غزو روسيا لأوكرانيا.. هل بدأ نظام عالمي جديد؟
وهذا سيساعد روسيا في استكمال مطامعها حتى تفرض واقع ونظام عالمي جديد، لاسيما إذا وقفت الصين في صفها.
خلال الثمانين سنة الماضية كانت الحروب وما تزال سمة بارزة لا تنفك عن كثير من دول أفريقيا وعدة دول عربية وكأنها أصبحت سلعة خاصة بها وشعارا مميزا لشعوبها، وكان الجميع ينظر إلى أوروبا على أنها أمة محترمة تقدر نفسها وتعتني بسكانها ومنهمكة فقط على التطور والإنتاج وهي الفردوس المفقود الذي يتسابق كثيرين للوصول إليه.
وما غاب عن كثير من الناس هو أن أكثر الحروب دموية وقسوة في تاريخ البشر وقعت في أوروبا، قديما كانت دينية بين البابا وبيزنطة وبين الكاثوليك والبروتستانت ثم أصبحت من منطلقات قومية كما في الحرب العالمية الأولى ثم الثانية اللتان حصدتا ملايين الضحايا ودمرت الأخضر واليابس بخسائر لم يعهدها التاريخ من قبل، لدرجة أن "برتراند رسل" الفيلسوف الألماني المشهور أفاد بأن "آفة أوروبا هي الحروب الطاحنة".
ومن البديهي في الحروب أن يبسط المنتصرين أيدهم على أملاك المهزومين، وروسيا لم تكن استثناء من ذلك، بل إنها بدأت بشن الحروب المدمرة لاحتلال مناطق جديدة حتى قبل الحرب العالمية حالها كحال الدول الإستعمارية في ذلك الوقت.
ولمن لا يعلم روسيا بالأصل دولة صغيرة كانت تقع في الركن الشمالي الشرقي من قارة أوروربا لا يزيد حجمها عن حجم اليمن، بيد أنها أخذت تتوسع شيئا فشيئا منذ عهد الأباطرة حتى بلغت خمسة عشر ضعفا من حجمها الأول بعد أن احتلت أراض فيحاء شاسعة بالحديد والنار وبالمجازر البشعة، غالبيتها العظمى إسلامية منها: الأورال - سيبيربا - القوقاز - التركستان - القرم.
وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى قام الاتحاد السوفييتي - بعد استيلاء البلاشفة على السلطة في روسيا - بالتوسع أكثر واستولى على دول أوروربا الشرقية كالمجر وسلوفاكيا وبولندا وأوكرانيا، ولم تتغير خريطة سيطرته بعد الحرب العالمية الثانية، بل زادت أكثر حتى أصبحت دولة بحجم قارة تطل على البحر الأسود والبلطيق والمحيط الهادئ والقطب المتجمد وقفزت مساحتها من 400 ألف كم إلى 14 مليون كم.
وبعد ذلك دخلت حروب الغرب مرحلة جديدة، ليس بالمواجهة المباشرة بل من خلال سباق التسلح والتنافس التقني والحروب بالوكالة، واستمرت الحرب باردة حتى وطئ الروس بأقدامهم بلاد الأفغان الذين جاهدوهم ببسالة حتى أجبروهم على الإنسحاب من بلادهم، ثم تداعى الاتحاد السوفيتي وانهار وأعلنت كثير من الأقطار استقلالها عنه كما هو معلوم.
وحينها اقتنص الغرب الفرصة الذي كان ينتظرها طويلا واستكمل هيمنته على العالم فيما عرف بنظام القطب الواحد، وباتت أمريكا هي المسيطر والآمر والناهي التي تضع القوانين الدولية وتنظم التجارة وتفرض العقوبات وتقيم القواعد العسكرية وتنشر الأساطيل البحرية في كل مكان، وخلت الساحة من المنافسين لفترة لحين كبرت الصين وأصبحت تنينا، وبدأت روسيا بالعودة تدريجيا.
*الحرب مجددا*
التطور الأهم والأخطر في صراع الغرب في الوقت الحاضر هو غزو روسيا لأوكرانيا الذي نراه اليوم، والتاريخ يذكر أن الكفرة يوجهون بنادقهم صوب بعضهم إذا اختلفوا بتقسيم حصص الدول المتأخرة بينهم، أو إذا طمع واحد منهم بما لدى آخر.
وعليه ليس من الصواب الاكتفاء بالقول بأن روسيا تسعى لمنع أوكرانيا من الإلتحاق بالتحالفات الأوروبية الأمريكية بل إن الأمر أعمق وأبعد من ذلك، فروسيا تريد إحياء إمبراطوريتها البائدة لا أكثر، وترى أن الوقت قد حان والفرصة مواتية لابد من استغلالها.
وبالموازين العسكرية والقدرات التقنية لا مقارنة بين الدولتين، ومن السهولة على الروس احتلال أوكرانيا من جديد، وهم لا يعترفون بهذه الدولة أصلا ويرون أنها من حقهم كما صرح رئيسهم "فلادمير بوتين" مؤخرا.
*ماذا بعد؟*
بالرغم من التصريحات الغربية الكثيرة المنددة والمستنكرة لما يجري، إلا أنه من المستبعد أن تقدم أمريكا أو الدول الأوروبية على مساندة أوكرانيا والوقوف معها بشكل حقيقي، فهذه الدول في واقع الأمر ليست كما كانت قبل 80 عاما؛ فنظام حياتهم وانغماسهم بالملذات جعلهم غير قادرين على الحروب وتباعتها، وجميع الحروب التي شنوها على المسلمين في أفغانستان ومالي والصومال وغيرها من البلدان أثبتت عجزهم وفشلهم، وهذا ما يقر به كثير من فكريهم مثل المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري الأمريكي "ج، باتريك بوكانين" الذي ألف كتابا سمته "موت الغرب".
وهذا سيساعد روسيا في استكمال مطامعها حتى تفرض واقع ونظام عالمي جديد، لاسيما إذا وقفت الصين في صفها.
وفي الأخير ينبغي للمسلمين أن لا يظلوا منتظرين للأمواج أن تقذف بهم يمينا ويسارا وهم ساكنين بلا حراك، وعلى الدول الإسلامية القوية أن تنتهز هذه الفرصة وأن تسعى بكل إمكانياتها أن تكون لها وزن وكلمة في نظام العالم، على أمل أن يأتي اليوم ويرجعوا مجددا قادة للعالمين كما كانوا طيلة قرون.
- التصنيف: