عثمان الخياط (3)
ويقول أيضا: من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها، ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل المواساة، والبر، والصدق، وكرم العشيرة، والصبر، والوفاء، والأمانة، والحلم، وصفاء الضمائر، وصحة المودة.
** عن عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول: "ثَلَاثَةٌ مِنْ أعَلَام السُّنَّةِ: الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى صَلَوَاتِ الْجُمَعِ، وَحُبُّ السَّلَفِ".
// «السُّنَّة».. قال تعالى: {{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}} [آل عمران:106] يعني: يوم القيامة، حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسودّ وجوه أهل البِدْعَة والفرقة، قاله ابن عباس، رضي الله عنهما.
قال أهل العلم: من علامات التوفيق لمريد الهُدى أن يوفق لعالم من علماء السنة، وأن يجافي أهل البدعة والمذمة، ولئن زلت به القدم فسرعان ما يعاود إلى الحق، فهو طالب حق، لا طالب شهرة ومال.. وهذا الطريق الذي لا يسلكه إلا الرجال.
1/ «الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ»: أجمع العلماء على جواز المسح على الخفين من الجلد في السفر والحضر، وقد ألحق بهما جمهور العلماء الجوربين. وقال الشيعة والخوارج: لا يجوز وأنكروه.
2/ «الْمُحَافَظَةُ عَلَى صَلَوَاتِ الْجُمَعِ»: «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ. فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- سُنَنَ الْهُدَى. وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّى هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ. وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَرَفَعَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومٌ نِفَاقُهُ. وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ» . [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]
3/ «حب السلف»: وإجلالهم، والترحم عليهم، وذكرهم بالجميل، والإشادة بفضلهم وعلو شأنهم.
ولو قرأت يا أخي المسلم! في حياة السلف كما هو في كتاب (سير أعلام النبلاء) في ترجمة أدنى رجل من أهل العبادة والعلم والعمل وقست نفسك عليه لوجدت نفسك ضائعاً أمام أعمالهم؛ لأن السلف بلغوا المجد في كل باب من أبواب العلم والعمل، والزهد فنحن بجوار السلف لا شيء، وليس لنا من السلف إلا حب السلف، وأما العمل فبيننا وبينهم بون شاسع.
مع السلف،،،
// عن عُثْمَانَ الْخَيَّاطُ قَالَ: سَمِعْتُ سَرِّيَّ بْنَ الْمُغَلِّسِ يَقُولُ: مُرَّ بِعُتْبَةَ الْعَلَّامِ وَهُوَ يَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ بِمِلْحِ جَرِيشٍ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ: فَقَالَ: "نَعَمْ، حَتَّى نُدْرِكَ الشِّوَى وَالْغُمُوسَ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى".
// وعن عُثْمَانَ الْخَيَّاطُ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَقُولُ: "مَا أَذْكُرُ مَتَى ذَهَبْتُ إِلَى الْبَيْتِ لِآكُلَ"
// وعن أَبي عُثْمَانَ الْخَيَّاطُ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، ثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {{أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ}} [الحجرات: 3] قَالَ: "ذَهَبَ بِالشَّهَوَاتِ مِنْ قُلُوبِهِمْ"
// عثمان الخياط عن أحمد بن أبي الْحَوَارِيِّ قال سمعت عوام بن سميع قال كان سليمان الخواص يمر باللحام يأخذ منه لقطة له، فمر به فإذا هو يكلم امرأة. قال تقول له نفسه: يا سليمان من أجل قطة تمسك عن الكلام. فجاء إلى منزله فأخرج القطة فطردها ثم صار من الغد إلى اللحام فوعظه
** عن عُثْمَانَ الْخَيَّاطُ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّرِيَّ، يَقُولُ: بَلَغَنِي عَنْ جَهْمِ بْنِ حَسَّانٍ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ: يَا أَبَا بَحْرٍ دُلَّنِي عَلَى أَحْمَدِ أَمْرٍ عَاقِبَةً، فَقَالَ لَهُ: "خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ، وَكُفَّ عَنِ الْقَبِيحِ"، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَدْوَى الدَّاءِ؟" قَالَ: بَلَى، قَالَ: "اكْتِسَابُ الذَّمِّ بِلَا مَنْفَعَةٍ، وَاللِّسَانُ الْبَذِيءُ، وَالْخُلُقُ الرَّدِيءُ"
«خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» وكان الإمام أحمد يقول: بر الوالدين كفارة الكبائر.
«اكْتِسَابُ الذَّمِّ بِلَا مَنْفَعَةٍ» يقول ابن حزم: احرص على أن توصف بسلامة الجانب، وتحفظ من أن توصف بالدهاء فيكثر المتحفظون منك، حتى ربما أضر ذلك بك، وربما قتلك.
** عن سَعِيدَ بْنَ عُثْمَانَ الْخَيَّاطَ قال: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ، يَقُولُ: "لَا تَثِقَنَّ بِمَحَبَّةِ مَنْ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مَعْصُومًا"
// يقول ابن حزم في «مداواة النفوس»: العقل والراحة هو إطراح المبالاة بكلام الناس، واستعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل، بل هذا باب العقل والراحة كلها. من قدر أنه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون.
// ويقول: من حقق النظر، وراض نفسه على السكون إلى الحقائق وإن آلمتها في أول صدمة كان اغتباطه بذم الناس إياه أشد وأكثر من اغتباطه بمدحهم إياه، لأن مدحهم إياه، إن كان بحق وبلغه مدحهم له، أسرى ذلك فيه العُجب، فأفسد بذلك فضائله، وإن كان بباطل فبلغه فسره، فقد صار مسروراً بالكذب، وهذا نقص شديد.
وأما ذم الناس إياه، فإن كان بحق فبلغه، فربما كان ذلك سبباً إلى تجنبه ما يعاب عليه، وهذا حظ عظيم، لا يزهد فيه إلا ناقص، وإن كان بباطل وبلغه فصبر، اكتسب فضلاً زائداً بالحلم والصبر، وكان مع ذلك غانماً، لأنه يأخذ حسنات من ذمه بالباطل، فيحظى بها في دار الجزاء، أحوج ما يكون إلى النجاة بأعمال لم يتعب فيها، ولا تكلفها، وهذا حظ عظيم لا يزهد فيه إلا مجنون.
وأما إن لم يبلغه مدح الناس إياه، فكلامهم وسكوتهم سواء، وليس كذلك ذمهم إياه، لأنه غانم للأجر على كل حال، بلغه ذمهم أو لم يبلغه. ولولا قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الثناء الحسن: (ذلك عاجل بشرى المؤمن) لوجب أن يرغب العاقل في الذم بالباطل، أكثر من رغبته في المدح بالحق، ولكن إذا جاء هذا القول، فإنما تكون البشرى بالحق لا بالباطل، فإنما تجب البشرى بما في الممدوح لا بنفس المدح.
ويقول أيضا: من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها، ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل المواساة، والبر، والصدق، وكرم العشيرة، والصبر، والوفاء، والأمانة، والحلم، وصفاء الضمائر، وصحة المودة.
ومن طلب الجاه والمال واللذات، لم يساير إلا أمثال الكلاب الكلبة، والثعالب الخلبة، ولم يرافق في تلك الطريق إلا كل عدو المعتقد، خبيث الطبيعة.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: