هل بقي على ظهر الأرض من يتعامل بالربا ؟

منذ 2022-03-24

قد تظنني أمزح حين أطرح سؤالا كهذا ، لكنه سؤال جاد يخطر في البال أحيانا ، حينما أسمع فتاوى المشايخ الرسميين في مصر عن ربا البنوك ، وأنه حلال بلال كالماء الزلال ؟

{ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ

مرة أخرى : هل بقي على ظهر الأرض من يتعامل بالربا ؟

قد تظنني أمزح حين أطرح سؤالا كهذا ، لكنه سؤال جاد يخطر في البال أحيانا ، حينما أسمع فتاوى المشايخ الرسميين في مصر عن ربا البنوك ، وأنه حلال بلال كالماء الزلال ؟

وسبب السؤال : أن الربا كما يعلم كل مسلم من كبائر الذنوب ، وهو محرم قطعا كما قال تعالى " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا "

وقد توعد الله بمحاربة آكليه فقال سبحانه  { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}  وأخبر سبحانه أن مصير الربا المحق ، فقال تعالى { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا

وأكثر الأمم التي عرفت بأكل الربا هم اليهود مع أنه كان محرما عليهم ، وقد ذمهم الله فقال تعالى " وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ " وكل من ألم بشيء من التاريخ يعلم أن اليهود هم سدنة الربا ودهاقينه ، وهم أصحاب أكبر البنوك في العالم ، وما قصة أل روتشيلد ببعيد .

وظني أنك لو ذهبت لأي بنك في العالم ، سواء في إسرائيل اليهودية أو أمريكا المسيحية أو الهند الهندوسية أو الصين بأخلاطها من الملاحدة أو أصحاب الديانات الوضعية ، فسوف تجد أن فكرة الفائدة الربوية تمثل ثابتا أساسيا لا يختلف بغض النظر عن صعودها أو هبوطها ، فالعميل يضع أمواله ليأخذ عليها فائدة ، والبنك يقرضها لآخرين ليحصل على فائدة أكبر وهكذا دواليك .

ومنذ عرف المسلمون هذا النمط من الفائدة البنكية وفتاوى العلماء والمجامع الفقهية سوى نزر يسير على التحريم وأنها قروض جرت نفعا وثمة إجماع على تحريمها لدى الفقهاء المتقدمين .

لكن ما الذي حدث في السنوات الأخيرة ؟ تم البحث عن مخارج عديدة لمعاملات البنوك ، فتارة يقال إنها معاملة مستحدثة ، وعقد جديد ، والأصل في المعاملات الحل ، وتارة يقال إن العملات النقدية لا يدخل فيها الربا وإنما الربا في الذهب والفضة ، أما التخريج الشائع والتبرير الأشهر فهو أن ما يضعه العميل في البنك ليأخذ عليه الفائدة ليس قرضا بل إيداع ، وما يعطيه البنك من مال بفائدة أعلى ليس إقراضا بل تمويل .

وبهذه التخريجة الظريفة ، وتغيير الألفاظ من القرض إلى الوديعة والتمويل ، حلت المشكلة ، وانتفى الربا المحرم ، وذهب الشيخ القائل بالتحليل لينام قرير العين مطمئن البال ، وقد صحح معاملات الناس مع البنوك ، وأنقذهم من كبيرة الربا الشنيعة ، وفي الوقت نفسه أرضى الدولة ، وخدم الاقتصاد الوطني بزعمه !!

ويبقى السؤال الذي بدأ به المنشور : أليست كل بنوك العالم تفعل ذلك ، والاقتصاد العالمي كله قائم على هذا النمط ، وقد بحت الأصوات في بيان الكوارث والأزمات الاقتصادية التي حدثت وستحدث بسبب هذا النظام الربوي ، وما أزمة الرهن العقاري في أمريكا 2008 عنا ببعيد ، وقبلها أزمة النمور الأسيوية ، وقبلها الكساد الكبير عام 1929 م ، وغير ذلك من حالات الإفلاس والانهيار المالي ودخول السجون على مستوى الأفراد والشركات.

فأين الربا المحرم إذن ؟؟ ولماذا تاب اليهود أخيرا من أكل الربا القديم ، فأنشأوا البنوك وتحولت معاملاتهم إلى حلال زلال ؟؟ وما الفرق بين معاملات بنك يهودي وبنك مصري والصورة واحدة .

أنا أسأل فعلا بجدية ، وليت متخصصا يجيبني : أين الربا الآن ؟ ولماذا تزيد كل الموبقات من خمور وزنا وفجور ، اما الربا فهو وحده الذي تقلص ، ولماذا هدى الله البنوك ذات الميول الرأسمالية المتوحشة وهدى الله القائمين عليها وصارت معاملاتهم في القروض موافقة للشرع الحنيف !!

لا تقل لي : الربا الموجود هو ربا الفضل بأن تبيع صاعا بصاعين مثلا من نفس الصنف الربوي ، وهو أمر شبه نادر الآن ، أو تقول هو موجود عند مرابي القرية، الذي يعطي الفلاح ألفا ويأخذهم ألفا وخمسمائة ، لأن هذا المرابي أيضا أمامه حل يسير ، فإذا جاءه الفلاح قال له لن أقرضك ولكني سأمولك ، فقل قبلت التمويل ، وليس البنك بأحسن منا ، ومبارك علينا وعليك !!

وأخيرا : قال تعالى { سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ

أحمد قوشتي عبد الرحيم

دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

  • 8
  • 0
  • 2,356

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً