن الجارود في «المنتقى» (875)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (3252)، والطبراني في «الكبير» (ج1) (508) و (509)، والحاكم في «المستدرك» (507) و (508)، والبيهقي في «الكبير» (59) و (71)، وفي «الصغير» (209)، والضياء في «المختارة» (1395) و (1397)، من طرق، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي الملِيح، عن أبيه رضي الله عنه، قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع.

وفي بعض الطرق: «أن تُفْترش».

 

• أبو المليح بن أسامة بن عمير، أو عامر، تابعي ثقة، روى له الجماعة.

قال الحاكم: «وهذا الإسناد صحيح؛ فإن أبا المُليح اسمه عامر بن أسامة، وأبوه أسامة بن عمير، صحابي، من بني لحْيان، مخرج حديثه في المسانيد، ولم يخرجاه» اهـ.

 

قلت: فيه عنعنة قتادة، وهو مشهور بالتدليس، وقد ذكره الحافظ في المرتبة الثالثة من المدلسين.

 

قال الذهبي في ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (5/ 271): «وهو حجة بالإجماع؛ إذا بين السماع؛ فإنه مدلس معروف بذلك».

 

وقال الطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 816): «قتادة عندهم من أهل التدليس، معروف عندهم بذلك، وغير جائز عندهم أن يحتج من راوية المدلس، وإن كان عدلا؛ إلا بما قال فيه: حدثنا، أو سمعت، وما أشبه ذلك؛ مما يدل على سماعه» اهـ.

 

وقال الحاكم في «المدخل إلى الإكليل» (ص46): «قتادة بن دعامة إمام أهل البصرة؛ إذا قال: قال أنس، أو قال الحسن، وهو مشهور بالتدليس عنهما».

 

وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (3/ 307): «وقتادة إذا لم يقل: «سمعت»، وخولف في نقله؛ فلا تقوم به حجة؛ لأنه يدلس كثيرا عمن لم يسمع منه، وربما كان بينهما غير ثقة».

 

وقد أشار الإمام الترمذي إلى خطأ سعيد بن أبي عروبة في رفع هذا الحديث - حيث قد رواه غيره عن أبي المليح مرسلا، كما سيأتي - فقال عقبه: «ولا نعلم أحدا قال: عن أبي المليح، عن أبيه، غير سعيد بن أبي عروبة».

 

قلت: ولكن قد جاء الحديث عن غير سعيد مرفوعا.

 

فقد أخرجه البزار في «مسنده» (2332)، قال: حدثنا محمد بن المثنى، قال: أخبرنا محمد بن جعفر، قال: أخبرنا شعبة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وأخرجه البزار في «مسنده» (2333)، قال: أخبرنا محمد بن المثنى، قال: أخبرنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

• ومعاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، صدوق ربما وهم.

• وأبوه هشام الدستوائي، ثقة ثبت.

وأخرجه الطبراني في «الكبير» (1/ 192) (509)، ومن طريقه الضياء في «المختارة» (1396)، من طريق أبي كريب، قال: حدثنا ابن المبارك، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تفترش جلود السباع.

 

قلت: أبو كريب؛ هو: محمد بن العلاء، ثقة حافظ، ولكن ذِكْر شعبة هنا خطأ منه، وصوابه: سعيد.

 

وروى الإمام أبو بكر بن نقطة رحمه الله في «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» (ص448)، بإسناده، عن أحمد بن سلمة، قال: قلت لمسلم بن الحجاج: إن أبا كريب حدثنا عن ابن المبارك، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع؟ فقال مسلم: هكذا رواه أبو كريب، فاستره عليه.

 

قلت [ابن نقطة]: قول مسلم: هكذا رواه أبو كريب، فاستر عليه؛ لأنه رواه عن ابن المبارك عن شعبة؛ وإنما رواه ابن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة» اهـ.

 

قلت: وعلى كل فمدار هذه الطرق على قتادة، وهو مدلس، وقد عنعن، كما تقدم.

 

وقد جاء الحديث مرفوعا من ثلاثة طرق أخرى، اثنان منهم واهيان، والثالث شاذ؛ فلا ينجبر بهم ضعف طريق قتادة.

 

فأما الطريق الأول: فقد أخرجه البزار في «مسنده» (2331)، قال: حدثنا أحمد بن السخْت، قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: أخبرنا يزيد الرشك، عن أبي المليح، عن أبيه.

 

قلت: وأحمد بن السخت، مجهول ليست له ترجمة، فلا يُقبل منه رفعه الحديث؛ لا سيما مع مخالفته لاثنين من الثقات روياه عن ابن علية مرسلا؛ وهما ابن أبي شيبة، ومؤمل بن هشام، كما سيأتي.

 

وقد قال البزار عقب الحديث: «ولم يتابعه غيره على رفعه عن أبيه، وأما حديث مطر، عن أبي المليح، عن أبيه؛ فلم يروه إلا أبان، ولا نعلم رواه عن أبان إلا إسحاق بن إدريس».

 

وأما الطريق الثاني: فقد أخرجه الطبراني في «الكبير» (1/ 192) (511)، من طريق إسحاق بن إدريس، قال: حدثنا أبان بن يزيد، عن مطر الوراق، عن أبي المليح، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تفترش جلود السباع.

قلت: وهذا أيضا طريق واه شديد الوهاء.

 

• إسحاق بن إدريس الأسواري.

قال البخاري في «الأوسط» (4/ 936): «سكتوا عنه».

وجاء في «الجرح والتعديل» (2/ 213): «سمعت أبي يقول: تركه علي بن المديني.

سألت أبي عنه، فقال: ضعيف الحديث.

 

سئل أبو زرعة عنه، فقال: واهي الحديث، ضعيف الحديث، روى عن سويد بن إبراهيم وأبي معاوية أحاديث منكرة» اهـ.

 

وروى العقيلي في «الضعفاء الكبير» (1/ 300): «عن عباس بن محمد، قال: سمعت يحيى يقول: إسحاق بن إدريس الأسواري كذاب.

 

وعن البخاري، قال: إسحاق بن إدريس الأسواري البصري، تركه الناس.

 

وعن البخاري، قال: إسحاق بن إدريس الأسواري البصري، كذاب.

 

وعن عباس بن محمد، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: إسحاق بن إدريس، بصري، ليس بشيء، يضع الأحاديث».

 

• وأبان بن يزيد العطار، ثقة له أفراد.

• ومطر بن طهمان الوراق، صدوق كثير الخطأ.

 

وأما الطريق الثالث: فقد أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (897)، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا شعبة، عن يزيد الرشك، عن أبي المليح الهذلي، عن أبيه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع أن تُفرش.

قلت: إبراهيم بن عبد الله؛ هو ابن يزيد السعدي النيسابوري.

 

ذكره ابن حبان في «الثقات» (8/ 87).

وذكره الذهبي في «المغني في الضعفاء» (114)، وذكره أيضا في «ديوان الضعفاء» (204)، وفي «ميزان الاعتدال» (1/ 80).

 

وقال ابن حجر في «لسان الميزان» (1/ 74): «صدوق، وسئل أبو حاتم عنه؟ فقال: شيخ»[2].

 

قلت: ومثله لا تُقبل منه هذه الزيادة في الإسناد؛ لا سيما مع مخالفته لمحمد بن جعفر؛ وهو أوثق منه بمفاوز؛ حيث قد رواه عن شعبة، عن يزيد الرشك، مرسلا.

 

ورواه أيضا معمر، وابن علية، عن يزيد الرشك مرسلا، كما سيأتي ذلك.

 

فهذه المخالفة تدل على شذوذ هذه الزيادة في الإسناد. والله أعلم.

 

قلت: فإذا تبين لنا ضعف الحديث مرفوعا؛ فإنه قد رُوي مرسلا من طريق أصح.

 

أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (215)، عن معمر، عن يزيد الرشْكِ، عن أبي المُليْح بن أسامة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفترش جلود السباع.

 

ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني في «الكبير» (1/ 192) (510)، ولكن قال فيه: «عن معمر، عن يزيد الرشك، عن أبي المليح، أراه عن أبيه»، هكذا على الشك.

 

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (36421)، عن إسماعيل ابن علية، عن يزيد الرشك، عن أبي المليح، به.

 

وأخرجه البزار في «مسنده» (2330)، عن مؤمل بن هشام، عن ابن علية، به.

 

وأخرجه الترمذي (1771)، قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن يزيد الرشك، عن أبي المليح، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.

 

قلت: أبو المليح بن أسامة بن عمير، أو عامر، تابعي ثقة، روى له الجماعة.

 

• ويزيد بن أبي يزيد الضبعي، بضم المعجمة، وفتح الموحدة، أبو الأزهر البصري، يُعرف بـ«الرشْك»، بكسر الراء، وسكون المعجمة.

روى له الجماعة.

 

وجاء في «الجرح والتعديل» (9/ 298): «عن أبي طالب، قال: سألت أحمد بن حنبل عن يزيد الرشك؟ فقال: صالح الحديث، شعبة يروي عنه.

 

وعن عباس الدوري، عن يحيى بن معين، قال: يزيد الرشك، صالح.

 

وعن أبي بكر بن أبي خيثمة، قال: سمعت يحيى بن معين قال: يزيد الرشك، هو يزيد القاسم، ليس به بأس.

 

سمعت أبي يقول: يزيد الرشك ثقة.

 

وسئل أبو زرعة عن يزيد الرشك؟ فقال: ثقة» اهـ.

 

وقال ابن حجر في «التقريب»: «ثقة عابد، وُهم من لِينِه».

 

وقد صوب الإمام الترمذي وغيره الإرسال في هذا الحديث.

 

قال الإمام الترمذي في «الجامع» عقب الطريق المرسل: «وهذا أصح».

 

وقال المناوي في «تخريج أحاديث المصابيح» (1/ 245): «إرسال هذا الحديث أصح من إسناده».

 

وقال الشيخ مقبل الوادعي في «أحاديث معلة ظاهرها الصحة» (ص33): «سعيد بن أبي عروبة يعتبر شاذا؛ لأنه خالف من هو أرجح منه، والله أعلم» اهـ.

 


[1] وقد سقط سعيد بن أبي عروبة في هذا الموضع في المطبوعة.

[2] وأما قول الحاكم في «سؤالات السجزي» (41): «ثقة مأمون، إلا أنه طويل اللسان، وكان يستخف بمسلم بن الحجاج، فغمزه مسلم بلا حجة»اهـ. فالمقصود به: (إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني)، وليس هذا.

________________________________________________________
الكاتب: الشيخ محمد طه شعبان

  • 0
  • 2
  • 1,857

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً