أوربا على المائدة!
بعد مناورات سياسية وعسكرية وحرب إعلامية متبادَلة توضِّح محاولات أمريكية مستميته لتشجيع الروس على غزو أوكرانيا واحتلالها؛ فوجئ العالم بخطابٍ لبوتين يعلن فيه تخوُّف روسيا من امتلاك أوكرانيا سلاحاً نووياً يصل إلى موسكو خلال ثمان دقائق، وألـمَح إلى أن أوكراني
لقد نجح الغرب بتفكيك الاتحاد السوفييتي سلمياً نجاحاً باهراً ومرَّت الجمهوريات بمرحلة انتقالية بائسة، دخلت فيها روسيا نفقاً مظلماً بوصول زعامات تبنَّت الوصفات الغربية وساهمت بخروج روسيا من نادي الكبار، وكان الرئيس يلسن السكِّير الأناني مثالاً لواقع الطبقة الحاكمة، وكان اختيارُ السياسي الشاب وضابط الاستخبارات السوفييتية السابق بوتين وتنصيبُه زعيماً جديداً لروسيا مؤذناً بمرحلة جديدة بدأت بقبول الحصانة الدائمة ليلسن وعائلته، وكان واضحاً أن بوتين واجهة لقوى متنفذة غالبها من اليهود، ولكن تدريجياً تخلص من كل الذين أتو به وأمسك بخيوط اللعبة وتحالف مع الكنيسة الأرثوذكسية وبدأ يتضح مع الوقت أنه يَعدُّ نفسه امتداداً لروسيا العظيمة؛ سواء أيام القياصرة أم أيام البلاشفة؛ ولذا فنحن أمام زعيم يسعى لاستعادة مكانة روسيا وما يجري حالياً هو بداية صراع علني بين أمريكا وحلفائها من جهة، وروسيا وأصدقائها من جهة أخرى، ملخَّصُه محاولة أمريكا خنق روسيا وتركيعها من أجل التفرُّغ للصين، ولكن بوتين يقوم حالياً بمحاولة جادة لإثبات نهاية عصر التفرد الأمريكي وأن الضعف الأوروبي يقابله عجز أمريكي عن ردع الأعداء وعن حماية الأصدقاء.
فبعد مناورات سياسية وعسكرية وحرب إعلامية متبادَلة توضِّح محاولات أمريكية مستميته لتشجيع الروس على غزو أوكرانيا واحتلالها؛ فوجئ العالم بخطابٍ لبوتين يعلن فيه تخوُّف روسيا من امتلاك أوكرانيا سلاحاً نووياً يصل إلى موسكو خلال ثمان دقائق، وألـمَح إلى أن أوكرانيا حاضرة في التاريخ الروسي، وأشار إلى وحدة الشعبين وأن المشكلة في النظام الانقلابي في كييف، وأعلن الاعتراف باستقلال الجمهوريتين المتنازَع عليهما ووقَّع معها اتفاقيات تعاون أو بمعنى آخر اتفاقيات الحماية العسكرية؛ وهي خطوة سياسية ماكرة جعلت أمريكا تتخبط في كيفية الرد، وكان ردُّ الكرملين على خطاب الرئيس الأمريكي الذي أعلن فيه فرض بعض العقوبات أن «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتابع خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن فالرئيس بوتين لديه اجتماع عمل»، وأما الرئيس الأمريكي السابق ترامب فله تعليق ظريف على الأحداث إذ قال عندما سئل خلال مقابلة مع إذاعة يمينية عن رأيه باعتراف بوتين باستقلال دونيتسك ولوغانسك: «هذا عمل عبقري»، مضيفاً: «بوتين يعلن استقلال منطقة كبيرة من أوكرانيا، أوه هذا رائع». ورأى ترامب أن تكتيكات بوتين كانت «ذكية» والولايات المتحدة يمكن أن تطبِّق مثل هذه التكتيكات عند حدودها مع المكسيك. وأضاف: «لو أديرت الأزمة بشكل صحيح لما كان هناك أيُّ سبب لحدوث ما يحدث حالياً في أوكرانيا»، مضيفاً: «أعرف فلاديمير بوتين جيداً، وما كان ليفعل أبداً في ظلِّ إدارة ترامب ما يفعله حالياً، مستحيل!». نعم! لقد بدأ ترامب حملته الانتخابية وأنه الوحيد القادر على اللعب مع الكبار؛ فبايدن النعسان لا يجيد لعب الشطرنج السياسي.
وفي الختام: يتبين من نشاط بوتين وكثرة خطاباته العلنية أنه يمهِّد لمرحلة خلخلة حلف الناتو وتفكيكه بتخويف الدول حديثة الانضمام من دول البلطيق وشرق أوروبا، وقد يصل الأمر إلى إغراء تركيا بالانسحاب من الحلف لا سيما أنها حالياً أقرب إلى الحياد والاكتفاء بالتفرج على ما يمكن تسميته بـ (الصراع الأمريكي الروسي على القصعة الأوروبية)؛ فقد يكون هذا الصراع فرصة لا تعوض لعودة تركيا للقرم والبلقان.
_____________________________________________
الكاتب: . د. يوسف بن صالح الصغير
- التصنيف:
- المصدر: